حين يلتقي في ملعب الكرة ناديان عريقان كالنصر المتصدر والهلال المتألق سيكون علينا أن نبحث عن موضع التعصب!
التعصب لم يولد مع الكُرَة، بل هو تركيب نفسي داخلي كان معنا في ثارات القبيلة ولا يزال! تعلمنا ودرسنا وذهبنا إلى بلاد العالم واختلطنا بالشعوب وصرنا نوصف أحياناً بأننا (مثقفون)، ولا يزال بعضنا يتعصب لمدينته أو منطقته وكأنها العالم كله، ولا يحس بـ(الوحدة) الروحية والنفسية والإنسانية حتى مع بني بلده!
تختلف انتماءاتنا الفكرية والمذهبية فيبدو التعصب وكأنه الدليل الوحيد في الجدل والمناظرة. ها نحن نصرخ بملء أفواهنا ونلقي عبارات السب والتنقص لمن يختلف معنا ونشعر بالانتصار .. تُرى ما السبب؟
(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8).
أعظم الانتصار هو التغلب على نوازع النفس المريضة والتسامي عن الأحقاد والضغائن والعنصريات! الإيمان الصادق المتصل بالله يسكب في نفوسنا اليقين والسكينة حتى مع من يخالفنا في الدين! فنخاطبه بـ (يا قوم)، (يا أبتِ) ، (يا عم) .. !
لأن الإيمان قناعة تخاطب العقول والقلوب، وليس عسفاً أو قسراً بغير اختيار.
لا يلام المرء على انتمائه لأسرته أو قبيلته أو منطقته أو إقليمه، والانتماء وفاءٌ وبرٌّ وصلة، لكن لماذا نظن أن الانتماء يعني مصادرة الآخرين؟
من أجل بنائك الذي تحاوله لماذا تسعى في هدم أبنية الغير؟
من أجل وصولك إلى قصب السبق لماذا تحاول تعثير الآخرين؟
من أجل إثبات وطنيتك لماذا تتهم سواك بالخيانة؟
من أجل إثبات تدينك لما تتسرع في اتهام الآخرين بالمروق؟
هل استطعت أن تكتشف فيروس العنصرية وهو يتسلل إلى دمك ويغذي مخك ويحرك جوارحك؟ إنني لا أعمم ولكني أتحدث عن ظاهرة جديرة بالمراقبة.
لماذا تسمح للتعصب أن يصبغ أخلاقك فيبدو منتفخ الأوداج ثائر النَفَس، وفي حالة غصب. قد تفقد عزيزاً بنيت معه عشاً وحضنت معه فراخاً فتطلّق شريكة الحياة!
أو تهجم على صديق أو زميل بغير حق .. ولات ساعة مندم.
أو تقول كلمة لا تفكر في مضمونها توبق دنياك وآخرتك ويكتب الله عليك بها سخطه .. على أن باب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها.
هل أنت متعصب؟
ستقول: لا؛ لأنك الآن هادئ الأعصاب، ولم تكتشف بعد ما يعتمل بداخلك.
وعندما يحتدم الغضب ستقول كل الناس متعصبون وليس أنا.
لماذا أنا بالذات؟
متى نخرج إذا ًمن هذه الدوامة؟
(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) (سبأ:46).
الآراء