حوار المخالفين بالتي هي أحسن

ومن معالم المنهج الذي رسمه القرآن للدعوة إلى الله: الجدال بالتي هي أحسن. ومن الملاحظ على التعبير القرآني المعجز في الآية أنه اكتفى في الموعظة بأن تكون (حسنة)، ولكنه لم يكتف في الجدال إلا أن يكون بالتي هي (أحسن)؛ لأن الموعظة تكون مع الموافقين، أما الجدال فيكون مع المخالفين، لهذا وجب أن يكون بالتي هي أحسن، على معنى أنه لو كانت هناك للجدال والحوار طريقتان: طريقة حسنة وجيدة، وطريقة أحسن منها وأجود، كان المسلم الداعية مأمورًا أن يحاور مخالفيه بالطريقة التي هي أحسن وأجود. ومن ذلك أن يختار أرق العبارات وأخف الأساليب في جداله مع المخالفين، حتى يؤنسهم ويقربهم منه، ولا يوغر صدورهم أو يثير عصبيتهم. وقد ضرب لنا القرآن أمثلة رائعة وبارزة في هذا المجال في حسن مجادلة المخالفين. ومن ذلك قوله تعالى في جدال المشركين: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (سبأ: 24).

ففي هذا الأسلوب الرقيق الرفيق من إرخاء العنان، وتسكين الخصم وإرضاء غروره.. ما يهيئ نفسه للاقتناع أو الاقتراب منه إلى حد كبير. فهو يقول: "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" ولم يقل لهم: أنتم في ضلال مبين. ثم قال: "قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ" وكان مقتضى المقابلة أن يقول: "ولا نسأل عما تجرمون" ولكن لم يشأ أن يجيبهم بنسبة الإجرام إليهم، إيناسا وتقريبا وتأليفا لقلوبهم.

ومن الجدال بالتي هي أحسن: التركيز على الجوامع المشتركة بين المتحاورين، لا على نقاط الاختلاف والتمايز بينهما، فإن وجود أرض مشتركة بين الطرفين يساعد على جدية الحوار وجدواه، وإمكان الانتفاع به فيما هو متفق عليه بين الأطراف المتجادلة. وهذا ما يشير إليه القرآن في الجدال مع أهل الكتاب، حيث يقول تعالى:

"وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (العنكبوت: 46)

فهو هنا يركز على العقائد التي تقرب المسلمين منهم، وهي أن المسلمين يؤمنون بكل ما أنزل الله من كتاب، كما يؤمنون بكل من بعث الله من رسول، وكذلك يؤمن الجميع بإله واحد.

ومن هذه النقطة ينطلق اللقاء لمواجهة الملاحدة والجاحدين الذين لا يؤمنون إلا بالمادة وحدها ولا يعتقدون أن للكون إلها ولا أن في الإنسان روحا ولا أن وراء الدنيا آخرة. ومن الجدال بالتي هي أحسن ما ذكره صاحب (الظلال) رحمه الله، وهو أن يكون حوارا رقيقا رفيقا بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق. فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة. وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها. والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة ويشعر المجادل أن ذاته مصونة وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها والاهتداء إليها.

في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر! ولكي يطامن الداعية من حماسته واندفاعاته يشير النص القرآني إلى أن الله هو الأعلم بمن ضل عن سبيله وهو الأعلم بالمهتدين. فلا ضرورة للجاجة في الجدل إنما هو البيان والأمر بعد ذلك لله[1]. هذا هو الخطاب الديني الذي كنا ندعو إليه بالأمس. بل تبنينا الدعوة إليه منذ عشرات السنين، وهو الذي ندعو إليه اليوم المسلمين وغير المسلمين، وهو الذي سندعو إليه غدا وبعد غد؛ لأنه الخطاب الذي تعلمناه من الإسلام نفسه، من هُدى الله في كتابه، ومن هَدْي رسوله في سنته. هو الخطاب الذي دعونا إليه قبل عصر العولمة، وسندعو إليه بعد عصر العولمة.

