بسم الله الرحمن الرحیم

انعقدت الدورة الثانية للمؤتمر الثالث لجماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية في ظروف مختلفة هذا العام، فعلى الصعيد الداخلي وبعد مضي فترة المواجهة مع الخطاب الأصولي ومكوناته الصغيرة والكبيرة، بات يعود خطاب "سيادة الشعب" إلى الواجهة مجددا نتيجة مرونة نسبية أظهرتها المؤسسات السيادية المفصيلة والترحيب الكبير وذات المغزى للمواطنين، حيث تبشر بأفق تدار فيه البلاد على أساس مشاركة جميع المواطنين وإرادتهم الحرة. فطغيان خطاب "حقوق المواطنة" ووجود إشارات واضحة ومباشرة حول احترام مطالب القوميات وأتباع المذاهب، والانتشار الجغرافي للأصوات التي حصل عليها الرئيس المنتخب في الانتخابات، زاد من أهمية هذه الفترة من النشاط السياسي للهويات الهامشية (القومية والمذهبية). لذلك فإن بلورة التوجه المستقبلي للناشطين المدنيين في هذا المجال يكسب أهمية حيوية قصوى، فيتعين أن ينبني هذا التوجه على البحث عن نقاط التعاون والتنسيق وتضافر الجهود مع القوى السياسية والمدنية المؤثرة على المستوى الوطني، اغتناما للفرصة المواتية الراهنة والتحضير المناسب لتوظيفها ومتابعة تحقيق الوعود الانتخابية للفريق الفائز في الانتخابات.

وعلى المستوى الخارجي، تتلاحق التطورات في الدول العربية وتأخذ اتجاهات متفاوتة، وفي هذا السياق، تتسم الأوضاع في مصر وسوريا بتعقيدات أكثر وتأثيرات أعمق على المشهدين الإقليمي والعالمي.

وعلى ضوء الأوضاع المتردية بعد الانقلاب الدموي للجيش المصري والخاسرين من خمس جولات انتخابية ديمقراطية متلاحقة في مصر في الثالث من يوليو 2013 بضوء أخضر أمريكي وتواطأ دول عربية، والأفق المسدود للأزمة السورية، صعّد الكيان الصهيوني الغاصب تهديداته ضد فلسطين ومقدساتها الإسلامية ـ لاسيما قبلة المسلمين الأولى ـ حيث يسعى من خلال مواصلة سياسة الاستيطان إرساء هويته اللاشرعية ونهب ما تبقى من أرض فلسطين أكثر من أي وقت مضى.

وفي هذا السياق، فإن التجربة القيمة للإسلامين في تركيا جديرة بالاهتمام والعناية، حيث حققوا خلال عقد من الحكم إنجازات مبهرة على الصعيدين الداخلي والخارجي بفضل السياسات المرنة والموضوعية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وبالرغم من أن هذه التجربة تواجه بين فينة وأخرى أزمات صغيرة وكبيرة، إلا أن من شأن حل القضية الكردية التاريخية في تركيا أن يثري سجل إنجازات الإسلاميين فيها.

وفي هذه الفترة الحساسة والمعّقدة من تاريخ المنطقة، تأخذ الأزمة السورية منحى كارثيا أكثر وينزف الدم السوري بشكل يومي ومكرر. فللأسف الشديد، فإن اللعبة اللاأخلاقية للاعبين الإقليميين والدوليين إلى جانب عدم مرونة النظام الحاكم، تزيد من عمق الواقع السوري المتأزم وتعقيداته، ففي مثل هذه الظروف يمكن للمدراء الجدد للسياسة الخارجية لبلدنا تبني توجه مختلف والقيام بدورهم التاريخي وإعمال نفوذهم التاريخي على السلطات السورية لإخراج هذا البلد من هذا الوضع المأساوي.

كما أن إعادة النظر في العلاقة مع العالم على أساس منطق الدبلوماسية والموضوعية تؤمن بتأثير المعادلات الدولية على أمن الدولة وتنميتها تعد تحولا إيجابيا يحقق انجازات كبيرة في مختلف المجالات.

ونظرا إلى الثوابت الفكرية والملاحظات العملية النابعة من تعقيدات الحياة الاجتماعية، يؤيد المؤتمر الثالث محورية الاعتدال والموضوعية في سياسات الجماعة، ويؤكد على ضرور استمرار هذه السياسات. لاشك أن تربية الفرد والأسرة المسلمة تعتبر ركنا أساسيا في نشاط الجماعة، لكن الطابع الاجتماعي لعملية التربية وشمولية غايات التربية الإسلامية من جهة، والتعامل البنّاء بين القواعد  والثقافة من جهة أخرى، يحتم علينا العمل لأجل تحسين القواعد المجتمعية.

وفي نفس الوقت، فإن تدرج طبيعة التطورات الثقافية ومخاطر زاول الأهداف السامية بسبب تبني أساليب غير مدروسة يتطلب اختيار المناهج والسبل بدقة فائقة، والابتعاد عن الأساليب السطحية والمتسرعة. فملازمة التوازن في الجهود التربوية والنشاط السياسي والامتناع عن آفات ومخاطر كتقديس الأفراد ورفض العمل التنظيمي، وتكفير المسلمين، واعتبار الملحدين مؤمنين، والعقلانية المحضة، ومحاربة العقل، والانغماس في التزكية والروحانيات بعيدا عن الفقه والعكس و....الخ، تعتبر من الضروريات العملية للتوجه الاعتدالي الذي يضمن سلامة أي فكر ومدرسة فكرية وديمومتها.

