أحمد الرفاعي، الفقيه الشافعي الأشعري الصوفي، (512 - 578) هـ، الملقب بـ "أبو العلمين" و"شيخ الطرائق" و"الشيخ الكبير" و"أستاذ الجماعة". إليه تنتسب الطريقة الرفاعية من الصوفية. وأحد أقطاب الصوفية المشهورين.
قال في مواعظه:
أي سادة لا تُضيّعوا أوقاتَكُم بِمَا ليسَ لكُم بهِ راحة فمَا مضَى نَفَسٌ إلا وهو مَعدودٌ عليكُم، إحفظوا أوقاتَكُم فإنَّ الوقتَ مِنْ أعزّ الأشياء وكذلكَ القَلب فإذا أهملتُم الوقتَ وضيَّعتُمُ القلبَ فقد ذَهبَت مِنكُم الفوائد، واعلموا أنَّ الذُّنوبَ تُعمِي القلوبَ وتُسَوِّدُهَا وتَسُوؤُها وتُمرِضُها،
إذا أحبَّ اللهُ عبدًا بصَّرَهُ بعُيوبِ نفسِهِ وإذا أحبَّ اللهُ عبدًا جَعَلَ في قلبِهِ الرَّأفَةَ والشّفَقَةَ وعَوَّدَ كفَّهُ السَّخاء وقلبَهُ الرَّأفَة ونفسَهُ السَّماحَة، العارف فرَحهُ قليل وبُكاؤهُ طويل، العارِف إذا أرادَ أنْ يتكلَّمَ بكلامٍ تفَكَّرَ فيه قبلَ أن يُخرِجَهُ مِنْ فِيه، فإنْ رأى فيهِ صلاحًا أخرَجَهُ وإلا ضَمَّ فمَهُ عليه.
 
وكان يقولُ رضي الله عنه ناصِحًا وواعِظًا أحدَ مُريديهِ: عَوّد نفسَكَ القِيامَ في اللَّيل وسلّمها مِنَ الرّياءِ في العمَل وابكِ في خَلَواتِك وجَلَواتِكَ على ذنوبِكَ الماضية واعلَم أنَّ الدُّنيا خيَالٌ وما فيها زوَال، هِمّةُ أبناءِ الدُّنيا دُنياهُم وهِمَّةِ أبناءِ الآخِرَةِ ءاخرتُهُم، وإيـَّاكَ والتَّقرُّبَ إلى أهلِ الدُّنيا فإنَّ التَّقربَ منهُم يُقَسّي القلب، واشغَل ذِهنَكَ عنِ الوَسواسِ، واحذَر نفسَكَ مِنْ مُصاحَبَةِ صديقِ السّوء فإنَّ عاقبةَ مُصاحَبتِهِ الندامة والتأسُّفُ يومَ القيامِةِ كما قالَ اللهُ تعالى مُخبِرًا عمَّن هذا حالُهُ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢۷) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً (٢٨)﴾ فبئسَ القرين، فاحفَظ نفسَكَ مِنْ القرينِ السّوء، يا ولدي تَمسَّك بسَببٍ لمعيشَتِكَ بطريقِ الشَّرعِ مِنْ كَسْبٍ حلال وأكثِر التردُّدَ لزِيارَةِ المتروكينَ مِنَ الفقراء، ووجّه قلبكَ لرسولِ الله r، وعَمّر قلبَكَ بالذّكر وجَمّل قالَبَكَ بالفِكْر، واستعَن بالله وقُل على كُلِّ حالٍ الحمدُ لله، وأكرِم ضيفَك وارحَم أهلَك وولدَكَ وزوجتَكَ وخادِمَك. قال رضي الله عنه أيضًا: تركُ الوَسواسُ يكونُ في تَركِ الحرام، وحُسنُ الإخلاصِ يكونُ مِنْ خَوفِ الله، والتّجرُّدُ عنِ الناسِ يكونُ مِنْ ذِكْرِ الموت، والأدَبُ على أحسَنِ قِيَاسٍ يكونُ مِنَ النَّدَمِ على الماضِي مِنَ الذُّنوب، والفِكرُ نورُ العَقلِ والذِّكرُ نورُ القلبِ والإخلاصُ نورُ السّر والتّقوى نورُ الوجه.
 
وقالَ رضي الله عنه: هذهِ نصيحَتِي لكَ ولِكُلِّ مَنْ سَلَكَ بطريقَتِي ولإخوانِي ولِجَميعِ المسلمينَ والمُحبّينَ كثَّرهُم الله تعالى:
أي أخي؛ عليكَ بِمُلازَمَةِ الشَّرعِ بأمرِ الظَّاهِرِ والبَاطِنِ وبِحِفْظِ القَلْبِ مِنْ نِسيَانِ ذِكْرِ الله وبِخِدمَةِ الفُقراءِ والغُرباء وبادِر دائمًا بالسُّرعةِ للعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ غيرِ كَسَلٍ ولا مَلَل، سِلّّم في جميعِ أحوالِكِ لله وإيـَّاكَ مِنْ كَسْرِ خواطِرِ الفُقَراء، وصِلِ الرَّحم وأكرِم الأقارِب واعفُ عمَّنْ ظلَمَك وتواضَع لِمَن تكبَّرَ عليك، وأكثِر مِنْ زيارَةِ الفُقراء وزيارةِ القبور، ولَيّن كلامَكَ للخَلْقِ وقُمْ بقضَاءِ حوائجِ اليتَامى وبادِر لِخدمَةِ الأرامِل، واجعَل الإخلاصَ رفيقَكَ في سائِرِ الأقوالِ والأفعال، واجتهِد لِهدايةِ الخلقِ إلى طريقِ الحقّ، وقُمْ بنصيحَةِ الإخوان وألّف بينَ قلوبِهم، وأكثِر مِنْ الصَّلواتِ على الرّسولِ الأكرَم صلى الله عليه وسلم، وإن تَحرَّكت نفسُكَ بالشَّهوَةِ أو بالكِبْر فصُمْ تطوّعًا لله واجلِسْ في بيتِكَ ولا تُكثِرِ الخروجَ للأسواق وأخلِصْ للهِ في السرّ والجهَر، واجعَل عمَلَكَ في الدُّنيا عمَلاً للآخرة، وإيـَّاكَ والاشتِغالَ بِما لا يَعنِيكَ مِنَ الكلامِ والأعمَالِ وغيرِها وارجِع بنَفسِكَ عن طريقِ الغَفلَةِ وادخُل مِنْ بابِ اليقَظَةِ وقِفْ بِمَيدانِ الذلِّ والانكسَار واخرُج مِنْ مقَامِ العَظَمَةِ والاستِكْبَار فإنكَ مِنْ مُضْغَةٍ ابتِداؤك وجيفَةٌ انتهاؤك فقِف بينَ الابتداءِ والانتهاءِ بِما يليقُ لِمَقامِها، وإيـَّاك يا ولَدي مِنَ الحسَد واعلَم بأنَّ الرّزقَ مَقسوم وأنكَ ميّتٌ ومُحاسَب وكمَا أنَّ لكَ عَينًا فلِغيرِكَ عُيون، نظرُكَ فيكَ يكفيك، فحاسِبْ نفسَكَ في كُلّ يومٍ فإنَّ مَنْ لَم يكُن لهُ مِنْ نفسِهِ واعِظ لَمْ تنفعهُ المواعظ.