غير المسلمين بدل "الكفار"

ومن الجدال بالتي هي أحسن، المطالب به المسلمون، وخصوصا في عصر العولمة: ألا نخاطب المخالفين لنا باسم الكفار، وإن كنا نعتقد كفرهم. ولاسيما مخالفونا من أهل الكتاب. وذلك لأمرين: أولهما: إن كلمة (كفار) لها عدة معان، بعضها غير مراد لنا يقينا، من هذه المعاني: الجحود بالله تعالى وبرسله وبالدار الآخرة، كما هو شأن الماديين الذين لا يؤمنون بأي شيء وراء الحس، فلا يؤمنون بإله ولا بنبوة ولا بآخرة.

ونحن إذا تحدثنا عن أهل الكتاب لا نريد وصفهم بالكفر بهذا المعنى، إنما نقصد أنهم كفار برسالة محمد وبدينه. وهذا حق، كما أنهم يعتقدون أننا كفار بدينهم الذي هم عليه الآن وهذا حق أيضا. والثاني: أن القرآن علمنا ألا نخاطب الناس - وإن كانوا كفارًا - باسم الكفر؛ فخطاب الناس - غير المؤمنين - في القرآن، إما أن يكون بهذا النداء (يا أيها الناس) أو (يا بني آدم) أو (يا عبادي) أو (يا أهل الكتاب). ولم يجئ في القرآن خطاب بعنوان الكفر إلا في آيتين: إحداهما خطاب لهم يوم القيامة:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التحريم: 7). والأخرى قوله تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون: 1-6).

فكان هذا خطابا للمشركين الوثنيين الذين كانوا يساومون الرسول الكريم على أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدوا إلهه سنة، فأرادت قطع هذه المحاولات بأسلوب صارم، وبخطاب حاسم، لا يبقي مجالا لهذه المماحكات، فأمر الرسول أن يخاطبهم بهذه الصورة القوية، بما فيها من تكرار وتوكيد، ومع هذا ختمت السورة بهذه الآية التي تفتح بابا للسماحة مع الآخر، حين قالت: "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ". ولهذا آثرت من قديم أن أعبر عن مخالفينا من أهل الأديان الأخرى بعبارة (غير المسلمين). وأصدرت من قديم كتابي "غير المسلمين في المجتمع الإسلامي". وقد طبع مرات ومرات، وترجم إلى عدة لغات.

مواطنون بدل "أهل الذمة"

وهناك كلمات لم تعد مقبولة لدى إخواننا من الأقليات غير المسلمة مثل الأقباط في مصر، وأمثالهم في البلاد العربية والإسلامية الأخرى، وهي مصطلح "أهل الذمة" مع أن مدلول هذا المصطلح مدلول إيجابي؛ لأنه يعني أن لهم ذمة الله ورسوله وجماعة المسلمين. وهذا مدلول له وقعه وتأثيره في نفس المسلم، فإنه لا يقبل أن تُخفَر ذمة الله ورسوله بحال، ومن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

ولكن إذا كان مواطنونا من غير المسلمين يتأذون من هذا الاصطلاح، فلا أجد مانعا من استخدام كلمة (المواطنة) و(المواطن) فإن الفقهاء متفقون على أن أهل الذمة من أهل دار الإسلام، فهم من أهل الدار، وإن لم يكونوا من أهل الملة. و(أهل الدار) تعني بالتعبير العصري: مواطنين. وحذف هذه الكلمة لا يتعارض مع شيء من أحكام شريعتنا، أو مقررات ديننا. ولنا أسوة في ذلك من عمل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا أن نستن بسنتهم، وأن نعض عليها بالنواجذ، ولاسيما سنة الشيخين أبي بكر وعمر. أسوتنا ما صنعه الفاروق عمر - ووافقه الصحابة رضي الله عنهم - مع عرب بني تغلب، وكانوا نصارى منذ عهد الجاهلية.

