يفترض الإسلام الحنيف الحكومة قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس ، فهو لا يقر الفوضى ، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام ، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : (إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه), كما قال في حديث آخر لبعض أصحابه كذلك : (إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم رجلا) .
فمن ظن أن الدين – أو بعبارة أدق الإسلام – لا يعرض للسياسة ، أو أن السياسة ليست من مباحثه ، فقد ظلم نفسه ، وظلم علمه بهذا الإسلام ولا أقول ظلم الإسلام فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيها الباطل من بين يده ولا من خلفه .. وجميل قول الإمام الغزالي رضى الله عنه : (اعلم أن الشريعة أصل ، والملك حارس ، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع) فلا تقوم الدولة الإسلامية إلا على أساس الدعوة ، حتى تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة ، ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح فيها , كما لا تقوم الدعوة إلا في حماية تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها .
وأول خطئنا أننا نسينا هذا الأصل ففصلنا الدين عن السياسة عملياً , وإن كنا لن نستطيع أن نتنكر له نظرياً فنصصنا في دستورنا على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام , ولكن هذا النص لم يمنع رجال السياسة وزعماء الهيئات السياسية أن يفسدوا الذوق الإسلامي في الرؤوس ، والنظرة الإسلامية في النفوس , والجمال الإسلامي في الأوضاع ، باعتقادهم وإعلانهم وعملهم على أن يباعدوا دائمًا بين توجيه الدين ومقتضيات السياسة ، وهذا أول الوهم وأصل الفساد .
دعائم الحكم الإسلامي:
والحكومة في الإسلام تقوم على قاعدة معروفة مقررة ، هي الهيكل الأساسي لنظام الحكم الإسلامي .. فهي تقوم على مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام إرادتها ولا عبرة بعد ذلك بالأسماء والأشكال .
مسئولية الحاكم:
فالحاكم مسئول بين يدي الله وبين الناس ، وهو أجير لهم وعامل لديهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، وأبو بكر رضى الله عنه يقول : عندما ولى الأمر وصعد المنبر: (أيها الناس ، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم ، فأنا الآن أحترف لكم ، فافرضوا لي من بيت مالكم) . وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير ، بل هو وضع أساسه , فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة , فإذا أحسن فله أجره , وإن أساء فعليه عقابه .
وحدة الأمة:
والأمة الإسلامية واحدة , لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلا بها ولا يتحقق إلا بوجودها . ولا يمنع ذلك حرية الرأي وبذل النصح من الصغير إلى الكبير ، ومن الكبير إلى الصغير ، وذلك هو المعبر عنه في عرف الإسلام ببذل نصيحة ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة)، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) وقال : (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) ، وفي رواية : (وبطن الأرض خير لهم من ظهرها) ، وقال : (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) .
ولا تكون الفرقة في الشؤون الجوهرية في الأمة الإسلامية ، لأن نظام الحياة الاجتماعية الذي يضمها نظام واحد هو الإسلام ، معترف به من أبنائها جميعًا . والخلاف في الفروع لا يضر، ولا يوجد بغضًا ولا خصومة ولا حزبية يدور معها الحكم كما تدور .. ولكنه يستلزم البحث والتمحيص والتشاور وبذل النصيحة , فما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه وما لا نص فيه فقرار ولي الأمر يجمع الأمة عليه وهى شيء بعد هذا .
احترام إرادة الأمة:
ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق مراقبة ، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير , وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها , وأن يأخذ بالصالح من آرائها , وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159) . وأثنى به على المؤمنين خيرًا فقال : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38) .
ونصت على ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهدين من بعدهم .. إذا جاءهم أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم، بل أنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثونهم عليه . فيقول أبو بكر رضى الله عنه : (فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أو قوموني) , ويقول عمر بن الخطاب: (من رأى فيّ اعوجاجًا فليقومه) .
(والنظام الإسلامي) في هذا لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها , ومتى طبقت تطبيقاً يحفظ التوازن ولا يجعل بعضها يطغى على بعض , ولا يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم ، وإن في المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة ، وهو ما يعبرون عنه فالاصطلاح الحديث "بالوعي القومي" أو "النضج السياسي" أو "التربية الوطنية" أو نحو هذه الألفاظ ، ومردها جميعًا إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلاحية النظام ، والشعور بفائدة المحافظة عليه … إذ أن النصوص وحداها لا تنهض بأمة كاملة كما لا ينفع القانون إذا لم يطبقه قاضٍ عادل نزيه .
