في الآونة الأخیرة رأینا أن رقعة الخلافات بین إیران والسعودیة تزداد شیئا فشیئا حتی وصلت إلی ذروتها قبل بدایة موسم الحج عقب الصعوبات التي واجهها البلدان للوصول إلی اتفاق بشأن الحج ومن ثم تبادل التصریحات الحادة بین کبار المسؤولین للبلدین وبالتالي تعثرهما بتوقيع اتفاق ترتيبات الحج حتى يتسنى للإيرانيين أداء الفريضة.
إن الخلافات بین إیران والسعودیة لیست غیر معهودة ولکنها بدأت بتصعید غیر مسبق منذ عامین عقب حادث مطار جدة ثم ما حدث للحجیج في حادثین منفصلین ومصرع عدد کبیر منهم قرابة خمسمائة إیراني وتنفیذ حکم الإعدام بحق رجل دین شیعي معارض وما تبعه من اقتحام سفارة السعودیة في طهران احتجاجا علی إعدامه. من المتوقع أن تحل البلدان مشاکلهما عبر الحوار والتفاوض ولکن القضیة أصبحت معقدة حتی وصل إلی نطاق ضیق نتیجة حرمان الحجاج الإیرانیین من أداء فریضة الحج لهذه السنة.
عندما نقلب أوراق التأریخ لنری أن قضیة تعطیل الحج قد تکررت في مراحل تاریخیة مختلفة منذ بدایة تأسیس الدولة الصفوية في إيران:
ففي عصر الصفویة أصحبت علاقة إیران مع الدولة العثمانية متوترة وهذه التوترات قد أثرت سلبا علی فریضة الحج وتم حرمان الإیرانیین من الحضور في موسم الحج للنزاعات الدینیة والسیاسیة الحادة التي کانت تنشب أحیانا بین البلدین وفي تلک السنین أمر شاه عباس أن لا ینفق الإیرانیون أموالهم لصالح عدوهم وبلغ الأمر بمنع الإیرانیین من الحج من سنة 1047 لبضع سنین.
في سنة 1349 في بدایة تأسیس المملکة العربیة السعودیة بید الملک عبد العزیز وقیام الحکومة ببعض إجراءات ما یسمی بـ"إصلاحیة" والمثیرة للتوتر منها هدم الأضرحة والقِباب المبنية على القبور تعطلت الفریضة من قبل الحکومة القاجاریة لعدة سنوات احتجاجا علی هذه الإجراءات حتی انتهی الأمر إلی الاعتراف بالحکومة السعودیة من جانب إیران وتمت تسویة المنازعة وعاد قضیة الحج إلی نقطة انطلاقه.
وفي عصر الحکومة البهلویة تعطل الحج مرتین: في سنة 1362 اعتقل حاج إیراني وتم إعدامه بتهمة الإهانة بالحرم المکي وقد عطل الحج لخمسة سنوات احتجاجا لهذا الشأن.
وفي سنوات بین 1373إلی 1376 قد واجهت قوافل الحج مشاکل عدیدة بسبب اندلاع الحرب العالمیة وتورط العراق في الحرب وتم تعطیل الحج لثلاث سنوات لأن القوافل الإیرانیة کانت تسیر مع القوافل العراقیة عبر أرض الشام.
في السبعينات القرن الماضي أي السنوات الأولی من الثورة الإسلامیة تم تعطیل الحج لثلاث سنوات متوالیات من سنة 1408 إلی 1410 بعد اعتداء القوات الأمنیة السعودیة علی مجموعة من الحجاج الإیرانیین وإطلاق النار علیهم ومصرع ما يقارب 300 شخص منهم.
والیوم نری أن التاریخ یعید نفسه ویحرم الحجاج الإیرانيون من أداء فریضة الحج مرة أخری بسبب التوترات الحادة التي حدثت بین الطرفین ولم یتم التوافق بعدُ.
