من حق الأمم و الشعوب أن تفخر بعلمائها الأجلاء و من حقنا الإيرانیین أن نفخر بأحد العلماء الأكابر الذي كرّس نفسه لخدمة الدين والعلم و الفقه والأخلاق الإسلامية . ليس ثمة جهد يضاهي جهد العلماء ، فإنهم مشاعل النور و الضياء في كل زمان و مكان و لهذا رفع الله قدرهم و أعلی شأْنهم بقوله جل ثناؤه :«هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون إنما يتذكر أُولوا الألباب »
ولهذا ينبغي إبراز حياة عبقرية من العباقرة بمنطقة غرب إيران بمحافظة «كرمانشاه » الذي كرّس حياته لخدمة الدين و الإنسان في قطاع محروم لكي يحقق أمله المنشود و ینال مرضاة ربه و هو « العلامة الشيخ محمد أمين الحسيني الكلاشي » الذي قصة حياته قد سمع بها القاصی و الداني.
اسمه ونسبه و نشأته:
هو العلامة «محمد امين الحسيني الشهير بالشيخ محمد أمين الحسيني الكلاشي» فقيه و محدث وأديب و العالم بالرياضيات. کانت أسرته تقضي الشتاء بقريته المشتوية «مره مير » و المصيف بمنطقة «باغان و ماكوان ». رحلت أسرته إلی «ماكوان» و خيّموا بمکان یسمّیٰ «دره هه وار ». وبینما کانَ محمد أمين طفلاً رضیعاً ولم یکن يعرف بعدُ أُمَه وکان يحتسي من ثدي أُمه؛ إذ أصابت رصاصةٌ طائشة من بندقیة جارهم صدرَ أمه الحنون و اختطفت منه ذلک الحضن الدافیء. کانت هذه الحادثة مقدمة المعاناة و المكابد و انقضی عمره یتیماً بين أقاربهِ.
مسيرته العلمية:
عندما بلغ إلی سن التمييز أرسله أبوه لتتلمذ عند الأستاذ «محي الدين الحسيني لوني» الذي كان من أبرز علماء الدين بمنطقة «الكلاش» و حفظ القرآن فی مدة سبعة أشهر لذكاوته المرهفة؛ و أتمَّ دراسة الکتابینِ الشهیرینِ بالفارسية «گلستان و بوستان » لشيخ الأجل سعدي الشيرازي و بعد ذلك عزم الرحيل إلی «باينغان وخانقاه » بريف «باوه » لمواصلة دراساته و درس عند الحاج «سيد حسين المسعودي الخانقاهي» كتابَ «التصريف» لِملا علي في الصرف و واصل دراسته في أنحاء مختلفة من العراق فرارا من الظلم الذي تمارسه الحكومة البهلوية فی إیران ؛ و اشتغل بعلوم المنقول عند الأُستاذ «بابا رسول بيدني» و سافر طلباً للعلم علی طريق المولعين بالمعرفة و اكتسب العلوم العقلية مثل الفلك والرياضيات عند الأُستاذ «ملا محمد الرئيس» ثم درس علی ید الأستاذ العلامة «ملا عبد الكريم المدرس »ببيارة و بعد إتمام دروسه الدينية نال الإجازة الدينية و العلمية علی يد أستاذینِ جلیلینِ«ملا محمد بيدني و العلامة ملا عبد الكريم المدرس » و قد كانت رحلته العلمية بالعراق استغرقت ثماني سنين و بعد ذلك صار أستاذاً بارعاً في العلوم الدينية و العقلية.
نشاطاته العلمية و الدينية:
وبعد رجوعه إلی مسقط رأسه، قرية «كلاش»أحيا بمجاهدته الدؤوب المدارسَ و الحجراتِ الدينية والعلمية. اشتُهر بین الناس علماً و أدباً خاصةً بمنطقة «الاُورامانات»و لذلک سُمِّي بالملا الكلاش و ساعده الناس و من حوله من الأكابر والأفاضل لتحقیق آماله و بعد مدة قليلة غادر«كلاش» إلی قرية «شمشير»بريف «باوه»و بعد سنة أخری انتقل إلی «باينغان»وقد ربّی كثيراً من طلاب العلوم الدينية حتی رجع في سنة 1355ه. ش. إلی مسقط رأسه «الكلاش»و في سنة 1362ه. ش. انتقل إلی مدينة «جوانرود»و سكن بمسجد دارالإحسان و هناك صار مرجعاً شرعياً للعلماء و كافة الناس و عُيّن قاضياً لرفع الخلافات و القضایا الفقهية و الشرعية و الحقوقية و المدنية.
آثاره العلمية:
مع الأسف من أجل مواصلة دراساته المتواصلة ليلاً و نهاراً ؛ لم یتسنَّ له أن یکتب ما لدیه من العلم الواسع إلا كتاباً في علم المنطق باسم كتاب «العزيزية»
وفاته:
هذا العالم الجليل قد توفي سنة 1380ه.ش عن عمر يناهز ثمانين سنة بمدينة«جوانرود»و بوفاته فَقَدَ أهلُ السنة الإيرانية خاصةً المناطق الكردية أحدَ أعمدة العلم الديني الذي لا يعوّض و ارتحل إلی رفيقه الأعلی بعلمه الزاخر. نرجو من الله تعالی أن يحشرهُ مع الأبرار والأخيار.
الآراء