ونحن في حياتنا العصرية قد نقلنا من أوربا هذا النظام النيابي الذي تعيش في ظله حكوماتنا الآن , ووضعنا دستورنا على أساسه ، وتغيير هذا الدستور مرة باسمه كذلك ، وجربنا الكثير من آثاره ، فإلى أي مدى ينطبق هذا النظام على الإسلام ؟ وإلى أي مدى كانت فائدتنا منه طوال هذه المدة ؟
ذلك ما سنعرض له إن شاء الله .
دعائم نظام الحكم
( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة
قدمت في الكلمة السابقة أن الدعائم التي يقوم عليها نظام الحكم الإسلامي ثلاث :
(أ) مسؤولية الحاكم .
(ب) ووحدة الأمة .
(جـ) واحترام إرادتها .
ولقد تحقق هذا النظام بأكمل صورة في عهد الخلفاء الراشدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم . فكانوا يشعرون أتم الشعور بالتبعات الملقاة على كواهلهم كحكام مسؤولين عن رعاياهم . ويظهر ذلك في كل أقوالهم وتصرفاتهم وحسبك أن تقرأ ما قاله عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث ولي الخلافة ، وعمر بن عبد العزيز حين وليها كذلك , وجاءت سيرتاهما مطابقتين لقولهما : (أيها الناس قد وليت عليكم ، ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم ، وأقواكم عليكم ، وأشدكم اضطلاعًا بما ينوب من مهم أموركم ، ما توليت ذلك منكم ، وكفى عمر مُهِماً محزنًا انتظار موافقة الحساب ، يأخذ حقوقكم كيف أخذها ووضعها أين أضعها ، وبالسير منكم كيف أسير فربى المستعان) ، فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله عز وجل برحمته وعونه وتأييده ، وكان يقول : (لو أن جملاً هلك ضياعاً بشط الفرات لخشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب) .
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : (أما بعد ، فإنه ليس بعد نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي, ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب , ألا ما أحل الله عز وجل إلى يوم القيامة ، وما حرم الله حرام إلى يوم القيامة ، ألا لست بقاضٍ ولكنني منفذ ، ألا إني لست بخيركم ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً) . وقدمت إليه مراكب الخلافة بعد دفن سليمان بن عبد الملك فأمر بتأخيرها ، وركب بغلته وعاد إلى منزله ، فدخل عليه مولاه مزاحم فقال : يا أمير المؤمنين لعلك مهتم؟ فقال : (بمثل هذا الأمر الذي نزل بي اهتممت ، إنه ليس من أمة محمد في مشرق ولا مغرب أحد إلا له قبلي حق يحق عليّ أداؤه إليه ، غير كاتب إليّ فيه ولا طالبه مني) .
وكانت الأمة مجتمعة الكلمة باستمساكها بأهداب الدين ، واعتقادها فضل ما جاء به من أحكام، ورعايتها لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشديده في الوحدة حتى أمر بقتل من فارق الجماعة أو خرج على الطاعة ، فقال : (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشق عصاكم فاضربوه بالسيف كائنًا من كان) ، كما قال : (من خرج على الطاعة وخالف الجماعة فمات ، مات ميتة جاهلية ، ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة ، أو ينصر عصبة ، فقتل ، فقِتلة جاهلية . ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ، ولا يفي ذا عهد عهده ، فليس مني ولست منه) .
كما كانت إرادتها محترمة مقدرة ، فما كان أبو بكر يمضي في الناس أمراً إلا بعد أن يستشيرهم وخصوصاً فيما لا نص فيه ، وكذلك كان عمر بن الخطاب ، فقد جعل الخلافة من بعده شورى في الستة اللذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض .
وقلت في الكلمة السابقة أيضًا إننا نقلنا هذا النظام النيابي ، الذي تعيش حكومتنا في ظله ، عن أوروبا ، فإلى أي مدى ينطبق على الإسلام ؟ وما الذي أفدناه منه منذ طبق في عهده الأخير في بلادنا إلا الآن , وهي مدة تبلغ ربع قرن من الزمان تقريبًا .
