تزامنت الذكرى الـ 102 لاستقلال أفغانستان، هذا العام، مع هروب الرئيس محمد أشرف غني ودخول "طالبان" إلى القصر الرئاسي الأفغاني ليكتمل مسار أطلقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من خلال قراره بسحب قوات بلاده من أفغانستان وعملية الحوار في الدوحة. وعليه، استمر هذا المسار بعد فوز جو بايدن بالرئاسة الأمريكية.

وحول ما يجري على الساحة الأفغانية، تستوقفنا النقاط التالية:

1ـ يشكل انسحاب المحتلين وتحرير الأرض مكسبا قيميا وبهجة كبيرة لأي شعب خاضع للاحتلال، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الذين هاجموا أفغانستان وانتهكوا سيادتها منذ عقدين لتأمين مصالحهم، سحبوا قواتهم منها أخيرا في ظروف حساسة بعد تكبيد الشعب الأفغاني تكلفة إنسانية ومادية ومعنوية باهظة، من دون تحقيق إنجاز يذكر، مع تجاهلم مصالح الشعب الأفغاني، ضاربين عرض الحائط التزاماتهم المدرجة ضمن الأصول الناظمة للقانون الدولي، ودون تشكيل إطار بديل يرضي جميع الأطراف.

ولا تغفل هذه النقاط الروح المقاومة لدى الشعب الأفغاني تجاه الغزاة المعتدين على مدى قرن من الزمان وسجله المشرف في مقارعة الاستعمار والاحتلال البريطاني والسوفيتي والأمريكي. إن هذه الروح لتستحق كل الإشادة والتقدير.

2- لا يمكن الدفاع عن سلوك طالبان وخطابها الذي درج خلال حكمها السابق  لأفغانستان في فترة 1996 إلى 2001، والذي غلب عليه التوجه الأصولي الراديكالي في تفسير أحكام الدين وتطبيقاتها من جهة، وغلبة النزعة القومية البشتونية لدى صانع القرار في الحركة، وذلك في مجتمع أفغاني متعدد الثقافات من جهة أخرى، مما نتج عنه تجربة غير ناجحة في الحكم في مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، سيما في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة وحقوق النساء. إضافة إلى ذلك، يثير أداء "طالبان" السابق في نضاله ضد المحتلين، والذي أدى إلى مقتل المئات من المواطنين المدنيين، مخاوف موضوعية ومنطقية من تكرار هذه التجربة.

3ـ لقد دفعت الإخفاقات وأداء السلطات الأفغانية الفاسدة السائد للعملية السياسية وإدارة علاقاتها الداخلية خلال العقدين الأخيرين، شريحة من المواطنين الأفغان إلى الترحيب بتغيير نظام الحكم، علاوة على القواعد القبيلة التقليدية في المجتمع الأفغاني. أضف إلى ذلك الإحباط والضعف الذي لحق بالجيش الوطني، والفضاء النفسي الذي شكله فراغ السلطة الناتج عن انسحاب الجيش الأمريكي، والذي سبّب غياب أي نوع من المقاومة ضد عودة طالبان إلى الحكم. وهذا ما عزاه بعض المراقبين إلى القاعدة الشعبية لـ"طالبان"، في مبالغة لتفسير الواقع .

4ـ بغض النظر عن سلوك "طالبان" في المدن والعاصمة الأفغانية كابول خلال الأيام الأخيرة، والذي اختلف إيجابيا عن سلوكها السابق، وحديث بعض الناطقين باسم الحركة عن تغيير في الفكر والممارسة، إلا أنه لابد من التريث قبل إصدار أحكام مسبقة، بل ينبغي رصد الأداء الميداني لحكومة "طالبان" خلال الفترة المقبلة.

تأمل جماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية في أن يؤسس الحكام الجدد لأفغانستان نظاما سياسيا شاملا امتثالا لقيم الشريعة الإسلامية في قبول الآخر والتسامح وأولوية تبني رؤية حضارية، تطبيقا للوعود التي أطلقوها، ليتمكن الشعب الأفغاني المكافح الذي عانى الويلات والمحن والقوى والتيارات الفاعلة، من صناعة مستقبل أفضل لعموم المواطنين والأجيال المقبلة من خلال الحوار الوطني والتفاهم البنّاء بعيدا عن قصر النظر والاحتكار.