وبعد دراسة نشاطات الجماعة فخلال عامين والنصف الماضيين، يؤكد المؤتمر على الثوابت الإستراتيجية التالية، وضرورة التزام جميع الأعضاء بها:

1ـ احترام الحريات، وحقوق الإنسان والديمقراطية

2ـ التركيز على ثقافة العمل الجماعي والتنظيمي

3ـ إرساء خطاب قبول الآخر وثقافة التحمل

4ـ التفكير المؤسسي والشامل

5ـ تبني رؤية فاعلة وليست منفعلة حول الرأي العام

6ـ إشاعة النقد البنّاء والنقد الذاتي

7ـ تقديم الخدمات الاجتماعية للمجتمع

8ـ التأكيد على الهوية الإيرانية للجماعة

على ضوء التطورات الدولية والداخلية المذكورة أعلاه، وفي ظل المباديء الفكرية والقيم الأساسية المندرجة في ميثاق الجماعة، يرى المؤتمر العناية بالقضايا التالية ضروريا للوفاء بالصوت المُطالب بالتغيير وذات المغزى للشعب الإيراني العظيم للحكومة الحادية عشرة:

1ـ الإسلامية كالركيزة الأساسية لتشكيل نظام الجمهورية الإسلامية، تتطلب الاهتمام بقضايا المسلمين والعمل لتحسين مكانتهم وموقعهم على الساحة الدولية. وفي هذا الإطار، فإن تحسين العلاقات مع الدول الإسلامية، سيما دول الجوار يعتبر من أبجديات السياسة الخارجية وسبيل توفير الأرضية الخصبة للتنمية الداخلية من خلال كسب الثقة والأمن الإقليميين، فضلا عن أن ذلك واجب قرآني وهو من استحقاقات الشعارات الأولى للثورة.

كما أنه رغم طرح شعارات ووعود مبشرة حول إشراك القوميات وأتباع المذاهب في الإدارة العليا للبلد، للأسف لم نشهد إجراء عمليا في هذا المضمار حتى الآن، وامتناع حكومة "الحكمة والأمل" عن  إشراك القوى السنية في تركبية حكومة الصالحين، ترك آثارا سلبية على التفاءل المبدئي الذي كان قد نشأ لدى هذه الشريحة من الشعب الإيراني، فيُتوقع في الفرصة المتبقية، إحياء الآمال المتآكلة من خلال اتخاذ تدابير لازمة في هذا الخصوص.

3ـ إطلاق سراح السجناء السياسيين خطوة مباركة تستعيد أجواء التصالح والانسجام وتمهد الأرضية المناسبة لتنفيذ برامج الحكومة بنجاح. ثم يساهم ذلك في رفع مكانة النظام على الصعيد الدولي. وفي هذا الصدد نؤكد أن العناية الخاصة بأوضاع سجناء أهل السنة و26 شابا كرديا وإعادة النظر في الأحكام الصادرة بحقهم وفق محاكمة شفافة وعادلة تزيل الشبهات الموجودة وتعبر عن سلامة السلطة القضائية وتسحب الذرائع من الحاقدين الذين يحاولون إشاعة الطائفية البغيضة بين المسلمين.

4ـ كما أعلن واختبر مرارا وتكرارا، فإن طرح شعارات الأخوة ودعوات الحرية دون التزام عملي بها، لن ينتج عنها إلا إيحاء مشاعر التعرض للتضليل والانخداع لدى الأقليات وقوى خارج الحكم وزيادة اليأس والإحباط وحتى نشر بذور الحقد والكراهية في نفوسهم. لذلك فإن الحديث عن إحياء حس الكرامة الإنسانية ورفع الشعارات في المنابر الإعلامية والسياسية دون بذل مساعي عملية لتحسين الواقع وإسهام القوميات وأتباع المذاهب في السلطة والثروات الوطنية والإعلام والفرص الاجتماعية يتعارض مع الدستور وشعارات الحکومة، إذن، نطالب بإزالة القيود والمضايقات الانتقائية، وإشراك أهل السنة في وسائل الإعلام الحكومية والمنابر الوطنية، والمصادر التعليمية التي تتعارض مع روح التقارب والتعايش.

5ـ توسيع مؤسسات المجتمع المدني كان من الشعارات الرئيسة لحكومة "الحكمة والأمل"، والتأكيد على هذا الشعار يدل على فهم متطلبات الحكم السليم وتنمية البلد. بالتالي فإن خلق مناخ مناسب تتناغم فيه مواقف وآراء نخب المجتمع عبر إنشاء المؤسسات الأهلية والإستفادة من آرائهم وخبراتهم، مفتاح تنمية البلد وتقدمه.

في السياق نفسه، تأمل جماعة الدعوة والإصلاح في تطبيق هذا الشعار على أرض الواقع والإسراع في إحياء الحق الشرعي في إنشاء الأحزاب والمؤسسات بحكمة وجدية لازمة.

وختاما، نتمنى التوفيق لخادمي البلد والشعب، آملين فتح صفحة جديدة من النمو والتنمية في إيران من خلال اتخاذ تدابير وقرارات مدروسة وإرادة جادة للحكومة الحادية عشرة، ليتمكن الشعب الإيراني من استكمال مسيرة التكامل بالنجاح والسعادة.