لا یدعي الکاتب الخبرة في الأصولیة الإسلامیة ولیس من الممکن التطرق إلیها في إطار مذکرة عدم القیام بالتعاطف وتقدیم التعازي وعدم الذهاب إلی السفارة الفرانسیة للتوقیع علی سجل ضحایا مجزرة لیلة الجمعة لا یوجد وراءها أي مبرر أخلاقي ولا إنساني ولا هي تصب في المصلحة الوطنیة الإیرانیة. من الممکن أن تکون بیننا وبین فرانسا ومجموعة الدول الغربیة حسابات سیاسیة ولکن الرجوع إلی الملفات الراکدة سیکون علی حساب مصالحنا الوطنیة. من جانب آخر نری ردود فعل عدد من وسائل الإعلام والتیارات التابعة للمجموعات الأصولیة أمام هذا الحادث الإنساني التي یمکن اختصاره کالتالي: "هؤلاء مستحقون لذلک" "الذین رزعوا الریح فعلیهم أن یحصدوا الطوفان" دع الغربیین أن یذوقوا بعضا مما طبخوا ولیروا ما فعلوا بالشعوب في العراق وسوریا وسائر بلاد المسلمین..."

وموجز حججهم أن الغربیین هم الذین اصطنعوا داعش لضرب الإسلام وإیران الإسلامیة ولکن الیوم انقلب السحر علی الساحر وهم أنفسهم قد أصبحوا متورطین فیه مثلما استدلوا علیه حول حرکتي طلبان والقاعدة بمعنی أن الإمریکان اصطنعت طالبان والقاعدة ولکن في نهایة المطاف أن سهامهم قد أصابتها. ومن وجهة نظر هؤلاء أن کافة التیارات الإسلامیة المتطرفة هي صناعة الغرب لضرب الإسلام الأصیل ولإثبات هذا المدعی دائما یلوذون بشواهد من الغرب فمثلا أن وزیر الخارجیة الأسبق لإمریکان قال في مقابلة أو في مذاکراته إننا اصطعنا داعش أو أن محللا ما وعضوا بمرکز أبحاث في أمریکا کتب أن القاعدة تم تأسیسها علی ید خبراء بنتاکون.

ولکن بصرف النظر عن هذه الافتراضات الشائعة أن العالم قد واجه ظاهرة معقدة باسم المجموعات الدینیة المتطرفة والعنیفة منذ أکثر من عقد وهم یکفرون غیرهم وبالتالي یرون قتالهم واجبا دینيا. کل ما یمکن أن یقال هو أن لیت تلک الافتراضات التي یعتمد علیها الإیرانیون کانت صحیحة في العالم الواقع وأن داعش وظاهرة الإسلام المتطرف والعنیف کان من اصطناع الوکالات الاستخباراتیة الإمریکیة والإنجلیزیة لأنه في هذه الحالة کان بإمکانهم أن یوقفوا خطوط إنتاج هذه الظاهرة ولکن ظهور الإسلام المتطرف والإسلام المعادي للغرب والإسلام الذي قد سهل له اللجوء إلی التطرف والعنف والإسلام الذي یقوم بتکفیر من لا یفکر مثله ویهدر دمه (منه مجموعة کبیرة من سائر المسلمین) لیس قضیة بسیطة أبدا.

هناک مئات من المفکرین الغربیین قد قاموا بدراسة الأسباب وراء ظهور هذه الظاهرة وتجذب عدید من الشبان المسلمین للقتال منهم المتعلمین. ما هذه الظاهرة التي نری فیها أن أحدا من متخرجي جامعة لندن أو طالب إمریکي أو فرانسي ولد في وسط حضارة الغرب والتحق فیها بالمدرسة أو الجامعة فإذا یغادر بلاده وینطلق نحو سوریا أو العراق من طریق ترکیا أو الأردن لیصل إلی میادین القتال أو یقوم بقتل المئات في باریس بدم بارد؟ هل الفقر یقوده إلی الالتحاق بداعش؟ أو البطالة أو الاکتئاب أو مشاعر الفراغ أو الاغتراب أو الشعور بالجمود الفکري أو الافتقار إلی الروحانیة في الغرب؟ فماذا یقود الشاب المسلم المولود في الغرب إلی الالتحاق بداعش؟

رغم أن هذا هو جانب من القضیة وأن الجانب الأهم هو المسلمون السنیون العراقیون والسوریون واللیبیون والشیشانیون والسعودیون والأفغانیون الذین یلتحقون بهذه المجموعات وفي هذه الحالة یبدو الغموض والظلام أقل من قبل. لیست مبالغة أن نقول أن هناک صلة مباشرة بین التنمیة السیاسیة والمجمتع المدني من جانب والالتحاق بداعش من جانب آخر؛ لأن معظم قوی داعش هم من العراق وسوریا والسعودیة البلاد الثلاثة التي لها سجل محزن من وجهة نظر التنمیة السیاسیة.

وعکسه أن البلدان التي لدیها بقیة من التنمیة السیاسیة والمجتمع المدني یبدو الالتحاق بداعش فیها أقلا من غیرها فمثلا أن داعش لم یکن بإمکانه أن یجذب قوی من مالیزیا وإیندونیسیا أو ترکیا مع ذلک أن في القوقاز التي ظلت تحت الحکم الروسي وأصبح نمو الدموقراطیة فیها راکدة، قد التحق عدید من شبانها إلی داعش.

ولم یکن بإمکان طالبان أن یجذبوا عددا کبیرا بین الطبقات الاجتماعیة الحضریة والمتعلمة في أفغانستان بدلا من ذلک قد قاموا بتجنید مزیدا من الشبان في القری القبلیة والمناطق المتخلفة التي لدیها أدنی حصة من التنیمیة السیاسیة والاجتماعیة. في أي حال لا نستطیع أن نتجاهل عامل التخلف الإنمائي السیاسي والاجتماعي في خلق هذه الظاهرة ونموها؛ ففي بلاد السعودیة إن کان هناک أدنی شيء من الدیموقراطیة هل کان بإمکان داعش أن یجند العدید من الشبان في تلک البلدان؟

من هنا یبدو واضحا أن أبحاث علم الاجتماع ودراسة جذور نشأة داعش وأسبابها قضیة وإدانة العنف والقیام التعاطف مع ضحایا عنف داعش سواء کان من الیزیدیین في شمال العراق أو من الهزارة في أفغانستان أو الأبریاء في باریس هي قضیة أخری.