إشارة: في الأیام الأخیرة أصبحت مجازر مسلمي بورما الأبریاء واحدة من الأحداث المريرة التي تمر بالعالم المعاصر وتدمي قلوب الشعوب الحرة. السلوك اللاإنساني في المناطق المسلمة بما في ذلك المذابح والحرق في الأرواح والممتلكات للأقلیة المسلمة في بورما تسببت إلی سقوط مئات الضحایا وتشرید الآلاف من منازلهم. وفي حوار مع جلیل بهرامي نیا الخبیر في علم الإلهیات (تأریخ الثقافة الحضارة الإسلامیة) من جامعة طهران ومن موالید محافظة کرمانشاه غربي البلاد قمنا بمناقشة هذه الکارثة البشریة وحدود ردود فعل المجتمع الدولي تجاه هذه القضیة.
الأمین العام للأمم المتحدة اعتبر الیوم مجازر مسلمي روهینغیا تطهيرا عرقیا؛ برأیکم ما السبب الذي یکمن وراء هذه المجارز؟ هل یمکن التعبیر عنها بحرب عقدية بین البوذیین والمسلمین؟
أود قبل أن أرد علی هذا السؤال الإشارة إلی أن بدایة دخول الإسلام في بورما یرجع إلی القرن الأول ووفقا للوثائق الموجودة في نفس القرن نزل المسلمین في تلک المنطقة بعد تحطم سفینتهم التجاریة واستقروا فیها وأصبح الإسلام حاضرا فیها وتعنق عدد من أهالي المنطقة بدین الإسلام بعد نشاطات وتحرکات المسلمین الدینیة وزاد عددهم یوما بعد یوم. وکانت للمسلمین حکومات محلیة طوال 350 سنة وحکم علی المنطقة أکثر من 40 حاکما مسلما حتی أواخر القرن الـ 18 حیث اقتحم بوذي یدعی "بودا بای" الجزء المسلم منها باسم آراکان وسیطر علیها وحکم علیها 40 سنة حتی تم احتلالها من قبل انکلترا في سنة 1824 وقام البوذیون بذبح 100 ألف مسلم بمبارکة السلاح الذي قدمتها لهم إنکلترا.
الذاكرة المريرة لهذه المذبحة لا تزال قائمة في تاريخ ذلك الشعب والبلاد ولها تداعیاتها ولم یزل هناک من له تجارب تلک المذابح وبالطبع أنهم قبل تكوين الثقافة الليبرالية والفردية التي ترجع إلی العقود الأخيرة کانوا یعرفون بالدین وأن اصطفافهم الاجتماعي کان علی أساس الدیانة وقد أثر هذا الصراع الدیني والنزاع والتناحر علی مناسباتهم السیاسیة.
وفي سنة 1948 وبعد الحرب العالمیة الثانیة أصبحت البلاد مستقلة عن الاستعمار النکلیزي شریطة أن تؤتي الاستقلال لأقلیات التي تعیش هناک إذا أرادتها. وفي احتفال استقلالیة بورما من انکلترا رغم تکوین البلاد من 130 جنسیة تم دعوة جمیع الفئات إلا المسلمین نظرا لتلک الصراعات السابقة والذاکرات المریرة التي كانت تدور في خلد کلا الطرفین وأنهم کانوا خائفین من انتشار الإسلام. وتقع آراکان في جنوب غربي بورما علی الحدود مع بنغلادیش ومسلمون یشکلون 70 بالمئة منهم؛ هناک یعیش 10 ملایین مسلم في أنحاء بورما؛ 5 ملایین منهم في آراکان وحوالي 6 ملایین منهم قد فروا من تلک المنطقة إثر الحروب والصراعات والآن یعیشون في بلدان أخری.
في سنة 1963 وقعت بورما تحت الحکم العسکري وحکم علیها جنرال باسم یونین بفکرة مادیة واشتراکیة وقد تسبب في تدهور أوضاع المسلمین أسوأ مما کانت من قبل وفقا لسیاساته الخاصة. والیوم یبلغ عدد المسلمین 4 بالمئة من عدد سکان بورما البالغ 54 ملیونا وفقا للاحصاءات الرسمية لحكومة ميانمار نفسها بینما أن أهالي بورما یعتبرون عدد المسلمین أکثر من هذا. علی کل حال أن أوضاع المنطقة کارثیة جدا متأثرا من هذه الأسباب وعقب تلک الصراعات الهوية والعقدية؛ کالتمییز الممنهج والقتل والرحيل القسري والتشرد ومنع التعلیم حتی حظر الولادة... کل هذه الحالات تنطبق علی المسلمین.
