وديع عواودة January 17, 2015 الناصرة – «القدس العربي»: لم تتردد إسرائيل في الرقص على دماء الفرنسيين منذ وقوع الاعتداءات في باريس ومحاولة استثمارها واصطياد عدة عصافير بحجر واحد ولم تخف بعض أوساطها شبه الرسمية تشفيها في فرنسا التي لم «تتنبه للإرهاب الإسلامي وتهاونت مع المنظمات الإرهابية الفلسطينية» كما جاء على لسان الكثير من المراقبين والمحللين المقربين من المؤسسة الحاكمة. وفيما بعد عملية شارلي إيبدو تتركز المساعي الدعائية والدبلوماسية الإسرائيلية بقنواتها الأخطبوطية لحصد مشاعر الغضب والخوف في العالم الغربي من الإسلام السياسي للتحريض عليه وعلى العرب والمسلمين. وبذلك يسعى أيضا لتحقيق هدف غير معلن آخر يكمن في محاولة المساس بالتضامن الدولي مع الفلسطينيين كشعب يرزح تحت الاحتلال وبتخفيف حدة التحامل العالمي على إسرائيل وامتصاص مخاطر عزلها وتعميق مقاطعتها وفع العالم لتفهم الإجراءات الأمنية المشددة على الفلسطينيين وتفهم استمرار حصار غزة ووضع نحو مليونين فلسطيني داخل ما يشبه علبة الثقاب. ولا شك أن محاولة إسرائيل بقيادة حكومتها للركوب على موجة الإسلاموفوبيا تأتي عشية صدور قرارات محكمة الجنايات الدولية يشأن جرائمها في غزة والتي تحسب حسابها وتسعى لتحفيف أحكامها. كما يستدل أيضا من دفع بعض جرحاها الإسرائيليين للظهور أمام قضاتها في محاولة لشيطنة حماس وإظهار إسرائيل ضحية أو القول إنها وحماس في سلة واحدة على الأقل. استثمار الإسلاموفوبيا يبدو أن اهتمامات السياسيين الإسرائيليين المنهمكين في حملاتهم الانتخابية ما زالت تتجه في الوقت نفسه نحو استغلال هجمات باريس لجهتي الإنخراط في ما سمي الجهد الدولي «لمكافحة الإرهاب الإسلامي»، واعتبار إسرائيل ضحية له. ويواصل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو الممتاز بقدراته الدعائية وتعويله على الترهيب بواسطة «الفزاعة الإسلامية» محاولاته لوضع إسرائيل وفرنسا في خانة واحدة هي خانة الضحية زاعما أن «الإسلام المتطرف» هو عدونا جميعا داعيا أوروبا لمساندة إسرائيل. ويغتنم نتنياهو كل فرصة لاستغلال الاعتداءات في باريس لوصم الفلسطينيين والمسلمين بـ «الإرهاب». الهجرة والاستيطان وبموازاة الاهتمام بالمعركة على وعي العالم بعد الحادثة التي وصفت بعملية برجي التجارة الخاصة في فرنسا فإن عين إسرائيل تتركز بيهودها البالغ عددهم نحو نصف مليون. مستغلا حالة الخوف المهيمنة في فرنسا يكرر نتنياهو دعوته يهودها للهجرة سريعا إلى «وطنهم الوحيد إسرائيل». تشير معطيات وزارة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية إلى أن عام 2014 شهد تصاعدا كبيرا بعدد المهاجرين اليهود من فرنسا لإسرائيل والذي بلغ نحو سبعة آلاف مهاجر مقابل 3400 مهاجر عام 2013. وقبيل أحداث باريس قدرت الوزارة أن يصل إلى إسرائيل هذا العام نحو عشرة آلاف يهودي من فرنسا، وبعد الأحداث وصلت التقديرات إلى أن يزيد عدد اليهود الفرنسيين الذين سيصلون إلى إسرائيل ما بين عشرة إلى عشرين ألف مهاجر، ولذا أعلن نتنياهو عن تشكيل طاقم وزاري لهذا الغرض. وكرست إسرائيل في السنوات الأخيرة جهودا كبيرة لدفع يهود فرنسا للهجرة لها بعد توقف الهجرة من بلدان الاتحاد السوفييتي سابقا. ولا يفوت وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان فرصة استغلال هجمات باريس لدعوة اليهود الفرنسيين للهجرة، وذهب إلى حد تعبيره عن أمله بأن يهاجر يهود العالم إلى إسرائيل دون علاقة للهجمات في باريس، معتبرا