وقد طلبوا إلى عمر أن يأخذ ما يأخذه منهم باسم الزكاة أو الصدقة، ولو كان مضاعفا، ولا يأخذه باسم الجزية، وقالوا: إننا قوم عرب، ونأنف من كلمة جزية. تردد عمر في أول الأمر أن يجيبهم إلى طلبهم، ثم نصحه بعض مشيريه أن يستجيب لهم، قائلا: إنهم قوم لهم بأس وقوة، ونخشى أن يلحقوا بالروم، ففكر عمر في الأمر، ورأى أن ينفذ لهم ما أرادوا، وقال: سموها ما شئتم، وقال لمن حوله: هؤلاء القوم حمقى، رضوا المعنى وأبوا الاسم! وكان هذا من الفاروق تقريرا لقاعدة مهمة هي أن العبرة ليست للأسماء والعناوين، ولكن العبرة للمسميات والمضامين. هذا مع أن كلمة (جزية) ذكرت في القرآن، ولكن المقصود هو معناها لا لفظها.

ومعناها: أن يدفعوا ضريبة يعلنون بها إذعانهم لسلطان الدولة المسلمة وقبولهم جريان أحكام الإسلام - غير الدينية - عليهم.

التعبير بالأخوة عن العلاقات الإنسانية

ومن التعبيرات المطلوبة في عصر العولمة: التعبير بالأخوة عن العلاقة بين البشر كافة، والمراد بها (الأخوة الإنسانية) العامة، على اعتبار أن البشرية كلها أسرة واحدة، تشترك في العبودية لله، والبنوة لآدم، وهذا ما قرره حديث نبوي شريف خاطب به رسول الإسلام الجموع الحاشدة في حجة الوداع، فكان مما قاله في هذا المقام: "أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". وهذا الحديث يؤكد قول الله تعالى في مطلع سورة النساء:

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً" (النساء: 1). وما أجدر كلمة (الأرحام) في هذه الآية: أن تشمل - فيما تشمل - الأرحام الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض.

وفي ذلك يقول شاعر مسلم:

إذا كان أصلي من تراب فكلها   **   بلادي، وكل العالمين أقاربي!

وفي حديث رواه أحمد وأبو داود عن زيد ابن أرقم مرفوعا: "اللهم ربنا ورب كل شيء ومليكه: أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة". وأولى من ذلك التعبير عن العلاقة بين المسلمين ومواطنيهم من غير المسلمين بـ (الأخوة). والمراد بها: الأخوة الوطنية أو القومية. فليست (الأخوة الدينية) هي الأخوة الوحيدة التي تصل بين البشر. إنها لا شك أعمق ألوان الأخوة وأوثقها رباطا. ولكن لا نزاع أن هناك أنواعا أخرى من الأخوة، مثل الأخوة بين أبناء القبيلة الواحدة وإن اتسعت، أو أبناء الشعب الواحد وإن تكاثر وانتشر، وبين أبناء الجنس الواحد أو القوم الواحد.

ودليلنا على ذلك: ما جاء في القرآن الكريم من حديث القرآن عن الأنبياء وصلتهم بأقوامهم المكذبين لهم، واعتبار القرآن كل نبي من هؤلاء (أخا) لقومه، وإن عصوه وكذبوه وكفروا برسالته. اقرأ معي قول الله تعالى في سورة الشعراء:

"كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ" (الشعراء: 106-107).

فانظر كيف أثبت أخوة نوح لهم، مع أنهم كذبوه، لأنهم قومه، وهو منهم، فهي أخوة قومية لا شك فيها. ومثل ذلك قوله تعالى:

"كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ" (الشعراء: 123-124).

وقوله سبحانه: "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ.إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ" (الشعراء: 141-142).

وقوله: "كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ" (الشعراء: 160-161).

ولم تخالف سورة الشعراء هذا التعبير إلا في الحديث عن شعيب، فقال تعالى:

"كَذَّبَ أَصْحَابُ لْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ" (الشعراء: 176-177).