في سنة 1983 حین تمت الموافقة علی قانون المواطنة جعل البورماویون غیرُ المسلمین مبنی لقبول الأفراد کمواطنین لبورما وبناء علی هذا إنما تم قبول هؤلاء الذین سکنوا في بورما قبل سنة 1844 وأعلنت الحکومة والشعب غیر المسلم إن المسلمین تم جلبهم من البلدان المجاورة کبنغلادیش من أجل العمالة من أجل خدمة إنکلترا ولا یُعتبرون مواطنین يستحقون الاحترام السياسي والتمتع بالخدمات العامة من قبل الحکومة ویجب إقامتهم في المعسکرات والمخيمات الخاصة وعقب هذه الضغوطات تم تشکیل جماعات عسكرية من قبل مسلمي آراکان وبدأت صراعات عسکریة وهذا من ثمراتها.
إذا راجعنا إلی تأریخ بورما المعاصر ما هي المشاکل التي یعاني منها المسلمون؟ هل من الممکن أن تشیروا إلی حالات من انتهاک حقوق الإنسان ضد الأقلیة المسلمة؟
أولی حالات انتهاک حقوق الإنسان هي الحرمان من الهوية کما تعلمون أن هناک أسالیب مختلفة تستخدمها الحکومات ضد الأقلیات وأولها حرمانهم من الهویة بمعنی أنهم لا یقبلون أن تکون هناک أقلیة قومیة أو دینیة. الحالة الثانیة هي التحریف لنفترض على سبيل المثال یقال للأکراد ترک الجبل؛ إنهم ینکرون هویة الأکراد ویرون بأن لیس لهم أي إسهام أو دور في البلاد. الحالة التالیة هي القمع حیث تقوم الحکومات بقمع الأقلیات بسبب هذه الخلافات الهوية وتحرمهم من الحقوق القانونیة وبالطبع إذا حکمَت علی أحد بأنه لیس جزء من هذا البلاد ولم تصدر لهم بطاقات الهویة هو بمعنی حرمانهم من کافة الحقوق القانونیة والسیاسیة والتعلیمیة.
الاستیلاء علی مصادرة المؤسسات الدينية ومنع التعلیم لذوي تلک الهویة؛ کما فعل البوذیون وقاموا بالاستیلاء علی مساجد المسلمین ومدارسهم وبالتالي تم تحویلها إلی مدارس للبوذیین أو إلی الأندیة الریاضیة؛ علاوة علی هذا إن جمیع حالات انتهاک حقوق الإنسان کالتشرید والإخراج القسري والنفي تم تطبیقها ضد هذه الأقلیة. سیاسات الإفقار والطرد من المجتمع ومنع التعامل معهم وحظر الزواج وحظر الولادة وجمیع الإجراءات التي تستخدم لتدمیر أقلیة مع الأسف تمت تنفیذها ضد مسلمي بورما.
حتی الآن ما هي ردة فعل الأقلیة المسلمة أمام هذا التمییز الصارخ والظلم والانتهاک لحقوق الإنسان من قبل الحکومة؟ هل هناک حالات لجأت هذه الأقلیة إلی العنف والأعمال العسکریة ضد الحکومة؟
بالطبع نعم؛ بالنظر إلى أن المسلمین کانوا أقلیة کأقلیة منسیة؛ أود أن أشیر إلی نقطة؛ صحیح أن الاشتراک الدیني والعقدي في الإسلام یفرض مجموعة من المسؤولیات علی الإخوة الدینیة ولکن کمال یقال لا یهتم المسلمون بمصیر السائرین دون النفط. إن معظم هذه الأقلیة قد فروا من البلاد ومع الأسف أن ستة ملایین منهم فروا إلی البلدان المجاورة عقب ارتفاع حجم الضغوط وقد بلغ الأمر إلی أن مالیزیا منعت دخولهم في أراضیها. إن المسلمین الفارین لجؤوا إلی مخیم للأمم المتحدة ومنظمة اللاجئین وقد فر بعضهم إلی بنغلادیش والبلدان الأخری.