موقف الإسلام من النظام النيابي والدستور المصري:
يقول علماء الفقه الدستوري إن النظام النيابي يقوم على مسؤولية الحاكم ، وسلطة الأمة ، واحترام إرادتها ، وإنه لا مانع فيه يمنع من وحدة الأمة واجتماع كلمتها ، وليست الفرقة والخلاف شرطاً فيه , وإن كان بعضهم يقول إن من دعائم النظام النيابي البرلماني : الحزبية, ولكن هذا إذا كان عرفًا فليس أصلاً في قيم هذا النظام , لأنه يمكن تطبيقه بدون هذه الحزبية وبدون إخلال بقواعده الأصلية .
وعلى هذا فليس في قواعد هذا النظام النيابي ما يتنافى مع القواعد التي وضعها الإسلام لنظام الحكم ، وهو بهذا الاعتبار ليس بعيداً عن النظام الإسلامي ولا غريبًا عنه , وبهذا الاعتبار يمكن أيضاً أن نقول في اطمئنان إن القواعد الأساسية التي قام عليها الدستور المصري لا تتنافى مع قواعد الإسلام ، وليست بعيدة من النظام الإسلامي ولا غريبة عنه , بل إن واضعي الدستور المصري رغم أنهم وضعوه على أحدث المبادئ والآراء الدستورية وأرقاها ، فقد توخوا فيه ألا يصطدم أي نص من نصوصه بالقواعد الإسلامية ، فهي إما متمشية معها صراحة كالنص الذي يقول : (دين الدولة الإسلام) أو قابلة للتفسير الذي يجعلها لا تتنافى معها كالنص الذي يقول : (حرية الاعتقاد مكفولة).
وأحب أن أنبه هنا إلى الفرق بين الدستور وبين القوانين التي تسير عليها المحاكم إذ أن كثيراً من هذه القوانين يتنافى صراحة مع ما جاء به الإسلام ، وذلك بحث آخر سنعرض له في موضعه إن شاء الله .
ومع أن النظام النيابي والدستور المصري في قواعدهما الأساسية لا يتنافيان مع ما وضعه الإسلام في نظام الحكم ، فإننا نصرح بأن هناك قصورًا في عبارات الدستور ، وسوءً في التطبيق ، وتقصيرًا في حماية القواعد الأساسية التي جاء بها الإسلام وقام عليها الدستور ، أدت جميعاً إلى ما نشكو منه ، ما وقعنا فيه من اضطراب في كل هذه الحياة النيابية .
وستناول هذا الإيجاز بشيء من البيان .
مسئولية الحاكم - الــوزارة
فأما عن مسؤولية الحاكم فإن الأصل فيها في النظام الإسلامي أن المسؤول فيها هو رئيس الدولة كائناً من كان ، له أن يتصرف ، وعليه أن يقدم حساب تصرفه للأمة ، فإن أحسن أعانته ، وإن أساء قومته ، ولا مانع في الإسلام في أن يفوض رئيس الدولة غيره في مباشرة هذه السلطة وتحمل هذه المسؤولية ، كما عرف ذلك في (وزارات التفويض) في كثير من العهود الإسلامية ، ورخص الفقهاء المسلمون في ذلك وأجازوه ما دام فيه مصلحة ، والقاعدة في مثل هذه الأمور رعاية المصلحة العامة ، قال الماوردي في كتاب الأحكام السلطانية : (والوزارة على ضربين ، وزارة تفويض ، ووزارة تنفيذ ، فأما وزارة التفويض فهو أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه ، وإمضاءها على مقتضى اجتهاده ، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة ، قال تعالى حكاية عن نبيه عليه الصلاة والسلام : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي , هَارُونَ أَخِي , اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي , وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طـه:29-32) . فإذا جاز ذلك في النبوة كان في الإمامة أجوز . لأن ما وكل إلى الإمام من تدبير الأمة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستنابة ، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرده بها ليستظهر بها على نفسه ، وبها يكون أبعد من الزلل وأمنع من الخلل) .
والأصل في هذه المسؤولية في النظام النيابي ، أن المسؤول هو الوزارة ولامسؤولية على رئيس الدولة ، وقد جرى على هذا الدستور المصري والدستور الإنجليزي ، فصرح كل منهما بمسؤولية الوزارة ، وإخلاء رئيس الدولة من كل مسؤولية واعتباره لا يخطئ ، واعتبار ذاته مصونة لا تمس .
