لاشک أن ازدهار الأقوام والملل إنما یتیسر ببذل النفس والنفیس وتضحیات مبارکة فی مسار الرقیّ والازدهار وتوعیة الشعب؛ وکان العلماء والشخصیات روّاد هذا الرکب المیمون طوال التاریخ.  إذ نتصفح تاریخ أهل السنة الراهن فی ایران، نجد أسماء کبار الشخصیات والعلماء حیث ضحّوا بحیاتهم لیعیش أهل السنة فی راحة وإطمئنان، وکان من هذه الشخصیات الفذة، العالم العبقری والمؤرخ الألمعی الذی کان لا یخاف فی الله لومة لائم، الشیخ الشهید محمد الضیائی رحمه الله.


أردنا أن نقدّم إلی القراء الأعزاء نبذة وجیزة عن سیرته.


نسبه وأسرته:

 
هو الشیخ محمد الضیائی بن محمد صالح بن اسماعیل بن شمس الدین؛ ولد فی أسرة مباركة ساعیة لإرشاد الناس وتربیتهم الإیمانیة ، حیث كان والده الماجد الحاج محمد صالح عالماً ربانیاً كثیر المطالعة فی التاریخ والأدب، وإمام الجماعة، والحَكَم بین الناس فیما شجر بینهم من القطیعة والاختلافات.

وكان یُلمّ إلماماً شدیداً علی تربیة أولاده تربیة إیمانیة تغرس فی قلوبهم حب الله والرسول صلی الله علیه وسلم و صحابته.


وكان أمه من فضلیات النساء و من أسرة عریقة فی العلم والدین ومولعة بالعلوم الإسلامیة، حافزة أولادها علی الرقی فی العلوم الإسلامیة.


میلاده ونشأته:

أبصر النور یوم الأربعاء 18 من الجمادی الأولی، عام 1358 من الهجرة النبویة، فی قریة « هود » من توابع « إوز» من محافظة « فارس».


تعلم القرآن فی قریة « بید شهر » فی مكتب خال أمه الشیخ سید عقیل الكاملی وقضی أربع سنوات فی المدرسة الابتدائیة فی قریة « كوره » ثم التحق بدافع من أبیه إلی مدرسة الشیخ محمد الفقیهی بـ « إوز»، و درس هناك أربعة سنوات حتی بلغ به العطش العلمی إلی أن سافر إلی المدینة المنورة لیواصل دراسته فی حلقات الدرس التی یعقدها هناك العلماء فی مسجد النبی صلی الله علیه وسلم ، فقرأ صحیحی البخاری و المسلم و السیرة و التفسیر علی الشیخ محمد مختار الشنقیطی ودرس «إحیاء علوم الدین » عند الشیخ محمد إبراهیم ختنی.


وفی هذه البرهة من الزمن قیّض الله له التوفیق بحفظ القرآن الكریم فی المسجد النبوی الشریف.


وبعد مضی أربعة سنوات، دخل الجامعة وقد جمع عنده علم وافر حیث قال فیه أحد من زملائه: دخل الجامعة وهو مجتهد.


وتخرج من الجامعة فی فرع الشریعة ونال البكالوریوس بدرجة جید جداً.


وكان من أساتذته فی الجامعة ، الشیخ عبدالمحسن عباد ، الشیخ عبدالعزیز بن باز رحمه الله ( رئیس الجامعة ) والشیخ محمد أمین شنقیطی.


جهوده العلمیة ونشاطاته الدعویة:


رجع الشیخ محمد الضیائی عام 1347 الهجری الشمسی إلی إیران وقضی سنة فی قریة « هود » وأقام رحمه الله فی هذا العام أول صلاة التراویح فی قریة « قلات».


وفی عام 1348 بدأ نشاطاته العلمیة فی المدارس الثانویة فی مدینة « بندر عباس » بعد ما اقترح له إدارة التعلیم والتربیة بطهران ثلاثة مدن لتدریس اللغة العربیة.

وفی نفس العام خرج إلی الحج أمیراً ومعلماً للحجاج وبقی فی هذا المنصب 20 عاماً، وأتاح الله له الفرص للحج كل عام.