أخیرا قامت الأقلیة المسلمة بإنشاء جبهة عسکریة باسم "جبهة الإنقاذ" أو جبهة النجاة ودخلوا في صراع مسلح مع الحکومة وأن الحکومة تدعی بأن هذه القری هي محور حرکة مسلحة بینما أن الاشتباکات المسلحة بدأت منذ عدة سنوات.
الیوم بدأت موجة جدیدة من العنف والقتل والتشرید ضد الأقلیة المسلمة في بورما ونشأت مخاوف بین أوساط المسلمین؛ السؤال ما هي ردة فعل قوي للمنظمات الإسلامیة والدول المسلمة تجاه هذه المجازر حتی الآن؟
إن ردود الأفعال کانت في مستویی الحکومي والمدني؛ وفي المستوی المدني أثارت ردود أفعال کثیرة من قبل الشخصیات والأحزاب الإسلامیة والمجموعات والمؤسسات المدنیة وکلها تضامت مع هذه الأحداث المؤلمة وحرضت الآخرین علی الاحتجاج تجاه هذه المجازر ضد المسلمین. وفي المستوی الحکومي رأینا أن دولة الترکیا والرئیس أردوغان أظهر ردة فعل قوي وأن حکومة أفغانستان اتصلت بوزیر الخارجیة الإیراني وفي شیشان قامت الحکومة بعقد اجتماع کبیر وإلقاء محاضرات وإعلان الدعم عن هؤلاء الأقلیة المضطهدة.
في المستوی الرسمي أصحبت ردود الأفعال أوسع من قبل؛ أخیراً رأیت حسابا في فیس بوک کتب فیه ساویش أوغلو أنه یعزم بعقد مؤتمر دولي في أمریکا لمناقشة أوضاع مسلمي بورما وسیسلط الضوء علی القضیة بمشارکة الأنظمة الدولیة والبلدان المختلفة حتی یُهتم بها من الناحیة السیاسیة والإعلامیة.
إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمین أیضا أدان هذه المجازر ولکني لست علی علم عن ردة فعل منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي؛ علی کل حال أن القطاع المدني والقطاع الاجتماعي للعالم الإسلامي غاضب جدا تجاه هذه القضیة.
إذا أردنا أن نتطرق إلی تعاطي المجتمع الدولي ومنظمة حقوق الإنسان مع مجازر مسلمي روهنیغیا برأیکم هل استطاع المدافعون عن حقوق الإنسان والدموقراطیة أن یظهروا مواقف إیجابیة في هذا الصدد؟ لماذا تستمر هذه الکارثة والإبادة الجماعیة على الرغم من الإدانة الدولية؟
إن ردة فعل المجتمع الدولي تمت في المستویین اللفظي والفعلي؛ في المستوی الفعلي إذا صار المسلمون مضغوبین من جهة الحکومة بسبب عدم التصویت لصالح الحزب الحاکم وبالتالي انتقم البوذیون منهم وهاجموهم بالمدافع والدبابات وتسببوا إلی موجة من التشرد ولکن تم إعادة حوالي 90 ألف منهم بدعم من الأمم المتحدة وليس لدي معلومات محددة حول تنفیذ إجراءات أخری أو إصدار قرار أممي في هذا الصدد.
ولکن أن دولة بورما کما تعلمون دولة عسکریة ولیست ملتزمة بالقیم التعددیة السیاسیة والدموقراطیة وأن السیدة سوشي قضت فترة طویلة في السجن واستولت علی الحکم بعد الثورة التي وقعت وأطاحت بالحكم العسكري ولکن هناک حالة من الاحتقان وتراكم الكراهية والعداء حیث تقول سوشي عن هذه الحالة: کلما تکلمت عن الدموقراطیة وحقوق الإنسان والحریات وحقوق الأقلیات تم إلی تفزیز المتطرفین وإراقة المزید من دماء المسلمین".
في القطاع المدني برأیکم کیف یمکن للمسلمین أن یصدوا لهذه المعضلة الدولية؟ وما هي الأدوات التي تمکنهم من حل قضیة حقوق المواطنة للأقلیة المسلمة في بورما؟
في القطاع المدني یمکن الاستعانة بتشكيل الحملات وشرح حالاتهم في النشریات ووسائل الإعلام والضغط علی الحکومات وأیضا من خلال الأنظمة الإسلامیة والأحزاب والمنظمات المدنیة ومن خلال التواصل مع المنظمات الدولیة الداعمة لحقوق الإنسان والمقاطعة – وهذا ليس الكثير من الأمل منه – طبعا أن الدول الإسلامیة بإمکانها أن تضغط حکومة بورما بالمقاطعة الاقتصادیة واستجواب السفراء نظرا إلى عددها المرتفع.
