انعقدت یوم الخمیس الثامن عشر من شهر آبان الجاری-الثامن من نوفمبر 2012 الجلسة العاشرة للهیئة التنفیذیة لجماعة الدعوة والإصلاح الإیرانیة وذلک بمکتب الجماعة فی طهران.

 .وقد خص الأستاذ عبدالرحمن بیرانی – الأمین العام للجماعة- مقدمة بیانه بالحدیث عن مکانة الحقوق والحریات الفردیة والاجتماعیة فی الفکر الاسلامی .وقد عبر سماحته فی مطلع کلامه عن احترامه لجمیع جهود الفلاسفة والمتفکرین الغربیین من الثورة الفرنسیة إلی الثورة البریطانیة وجهود الشعب الأمریکی المتواصلة فی نیله للحریة والاستقلال .... قائلا : إن فضل هذه الجهود یعود إلی معرفة هذه الحریات ولیس لإبداعها و قد قامت الأجیال بعد ذلک ببسط هذه المفاهیم وفی عالمنا الیوم فإن الحقوق والحریات و حدودها ومدی الاستفادة منها لدی المواطنین ومشارکتهم فیها  یعد من أهم قضایا المواطنین فی کل العالم :

  وأضاف قائلا: إن الانسان – من منظورالدین- لم یخلق لنفسه فحسب ، یعیش لنفسه ولا یبدی اهتماما بغیره... إن الإنسان لم یخلق عبثا حتی لا یکون بلا تکلیف ولا جزاء ولا أجر والآیة الشریفة فی سورة الملک تؤکد علی ذلک حیث یقول الله تعالی : (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزيزُ الْغَفُورُ)   و لا شك  أنه  لن یترک سدی كما قال الله تبارك و تعالي :  (أَیَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن یُتْرَکَ سُدًی؟ (القیامة/۳۶)

  وبین سماحته وظایف الإنسان ورسالته المأخوذة من ثلاث آیات من القرآن الکریم  نقلا عن الراغب الاصفهانی وهی:

    • عمارة الأرض المذکورة فی قوله تعالی: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ. (هود/۶۱)
    • عبادة الله  المذکورة فی قوله تعالی : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. (الذاريات/56)
    • االخلافة المذکورة فی قوله تعالی: ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. (يونس/۱۴)

وفی الحقیقة إن الدنیا میدان اختبار البشر وأن الله یرید أن یختبرهم وینظر کیف یمضون حیاتهم ، بشکر النعم أم بکفرها؟ بالعدل أو الظلم؟

 وقد أشار فی موضع آخر من کلامه إلی العلاقة بین المسؤولیة والحریة وأضاف قائلا: من منظورالدین فإن الإنسان یأتی إلی الدنیا حاملا التکلیف ویحمل علی عاتقه عبأ التکلیف والأمانة وهذا مما یقتضی أن تکون لدیه الحریة الکافیة .. إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب/۲۱) وإذا ما تم الاهتمام بهذه الصفة إلي جانب صفات الرحمة و المحبة للخلق ؛ فستظهر أهمیة عنصر الحریة و الاهتمام بالحریات الفردیة والجماعیة بشکل أکبر کوسیلة أساسیة لتحقیق ذلک.

 .وأشار سماحته مبینا أن أحکام الإسلام قد شرعت علی أساس الواقع وأضاف : قد لوحظت الحریات الفردیة والاجتماعیة وحریة الآخر فی تشریع الأحکام ومن وجهة نظرالإسلام متی وجد التعارض بین الحریات الفردیة والحقوق الاجتماعیة فإن الحقوق الاجتماعیة مقدمة علي الحقوق الفردیة وقد فصل بعض العلماء هذا المضمون تحت عنوان (جلب المنفعة ودفع المضرة).