أنهم «باتوا يملكون دولة بعد انتظار آلاف السنوات». كما كشف النقاب عن أن وزير الإسكان، أوري أرئيل(البيت اليهودي) أوعز بتوسيع العديد من المستوطنات في الضفة الغربية بهدف استقبال المهاجرين من فرنسا. وكشفت «القناة الثانية» للتلفزيون الإسرائيلي، أن أريئيل، بعث برسالة إلى مجلس المستوطنات، في الأيام الأخيرة، قال فيها إن إسرائيل تستعد لاستقبال عدد كبير من المهاجرين اليهود الفرنسيين وأنه ينبغي الاستعداد لإسكان جماعي لهم والعمل على توسيع المستوطنات. وأضاف في رسالته أنه ‘لا شك في أن يهود فرنسا يشعرون بالتعاطف مع المشروع الاستيطاني وأن وزارة الإسكان ستعمل على توسيع المستوطنات من أجل استيعاب المهاجرين اليهود الفرنسيين». احتمالات الهجرة لكن هذا لا يعني أن كل اليهود في فرنسا يفكرون في الهجرة من البلاد، ولكن النتيجة التي توصلوا إليها، سواء أولئك الذين يرون في بنيامين نتنياهو زعيما لهم، أم «اليهود الجمهوريون» الذين يحلمون بأن يصبحوا فرنسيين، هي أن «مستقبل أبنائهم موجود في مكان آخر». في تقرير مطول نشرته الجمعة أوضحت صحيفة «هآرتس» أن أعدادا كبيرة من اليهود يتوجهون اليوم لدراسة اللغة العبرية. وأشارت إلى مدرسة في باريس يصل إليها يوميا المئات من التلاميذ لدراسة اللغة، في حين يقف شرطيان مسلحان لحماية المبنى. وأشارت أيضا إلى أن المبنى يضمن 67 صفا ثابتا، ومن المتوقع أن يتم فتح صفوف أخرى في السنة المقبلة لدراسة اللغة العبرية. وتبين أن عدد الطلاب قد ارتفع بنسبة 15٪ مقارنة مع العام الماضي. وبحسب الصحيفة فإن بعض الصغار الذين يدرسون اللغة العبرية يخططون للهجرة إلى إسرائيل. مع الإشارة إلى أن النسبة ليست مرتفعة كما كان يتوقع، في حين يهدف البعض الآخر إلى ما سمته الصحيفة «تعزيز هويتهم اليهودية من خلال اللغة والثقافة». نقطة تحول ويعتبر معد التقرير للصحيفة، يائير أتينجر، أن الهجمات في باريس نقطة تحول بالنسبة لفرنسا وبالنسبة لليهود فيها. كما لفت إلى أن اليهود منقسمون، بين من هم على استعداد لتتويج بنيامين نتنياهو رئيسا لحكومة يهود فرنسا، وبين من يخشى التصريح بذلك. ونقل عن أحد المسؤولين في مركز ثقافي يهودي، جان فرانسوا ستروف، قوله إن هناك عددا كبيرا من اليهود الذين يريدون أن ينظر إليهم الفرنسيون كفرنسيين، ولا يريدون أن ينظر إليهم كغرباء، وبالنتيجة فإن ظهور نتنياهو، ورفع العلم الإسرائيلي في الكنيس وتجاهل الرئيس الفرنسي، كان إشكاليا حيث عزز ذلك من «غربتهم» في ظروف غاية في الحساسية. مهاجرون بعد الهجمات وعلى الصعيد ذاته، كتبت الصحيفة، في تقرير آخر، أن ما تسمى بـ»الوكالة اليهودية» تستعد لتصعيد موجات الهجرة من فرنسا إلى البلاد. ولفتت الصحيفة إلى أن نحو 2000 يهودي طلبوا معلومات بشأن الهجرة بعد الهجمات الأخيرة. وأشارت إلى أن الوكالة اليهودية تدرس إقامة مراكز استيعاب ليهود فرنسا. كما كتبت أن الحكومة الفرنسية، ويهود فرنسا أيضا، باتوا يدركون أنهم يواجهون احتمال «اختفاء جزء من الجاليات اليهودية في فرنسا الذين قدم 80٪ منهم إلى فرنسا من دول شمال أفريقيا قبل عشرات السنوات». كما أشار إلى أنه في بعض المدارس تراجع عدد الطلاب اليهود، في العام الماضي بنسبة 10٪ إلى 15٪، وذلك لكون عائلاتهم هاجرت إلى إسرائيل. ونقل عن مهاجرين يهود إلى البلاد قولهم إن هناك عدة أسباب دفعتهم للهجرة إلى البلاد، بينها أسباب اقتصادية وأيديولوجية، ولكن المشترك بينهم هو السعي للإحساس بالأمن. وتشير تقديرات مسؤولين