وكان الشیخ یحث الشباب علی مواصلة دراساتهم فی المدینة المنورة تأسیس مدرسة العلوم الإسلامیة لأهل السنة فی «بندرعباس»:


فی عام 1365 هـ . ش أسس مدرسة العلوم الإسلامیة، لكنه لقی فی أول الأمر بعض المشاکل بَیدَ أنه لم یقف عن إنجاز هذا المشروع المبارك، بل واصل طریقه بعزم  فولاذي حتی أثمرت جهوده ثماراً یانعة بتأسیس المدرسة.


وكان قد أخذ بدفة المدرسة وحیداً حتی قیض الله له الشیخ محمد حسن الواحدی « الأفغانی » حیث وقف جنباً إلي جنبه یشد من أزره.


وكان رحمه الله یقضی معظم وقته مع الطلبة الذین لم یتجاوزعددهم 45 طالبا ؛ وكان یدرس التفسیر والحدیث والسیرة والنحو والمیراث.


صلته بالشعب:


كان الشیخ الشهید رحمه الله قوی الصلة بالشعب مهتماً بأمورهم.

كان الفقیر والثری عنده سواء، و کان لایألو من أی جهد فی حل المشاکل و المعضلات التی تواجه المساكین والفقراء.

كانت خطاباته تأخذ بجوامع القلوب ، تجذب الشباب كالمغناطیس ، وكان رحمه الله یتسم بسمة الوسطیة حیث کان لا یثور ولایصرخ فی وجه أی أحد.

وكان یعتقد أنه لاحاجة فی تبلیغ الدین إلی الإهانة والإساءة ، وكان یؤكد عند الحل والترحال علی حضور الجماعة و المحافظة علی الصلوات، حتی كان یأمر ویشوق صبیانه علی حضور صلاة الفجر.

الدماء التی أضاءت نبراس الهدایة والوعی:


کان دعوة الشیخ رحمه الله التمسک بالکتاب والسنة؛ ولم تمض مدة مدیدة من نشاطاته المبارکة حتی أقبل علیه الناس کالفراش وصار بارقة أمل لأهل السنة فی ایران.

کان الشیخ رحمه الله لازال یثقل علی کاهله هذا العبء العظیم، ولأجل ذلک واصل أسفاره ورحلاته الدعویة إلی القری النائیة، ویجتمع لاستماع خطاباته جم غفیرمن الناس.
کان رحمه الله فی إحدی أسفاره الدعویة ولکنه لم یرجع وطار إلی الرفیق الأعلی و قضی نحبه شهیداً یوم الأربعاء 11 من شهر صفر، عام 1415 بعد ما قضی عمره فی جهاد دءوب ودعوة عمیمة عمیقة.


قد عثر علی جثة الشیخ الشهید رحمه الله فی إحدی الطرق الجبلیة من محافظة هرمزگان وکانت علی جثته آثار التعذیب.


نعم! قتل الشیخ بطریقة وحشیة ثم مُثل و رمیت جثته فی الطریق فی الصحراء بذریعة أنه مات بحادث سیارة ونسوا أن السیارة ألقیت بجوار جثته سالمة من الأذى.


ذهب رحمه الله ضحیة مؤامرة دنیئة علیه، ولكن الأیدی الآثمة التی اقترفتها لن تنجو من عذاب الله وفضیحته فی یوم آت لا محالة.


وأخیراً الحقیقة التی یجب أن اذکرها هی أنّ قاتلی الشیخ رحمه الله ما كانوا یتصورون ولا یكاد یخطر ببالهم أن دماء الشیخ تظل تضیء نبراس الهدایة والوعی، وتسبب إقبال الناس علی الدین والسنّة، وأن كلماته سوف تحیی بین الناس وتبقی خالدة.

اللهم اغفر له و ارحمه و أنزله منازل الشهداء والصدیقین.

ولست أبالی حین أُقتل مسلما    على أی شق كان فی الله مصرعی

وذلك فی ذات الإله وإن یشأ     یبارك على أوصال شلو ممزع