الكاتب: د. وليد فارس يأتي الإطار المحدد لأي نشاط بشري في الإسلام من خلال الأبعاد المقاصدية للدين، وكذلك النصوص الشرعية المباشرة، فكلا الجانبين يرسم خارطة الطريق لأي نشاط بشري طبيعي بعيداً عن الإفراط والتفريط. لو نظرنا لمقاصد الشريعة الخمسة، وهي: حفظ الدين، حفظ العقل، حفظ النفس، حفظ المال، حفظ العرض والنسل؛ نجد أن الرياضة تندرج تحتها كلها. فحفظ الدين لا يتأتى إلا بصحة جيدة لأفراد المجتمع حتى يتمكنوا من ممارسة الشعائر الدينية بشكل سليم، وكذلك لا يتأتى الدفاع عن الدين والأوطان إلا بجيش أفراده يتمتعون بالمهارة والصحة اللازمة، والرياضة تؤدي دوراً أساسياً في ذلك. أما حفظ العقل؛ فالرياضة تمثل جانباً ضرورياً منه للحفاظ على حالة صحية متوازنة وسليمة، بالإضافة للأنشطة الذهنية الأخرى. أما حفظ النفس؛ فواضح أيضاً ارتباطها الوثيق بممارسة الرياضة، وكذلك كوسيلة للدفاع عن النفس عند تعدي المجرمين على الإنسان. أما حفظ المال؛ فلا يستطيع شخص الحفاظ على ماله إلا إذا كانت حالته العقلية والنفسية جيدة لمتطلبات التركيز والحساب وغيرها، وهذا لا يتأتى إلا بممارسة رياضية منتظمة.
وأخيراً حفظ العرض والنسل؛ حيث لا يتأتى قيام الزوج والزوجة بمهامهما الأسرية دون حالة صحية سليمة، تعين كل واحد منهما على أداء مهمته من رعاية أحدهما الآخر والدفاع عنه، والقيام بأعباء طلب الرزق ورعاية الأولاد. كل ما سبق ينطبق على الرجل والمرأة بما يناسب مهامهما وأعمالهما، فمقاصد الشرع للمكلف بغض النظر عن جنسه. ثم يأتي إطار القواعد الفقهية العامة التي تساعدنا أيضاً في هذه المسألة، ومنها:
1- لا ضرر ولا ضرار:
فكل رياضة يترتب عليها إضرار بالنفس أو الغير فهي غير مباحة، وهذه الجوانب يحددها الأطباء والمختصون. وبالتالي نعلم أن بعض الرياضات التي تنتهي بمقتل أحد الطرفين أو إصابته بعاهة مستديمة لا تجوز شرعاً، كما كان يحدث في الدولة الرومانية تاريخياً، وكما يحدث الآن في بعض مباريات المصارعة والقتال المغلقة على جمهور معين.
2- الأمور بمقاصدها:
وهذه إحدى القواعد الفقهية العامة التي تمثل جوهر الأعمال في الإسلام، فالرياضة كغيرها لو أدت إلى أغراض غير صحيحة شرعاً أصبحت محرمة، فإذا أدت إلى الكبر أو العجب أو التعدي على الآخرين وغيره فهي محرمة قطعاً، أما إذا أدت إلى حفظ الصحة والمساعدة في أداء الشعائر والواجبات الحياتية وغيرها فهي مرغوبة، وقد تكون واجبة.
3- إن اللهو واللعب أصلهما على الإباحة عند الشافعي خلافاً لمالك كما ورد في «الأشباه والنظائر» لابن السبكي:
وعلى هذه القاعدة، تصبح كل أنواع الرياضات مباحة ما لم تشتمل على محرم مثل كشف العورات أو الإضرار بالنفس أو الآخر أو المقامرة أو الغش وغيره. وهذه القواعد -كما ذكرنا- هي للمكلف بغض النظر عن جنسه، ولأن حديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أصل في جواز ممارسة الرياضة للمرأة، وبالتالي تنطبق عليها كافة المقاصد والقواعد السابقة.
العرف والرياضة
من المشكلات الرئيسة في العالم الإسلامي وجود أعراف لا علاقة لها بالإسلام، وينزلها الناس منزلة الدين في تعاملاتهم، وأكثر الفئات تضرراً من هذه الأعراف في العالم الإسلامي النساء. فكثيراً ما يتم تحريم أمور عليهن لمجرد أعراف تخالف الشرع والدين، وقد أدى ذلك، فيما يخص الرياضة وممارستها مثلاً، إلى نتائج صحية كارثية نرى آثارها في ارتفاع نسبة الأمراض المعقدة بين النساء في العالم العربي، وكثير منهن أصبحن يواجهن مشكلات في الحمل والولادة ورعاية الأولاد نتيجة لانعدام ممارسة الرياضة أو ضعفها. مع علمنا أن النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن لإحضار المياه ورعاية الخيول والحيوانات، بالإضافة لركوبهن الخيول والجمال وغيرها، وهذه كلها أعمال رياضية حافظت على صحتهن العقلية والجسدية والنفسية.
وفي الختام، نرجو أن تقوم المؤسسات العاملة في مجال الفتوى بالدراسة الدقيقة للرياضة، وتطبيقاتها وفوائدها، وكذلك مضار بعضها؛ حتى تتوحد الفتاوى في هذا الشأن، ويكون الإطار المقاصدي فيها المقياس الرئيس للحكم عليها.
مدير مركز شؤون العالم الإسلامي - الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
الآراء