فلماذا غاير القرآن الأسلوب هنا، وقال: "إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ"، ولم يقل: إذ قال لهم أخوهم شعيب؟ السر في ذلك أن شعيبا لم يكن من أصحاب الأيكة، بل كان غريبا عنهم، وإنما كان من مدين، ولهذا قال في سورة الأعراف، وفي سورة هود: "وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبا" فدلتنا هذه الآية بوضوح أن من الأخوة ما يبنى على غير الدين، وإنما يبنى على اعتبارات أخرى، ومنها: الاعتبار القومي أو الوطني. ومثل هذه التعبيرات تقرب الآخرين منا، وتزيل الفجوة بيننا وبينهم، وهذا ما يبطل كيد الأعداء المتربصين بنا، والذين يريدون أن يشعلوا فتيل الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، ليصطادوا في الماء العكر، ويتخذوا من ذلك ذريعة للتدخل في شؤوننا، والتسلط علينا، والتحكم في رقابنا، وأولى بنا أن نرد كيدهم في نحورهم بمثل هذه المواقف التي تجعل قوى الأمة كلها جبهة متراصة في مواجهة مكرهم وعدوانهم.

الجائز وغير الجائز في تطوير الخطاب:

أما إذا كان عصر العولمة يريد منا خطابا دينيا جديدا، نحرف فيه الإسلام عن حقيقته أو نحرف الكلم عن مواضعه، بحيث نقدم لهم إسلاما على هواهم: إسلاما (مستأنسا) إسلاما كسير الجناح منزوع السلاح لا حول له ولا قوة، يؤمر فيطيع ويقاد فينقاد، ويطلب من العلماء والدعاة والكتاب أن يقدموه عقيدة بلا شريعة وعبادة بلا معاملة وسلاما بلا جهاد وزواجا بلا طلاق وحقا بلا قوة ومصحفا بلا سيف ودعوة بلا دولة، فهذا إسلام لا نعرفه ولا يعرفنا.

وليس هو إسلام السنة والقرآن ولا إسلام رسول الله والصحابة ومن تبعهم بإحسان من خير القرون.

إن كان المراد بتغيير الخطاب الديني: تقديم الإسلام على أنه مجرد علاقة بين العبد وربه، وليس منهج حياة للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وأنه يتبنى شعار: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فهذا إسلام مزيف على المسلمين، ليس إسلام محمد صلى الله عليه وسلم ولا إسلام القرآن ولا إسلام المسلمين، الذي يرفض تقسيم الحياة والإنسان بين الله وقيصر، ويقول: قيصر وما لقيصر لله الواحد الأحد:

"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (الأنعام: 162).

إن كان المراد بتغيير الخطاب الديني: حذف الآيات التي تتحدث عن اليهود وغدراتهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وانضمامهم إلى الوثنيين في حربه، أو - على الأقل - غض الطرف عنها وتجميدها، فلا تتلى في إذاعة ولا تلفاز ولا يتحدث عنها المتحدثون في خطب ولا دروس ولا محاضرات، فهذا مرفوض من أمة الإسلام، فكتاب ربهم يجب أن يظل متلوا مذكورا معلّما موجها فهو النور المبين والصراط المستقيم، من علم علمه سبق ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم.

إن كان المراد من تغيير الخطاب الديني لدى المسلمين: حذف ركنية الزكاة من العبادات وحذف تحريم الربا من المعاملات وحذف الحدود من التشريع الجنائي وحذف الجهاد من العلاقات الدوtext-align: justify;وهناك كلمات لم تعد مقبولة لدى إخواننا من الأقليات غير المسلمة مثل الأقباط في مصر، وأمثالهم في البلاد العربية والإسلامية الأخرى، وهي مصطلح لية وحذف الغزوات من السيرة النبوية وحذف خالد بن الوليد وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي وسيف الدين قطز وعمر المختار وعز الدين القسام من text-align: justify;تاريخ المسلمين، فلا ثُم لا.

إن كان المراد بتغيير الخطاب الديني: إهالة التراب على شعر أبي تمام في فتح عمورية، أو شعر أبي الطيب في انتصارات سيف الدولة على الروم، فلا ثم لا. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] انظر: في ظلال القرآن ص 2202. طبعة دار الشروق