مع الأسف أن مسلمي بورما کانوا غیر معروفین بین المسلمین قبل الأحداث الأخیرة؛ ولکن یمکن دعمهم عبر الأنشطة الإعلانية الداعمة واتخاذ الإجراءت السیاسیة اللازمة وإرسال التبرعات المالیة وإیواء المسلمین المشردین شریطة أن یتم الإعلان المناسب حول تعریف هذه الأقلیة وشرح حالات من الظلم والاضطهاد الذي یعاني منه المسلمون.
الیوم أن أنغ سان سوشي رئیسة بورما حیث أصبحت رمزا من رموز دموقراطیة والدفاع عن الحریة في العالم اعتبرت الانتقادات التي وجهت إلی حکومتها قلبا للواقع قائلة: إن هذا الحجم من أعمال العنف کذب وقلب للواقع. برأیکم أي الطرفین مع الحق؟ هل ادعاءات المسلمین تنطبق مع الواقع أم ما تدعي سوشي الفائزة بجائزة نوبل للسلام؟
یمکن القول بأن السیدة سوشي هبطب الآن من ناشطة لحقوق الإنسان إلی حاکمة سیاسیة؛ هناک عدد قلیل من السیاسیین الذين یکون بإمکانهم أن یحفظوا بنهجهم التحرري ونقاء ضمائرهم في أتون السیاسة. إن التحالیل تشیر بأن هذه الأفعال إنما تصدر من سوشي حفظا لآرائها في الحزب الحاکم – الدموقراطیة الوطنیة – وهي تعلم أنها ستخسر أصوات غالبیة الشعب إذا قامت بدعم المسلمین ونظرا للقضایا الآنفة الذکر أن بیان الواقع بالنسبة لها انهیار سیاسي جدا وإلا فإن الجرائم التي ترتکب ضد المسلمین لیست ببعیدة عن مرأی ومسمع منظمات الحقوق الإنسانیة والأمم المتحدة وکل هذه المنظمات اعتبرتها کإبادة جماعیة وجرائم ضد الإنسانية وهذه مصطلحات ذات معنی في القانون الدولي وفي حقوق الإنسان ولهذا لا یولي اهتماما كبيرا لمدعاتها.
کالسؤال الأخیر برأیکم هل ستؤدي هذا العنف الممنهج ضد الأقلیة المسلمة إلی توسیع فعالیات مجموعات إرهابیة وعنیفة کداعش وأمثالها وتعطي ذریعة لهم بأن یوسعوا رقعة ممارساتهم الإرهابیة في مستوی العالم؟ ألا یوفر هذا المستوی من العنف مجالا لمجموعات مدافعة عن الإسلام أن ترد علی العنف بالعنف مثله؟
بشکل عام أن الضغوط السیاسیة خاصة خیبة الأمل في تحقیق الحقوق سیجعل تربة المنطقة أکثر خصوبة لتصاعد العنف وهذا أمر بدیهي. أينما زاد القمع السياسي يجد التطرف تربة خصبة للنمو؛ وهذا المستوی من القتل والقساوة التي نری في العالم الیوم إذا لم تدارکه المنظمات الدولیة والمؤسسات المدافعة عن حقوق الإنسان ولم تقم بإعادة صیاغة أوراقها الأخلاقية في هذا الصدد ستواجه بمشاکل عدیدة من حيث مصداقيتها الاجتماعية في مستوی العالم خصوصا في العالم الإسلامي. ولکن من جهة أخری أن الأحزاب والمجموعات المتطرفة لا تبلغ آمالها السیاسیة من خلال النشاط المسلح.
أظن أن هناک من یستغل هذه المشاعر والعواطف متأججة لتعزیز مواقفها العسکریة نظرا للمخاوف الموجودة في الشبکات الاجتماعیة وبین أوساط المسلمین ولا بد منها. ولکني لا أظن أن تؤدي إلی حدة النشاط المسلح لعدم مقبولیته في المستوی العالمي ولأن مسلمي بورما لیس لهم أنصار أقویاء حتی یقدم لهم الدعم اللوجیستي.
الآراء