على صلة بهجرة اليهود إلى البلاد إلى أن تأثير الهجمات الأخيرة على هجرة اليهود سوف يستمر لسنتين على الأقل. استغلال ساخر وبعد الكشف عن أن نتنياهو كان ضيفا «غير مرحب به» في مسيرة باريس وأنه قد تدافع من أجل الظهور في واجهتها والتلويح للجمهور يتجند بعض مقربيه من الوزراء والمعلقين لنفي التهمة بأنه سعى لاستغلال مأساة فرنسا لأغراض انتخابية لا سيما أن شعبية حزبه في الحضيض وتنذر بفقدانه السلطة. الحملة الانتخابية ويؤكد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق د. ألون ليئيل أن الرئاسة الفرنسية كانت تخشى أيضا من استغلال نتنياهو الحدث العالمي في باريس لخدمة حملته الانتخابية. ماء إسلامي على طاحونة إسرائيل ويستذكر إلى أن نتنياهو فعل الشيء ذاته عشية انتخابات 2013 في تولوز في فرنسا عندما شارك في إحياء ذكرى يهود قتلوا هناك. ويرجح ليئيل أن يواصل نتنياهو استغلال أي حادثة عالمية لتحقيق أكثر من هدف بما فيها تحسين حالته الانتخابية لكن جهوده منصبة على الربط بين مشكلة الإسلاميين في الغرب وبين إسرائيل والصراع العربي في محاولة ماكرة للظهور ضمن معسكر واحد مع الحضارة الغربية ضد «البرابرة» من الشرق. ويتابع المحاضر الإسرائيلي: «إسرائيل محظوظة فالتيارات الإسلامية المتطرفة تصب الماء على طاحونتها الدعائية وتخدم مزاعمها بعدم وجود شريك فلسطيني للتسوية»، مرجحا أن تواصل إسرائيل اليوم وغدا دعوتها أوروبا لدعم حرب إسرائيل على «الإرهاب» والربط بين فصائل المقاومة الفلسطينية والتنظيمات الإرهابية ووضعهم في خانة واحدة. انتقادات إسرائيلية على خطى مراقبين إسرائيليين آخرين يؤكد المعلق في «القناة الأولى» آري شافيط أن دعوة اليهود لمغادرة وطنهم فرنسا «كانت ستكون طبيعية وشرعية جدا لو تمت في فترة اعتيادية لا في توقيت بائس» ويتابع أن «هذا هو الوقت لدعم يهود فرنسا لا إضعافهم». ويرى شافيط أن الدعوة للهجرة عقب الاعتداءات تبدو «خضوعا للإرهاب وطعنة في ظهر دولة صديقة في أوج مكافحتها له « محذرا من احتمال هجرة بعضهم إلى دول أخرى لا إلى إسرائيل. ويتفق معه المعلق يئجال سرينه «يديعوت أحرونوت» مرجحا هو الآخر أن يواظب نتنياهو ووزراؤه على تكرار ما قاله داخل» الكنيس الكبير» في باريس: عدونا جميعا هو الإسلام المتطرف: تنظيم الدولة الإسلامية، حماس، بوكو حرام، القاعدة، النصرة، الشباب، حزب الله..الإسلام المتطرف يطمح لإحلال نظام استبداد مظلم على العالم وإعادة الإنسانية ألف سنة للوراء». وينوه سرينا إلى أن حكومة إسرائيل تعمل كل ما بوسعها كي يذود العالم زعمها أنه «ليست صدفة أن الإسلام المتطرف يطمح لإبادة دولة إسرائيل منذ قيامها، لأنها الديمقراطية الغربية الوحيدة في الشرق الأوسط». رئيس الموساد وبخلاف السياسة الرسمية المعتمدة في إسرائيل يعتبر رئيس الموساد الأسبق إفرايم هليفي أن محاولة استغلال العمليات من أجل تسيير فرنسا مع السياسة الإسرائيلية أزاء الفلسطينيين- أي الوحدة ليس ضد القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية فقط، وإنما ضد ابو مازن – لن تنجح، بل ستعمق الفجوات الضارة بين الدولتين. ويختم بدعوة إسرائيل للحذر «فرنسا تقف الآن أمام الحاجة إلى صياغة سياسة أزاء ملايين المسلمين الذين يعيشون فيها، وغالبيتهم مواطنين فيها. إسرائيل لا تملك ما تساهم به في هذا المجال، لكن نتائج مداولات الحكومة الفرنسية ستؤثر علينا – ولذلك يتحتم علينا بشكل أكبر، تدعيم خطواتنا بالحساسية والحكمة». وديع عواودة