 وأضاف : إن المجتمعات الإسلامیة الیوم – وللأسف الشدید- لیست فی حالة جیدة من حیث الحریات الاجتماعیة ، وقد یرجع بعض الأمر إلی ضعف أو فقدان الإرادة  للمشاركة فی المجال الاجتماعي لدی المواطنین ، ولکن المانع الأهم هو أن بعض الأشخاص والمجموعات بسبب عْقدها الفکریة أو تعصبها الطائفی أصیبت بنوع من الانجماد وعدم التغییر ولا تری الفروق بين أبناء البشر ؛ أو قد أصبیت بالاستعلاء والاستکباروالظلم ولم تستطع السیر فی الطریق الصحیح وفی العالم الإسلامی –وللأسف – فإن مصادیق هذه الظاهرة لیست قلیلة..وإذا تم التعامل علی أساس من التمايزات الفکریة والذاتية والمذهبية والقومیة ، فلا معنی إذن لکوننا رحمة للعالمین.. ولکی نکون سببا للرحمة فلابد من تخطی هذه الحدود نفسیاٌ.

 . للحقوق الفردیة فی الغرب  دور  أکثر وقد تسبب فی بعض العراقیل وقد أشار إلیها المفکرون الغربیون أنفسهم وأحد الأسباب التاریخیة لهذه الحالة هو تشدد نواب الکنیسة والاستبداد السیاسی لبعض ولاة الأمور؛ الأمرالذی أدی إلی تقدیس الحقوق الفردیة.

 .إن مبدأ الاحترام للحقوق والحریات الفردیة – فی الشریعة الإسلامیة- لم یکن انعکاسا لظلم الحکومات ؛ لأن الأصل فی هذ الأمر هو أن تقوم الحکومات علی أساس العدل والقسط و أن تکون مبرأة من الظلم والاستبداد والفساد. ولا یحق للنظام الإسلامی أن یُبنی أو یدار علی الظلم و الاستبداد وإن مراعاة حقوق الأقلیات تُعد من أهم مظاهر العدالة لدی الحکومة.ولو نظرنا إلی السیرة النبویة بدایة تشکیل الدولة الإسلامیة- وفق ما جاء فی وثیقة دولة الرسول علیه الصلاة والسلام- فان حقوق أهل الکتاب - بل وحتی المتحالفین معهم- قد تم الاهتمام بها والتاکید علیها وفی عالمنا الیوم –کذلک – فإن من أهم معاییر شرعیة الحکومات و مقبولیتها، هو مدی حریة المواطنین واستمتاعهم بحقوقهم الفردیة والاجتماعیة.

ونأمل أن تعمل جمیع الجماعات المنتصرة فی الربیع العربی – و خاصة الإخوان المسلمون- وجمیع من لدیهم القدرة علی مراعاة حقوق المواطنین بغض النظر عن نظرتهم الفکریة والسیاسیة من العلمانیین إلی السلفیین وأن لا یحیدوا عن طریق العدل والمساواة وأن لا ینسوا أی فرقة و لو کانت صغیرة.

 ووصیتی للإخوة والأخوات فی الجماعة أن یقدموا الخدمة ما استطاعوا فإنه إذا ما تم الاعتراف بجماعة فی الوطن الإسلامی فإنما ذلک کان جزاء ما قدمته تلک الجماعة للناس من الخدمات . فلا یمکن أن نبقی منفردین ومنقطعین عن العالم ولا یمکن أن ننطوی علی أنفسنا ونکتفی بصحة الطریق بل لابد من الحضور فی المجتمع والقیام بالخدمة قدر المستطاع وإن الجماعة وسیلة لتقدیم الخدمة إلی الناس.

 وأخیرا أشار سماحته بأننا إذا ما اشتکینا من  فرقة خاصة تتعامل معنا بشکل غیر مطلوب ؛ فلا یحق لنا أن نتعامل بنفس الأسلوب و نعتبر تلک الجماعة ضدا و معارضا لنا .. لابد أن نکون مستعدین للتعاون فی کل لحظة وإذا ما قام أحد بنقد غیر منصف للجماعة أو ذمها  فلا بد أن نکون علی وعی ولا تصدر منا نفس الأعمال و لا نقابله بمثل ما یقوم به . ونظرا للظروف الإقلیمیة الراهنة فلابد أن نتابع القضایا ونحللها بکل ذکاء و أن لا ننسی بأننا نعیش فی هذا الوطن وعلینا أن نتعامل مع عامة المواطنین من منطلق الشفقة والأخوة.

 وبعد انتهاء بیان المرشد قام مسؤولو المحافظات و اللجان والهیئات المرکزیة للجماعة بعرض ومناقشة الأمورالتی تخصهم.