على أنه لا مانع في النظام النيابي من تحمل رئيس الدولة المسؤولية واعتبار الوزارة تابعة له في ذلك ، كما يقرر ذلك دستور الولايات المتحدة . والغريب أن تشير كتب الفقه الإسلامي إلى هذا الوضع أيضاً ، وتسمى هذه الوزارة (وزارة التنفيذ) فيقول الماوردي في كتابه (الأحكام السلطانية) أيضا : (وأما وزارة التنفيذ فحكمها أضعف ، وشروطها أقل ، لأن النظر مقصور فيها على رأى الإمام وتدبيره ، وهذا الوزير وسط بينه وبين الرعايا والولاة ، يؤدى عنه ما أمر ، وينفذ ما ذكر ويُمضي ما حكم …) ولا شك أن هذا من سعة مادة الفقه الإسلامي ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان .
غموض الدستور المصري
هذه هي قواعد النظام الإسلامي والنيابي معًا في (مسؤولية الحاكم) , فماذا فعلنا نحن في مصر؟ وقفنا في منتصف الطريق نصاً وتطبيقاً . وجاء دستورنا في هذا المعنى غامضاً مقتضباً غير واضح ولا مفصل ، مع أنها أهم نقطة في تحديد لون الحياة النيابية والإسلامية التي نحياها .. وشرحًا لذلك سأسوق ما كتبه الأستاذان الدكتور إبراهيم مدكور عضو مجلس الشيوخ المصري , والأستاذ مريت غالي في مذكرتهما (نظام جديد) قالا تحت عنوان الدستور وغموضه :
( فأما العامل الأول فملخصه أن دستورنا على الرغم من دقته وضبط عباراته ، قد وقع في نفس الغموض الذي وقعت فيه دساتير أسبق منه ، وترك أهم نقطة في الحكم النيابي دون أن يحددها التحديد الكافي ، ونعني بها سلطة الوزراء وصلتهم بالشعب ممثلة في نوابه من جهة ، وإشرافهم على ما يؤدي إليه من خدمات من طريق المصالح والإدارات من جهة أخرى . كما أجمل إجمالاً مخلاً في بيان موقفهم من رئيس الدولة ومليك البلاد ، واكتفى بأن يصوغ هنا في عبارات تصلح لكل ما يراد منها , وواضح أن الوزارة هي العمود الفقري لهيكل النظام النيابي الجديد وحلقة الاتصال بين التشريع والتنفيذ ومبعث الحياة والحركة في نظام يراد به احترام سلطة الشعب مع تصريف شؤون الدولة تصريفاً محكماً سريعاً . وإذا ما رجعنا إلى الدستور وجدنا أن ما جاء به متصلا بهذه النقطة الحساسة لا يكاد يتجاوز ثلاثة أسطر كلها غموض وعموم , فيقرر في المادة 29 : (أن السلطة التنفيذية يتولاها الملك في حدود هذا الدستور) , وفي المادة 48 : (الملك يتولى سلطته بواسطة وزرائه) , وفي المادة 49 : (الملك يعين وزراءه ويقيلهم) , وفي المادة 57 : (مجلس وزرائه هو المهيمن على مصالح الدولة) , وفي المادة 61 : (الوزراء مسؤولون متضامنون لدى مجلس النواب عن السياسة العامة للدولة, وكل منهم مسؤول عن أعمال وزارته) , وفي المادة 63 : (أوامر الملك – شفهية أو كتابية – لا تخلي الوزراء من المسؤولية على أية حال) .
تلك تقريبًا جملة النصوص المتصلة بهذا الموضوع , ولا نظن أن فيها ما يكفي مطلقًا لحل أي مشكل من المشاكل التي أشرنا إليها .
وقد أفاضا بعد ذلك في الشرح والتمثيل بما يفصل ما تقدم من هذه المعاني .. والمهم أن هذه النقطة وهي لب الأمر تحتاج على إيضاح واستقرار , وهي القاعدة الأولى من قواعد (النظام الإسلامي) أو النيابي على السواء , وبغير ذلك لا يمكن أن تستقيم الأمور أو تسلم .
الآراء