كثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلف فيقول:" لا ومقلب القلوب" كما ورد فى صحيح البخارى . وقد ذكرت معاجم اللغة أن القلب سمى بذلك لأنه كثير التقلب ، ولهذا ورد فى السنة أن الرجل يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ما معه من دينه شيء ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا،وما معه من دينه شيء . وقد يظن الإنسان أنه يمتلك قلبه الذى بين أضلاعه ، إن شاء أطاع الله وقتما أراد ، وإن شاء عصى ، وإن شاء أقبل على الله، وقتما يحلو له ، وإن شاء أعرض عنه ، ولم يعلم أن قلبه الذى بين أضلاعه، لا يطاوعه على هذا النحو ، فقد يريد الإقبال بعد الإعراض ، والطاعة بعد المعصية ، ولكن يتأبى قلبه عليه ، فلا يملكه ، ولا يطاوعه . وفى قوله عز وجل:

"وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ" [الأنفال:24].

قال الطبرى: "الحول بين الشيء والشيء"، إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكه سبيل. قد يبحث المسلم عن قلبه فلا يجده ، ومن ثم لزم مداومة الطرق على باب الله عله يجده ، بعدما فقده .

ومما يلتمس المسلم قلبه عندها ثلاث ، كما ورد فى بعض الآثار: سماع القرآن، ومجالس الذكر، وأوقات الخلوة ، فذلك مما يبحث عندها عن القلب ، فيحيا بذكر الله . وليس الأمر مقصورا على ما سبق ، فإن أبواب الخير التى يجد المسلم عندها قلبه كثيرة ومتنوعة ، فقد يجد قلبه عند المسح على رأس يتيم ، أو زيارة مريض ، أو تفقد غائب ، أو زيارة أخ فى الله ، أو رباط يوم أو ليلة فى سبيل الله ، أو مدارسة العلم ، أو مجاهدة الظالمين ، ومناصرة المظلومين ، أو إعانة على بر ،إلخ .

وهكذا تتشعب أبواب الخير بالمسلم ، ويكون له سهم فى كل غنيمة ، ولن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة . وبالجملة فإن ملجأ المسلم ليجد قلبه الذى افتقده ، وقبلته التى يتجه إليها ، هو الله ، فإذا وجد الله تعالى وجد قلبه ، ووجد كل شىء ، فما لنا من مهرب من الله إلا إليه، ذلك ما ورد فى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم: "لا ملجأ منك إلا إليك"

وقد ذكرالحافظ ابن رجب الحنبلى قصة تلخص مشهد متى يجد العبد قلبه ، فقال:

كان رجل من أصحاب ذي النون يطوف في السكك يبكي، وينادي: أين قلبي، من وجد قلبي؟!

فدخل يوما بعض السكك، فوجد صبيا يبكي وأمه تضربه، ثم أخرجته من الدار وأغلقت الباب دونه؛

فجعل الصبي يلتفت يمينا وشمالا، ولا يدري أين يذهب ولا أين يقصد. فرجع إلى باب الدار، فوضع رأسه على عتبته فنام،

فلما استيقظ جعل يبكى، ويقول:

يا أماه، من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك، ومن يدنيني من نفسه إذا طردتيني، ومن ذا الذي يؤويني بعد أن غضبت علي؟

فرحمته أمه، فقامت فنظرت من خلل الباب فوجدت ولدها تجري الدموع على خده متمعكا (متمعك: متمرغا فى التراب )،

ففتحت الباب وأخذته حتى وضعته في حجرها، وجعلت تقبله وتقول:

يا قرة عيني وعزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك، وأنت الذي تعرضت لما حل بك، لو كنت أطعتني لم تلق منى مكروها.

فتواجد الرجل، ثم قام وصاح، وقال: قد وجدت قلبي، قد وجدت قلبي.