ولکن الأمر الذي یثیر القلق هو کمیة کبیرة من الکراهیة والحقد لدی الأوساط الشعبیة الإیرانیة ضد العرب عامة والسعودیین خاصة ونری أن معاداة العرب لدی الأوساط الشعبية قد امتدت إلى مستوی كبير حیث تسرت إلی کافة الساحات بدءا من القضایا السیاسیة والدینیة ووصولا إلی المباریات الریاضیة قبالة أي دولة عربية أخرى.
وبعیدا عن قضیة الحج، الأمر الذي أجج نار هذا التصعید هو الحرب بالوکالة بین البلدین في کل من سوریا والیمن وهذه المشکلة قد أصبحت الباعث الرئیسي في صعوبة إعادة تطبیع العلاقات بین الطرفین.
وهذا الحقد یتزاید یومیا إلی درجة أن جزءا من الشعب یحاولون أن ینفروا الناس من الحج بالدعاية السلبية وبذریعة أن السعودیین لیسوا أهلا لإدارة الموسم وأن الأرباح الناتجة عن الحج تصب في صالحهم في حین أن لدینا فقراء ومساکین وإذا صرفنا هذه الکمیة الضخمة من المال علیهم لن یبقی هناک فقیر وبإمکاننا أن نطور بلادنا اقتصادیا متجاهلین ملایین من الزائرین والسیاح الذین ینفقون أموالهم في مختلف البلدان دون أن یکون فریضة. لم نسمع من یعترض علی سفر مئات الآلاف من المواطنین الإیرانیین سنویا إلی آنتالیا الترکیة أو دبي مع أنها مدینة عربیة ولکن إذا تعلق الأمر بالحج تعلو الأصوات اعتراضا وتندیدا.
عودة إلی علاقة إیران والسعودیة وعلاوة علی تصریحات کبار القادة العسکریین في تهدید مباشر بضرب السعودیة، أن قیام مفتي السعودیة بتسمیة الإیرانیین بغیر المسلمین [المجوس] قد أعقبته ردود فعل سلبیة من قِبل شخصیات من أهل السنة منهم مولوي عبد الحمید إمام جمعة أهل السنة بمدینة زاهدان کبری مدن السنة شرقي إیران حیث قال في جزء من خطبة الجمعة:
"إن ازدیاد حدة التوتر بین البلدان الإسلامیة وما جرى أخیرا بین إیران وسعودیة مؤسف جدا؛ یقول الله تبارک وتعالی: "وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا" فمن منظور الکتاب والسنة لا یُسمح لأحد أن يدعو المسلمين بغير أسمائهم ولا یجوز أن یعتبر أحدا من أتباع المذاهب خارجا عن دائرة الدین؛ کما لا ینبغي لمفت أو قاض أن یقوم بإصدار الفتوی وهو غاضب."
وفي الختام... إن المسلمین الیوم بحاجة ملحة إلی تصالح البلدان الإسلامیة بعضها مع بعض لتکون جبهة واحدة تجاه العدو الصهيوني المستفيد الأول من الخلافات في الشرق الأوسط فیجب أن ترتكز علاقات الدول الإسلامیة على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل وأن يتم تسوية أية خلافات عن طريق التفاوض والحوار. إن الأمة الإسلامیة قد سئمت من التوتر والاقتتال والاحتقان فهي ترید أن تعیش في جو سلمي ملیئ بالمودة والإخاء وأن دولتي إیران والسعودیة لهما ید العلیا في منطقة الشرق الأوسط وأن السلام والاستقرار یصب لصالح کليهما.
نرجو أن یأتي یوماً نری المسلمین من حکامهم وشعوبهم متضامنین متکافلین متماسکین في أخلاقهم ومواقفهم نراهم یداً واحدةً في عون أهلهم وإخوانهم والحفاظ علی أرضهم ومقدساتهم وما ذلک علی الله بعزیز.
الآراء