إن ضرورة إصلاح البُنی الموجودة فی الوطن باتت من واقعیات مجتمع إیران الیوم و قد أصبح الأمر أکثر ضرورة فی الآونة الأخیرة وذلک لتوسیع رقعة المجتمع المدنی ومؤسساته وتنشیط تطورات اجتماعیة أکثر، و إن لم تکن هذه الحاجة غیر مفهومة للمحافظین وشرائح من مؤیدیهم الأقویاء. حتی إنهم صمدوا أمامها کثیراً وخیر دلیل علی ذلک التقهقر الذی حصل فی السنتین الأخیرتین فی إطار المدنیة؛ وعلی الرغم من أن الظروف الراهنة غیر مواتیة للتغییر والإصلاح، إلا أن أوضاع إیران الاجتماعیة الیوم تتطلب توسعة المؤسسات الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة وتأسیس الهویات الحقوقیة.
فی هذه الظروف وقد منعت الحکومة أی نشاط مدنی خارج عن نطاق لاتستحسنه، مازلنا نری المقاومة المدنیة لجبهة الإصلاحات؛ لذلک نحن بحاجة إلی إیجاد الکتل الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة علی مستوی الوطن. علی هذا سیکون الحدیث حول مدارس وعلماء أهل السنة الأکراد لافتا للنظر:
بعد نجاح ثورة 1357 عام1979 أخذَ علماء الشیعة بدفة الحکم ، بعد نضال طویل لکسب السلطة فنتج عن هذا ظاهرتان مختلفتان تماماً:
أولاً: علماء الشیعة و مدارسهم: فالعلماء (الذین یسمون آیاتِ الله و حُجج الإسلام والمسلمین) تربعوا علی عرش السلطة فتقلدوا مناصب رفیعة فی النظام الجدید ؛ وأما المدارس الدینیة لهم فتمَّ تعزیزها و حمایتها تماماً و خُصِّصت لها مبالغ باهظة سنویاً.
ثانیاً: علماء السنة ومدارسهم: فإنها وقعت موضع النقد وهذا ما قاله آیة الله مطهری؛ فی تقییم ومقارنة علماء الشیعة والسنة ؛ فإنه انتقد علماء السنة فقال: «إن أکبر إشکالیة لعلماء السنة أنهم اعتمدوا علی حکوماتهم فلم یستطیعوا أن یمتلکوا روحاً ثوریة، فعاشوا تحت ظل وصورة الساسة؛ أما علماء الشیعة فقد عاشوا مستقلین عن الحکومات دائماً بل وکانوا ضدها أحیاناً وهذا الأمر صار سبباً لنجاح ثورة دینیة فی إیران، فلم نشهد مثل هذه الظاهرة فی مصر وباقی البلدان الإسلامیة».
نعم علینا أن ندرک مدی انتقاد السید المرحوم الشیخ مطهری ، فکان لزاماً أن ینال علماء السنة بعد الثورة ما ناله علماء الشیعة من دعم حتی یُعرفوا ککتلة وتُهیئ لهم فرصة وأرضیة لیقوموا بدورهم وواجبهم الدینی دون أی تشویش ولکن بعد مُضیّ ثلاث سنوات علی الثورة شاهدنا عکس ما انتقده السید مُطهّری من استقلال مؤسسة العلماء عن الدولة، بأن قامت الحکومة بإنشاء مؤسسة تحت عنوان « المرکز الإسلامی الکبیر» فی غرب البلاد (أی فی المناطق الکردیة السنیة) ودیدنه کانت الرقابة والإشراف علی علماء السنة؛ فعمل هذا المرکز طوال السنین الماضیة علی منع أی نشاط یؤدی إلی رقیّ و تنمیة کمّاً و کیفاً.
تدل الإحصائیات علی أنه یوجد فی کردستان ألفا عالم دینی وقد جاء فی کتاب «دلیل عملیة التبلیغ و الإدارة فی مناطق السنة» (کتاب روش تبلیغ و مدیریت در مناطق تسنن) أن المسؤول عن القضایا والمدارس الدینیة وأئمة الجمعة والجماعات لأهل السنة فی کردستان هو« المرکز الإسلامی الکبیر» الذی تأسس عام 1359ه.ش 1980 للمیلاد و1400 ه.ق و یدیره السید «موسی موسوی» ، وللمرکز فی کل المدن الکردیة فروع یدیرها عالم شیعی.
کان للعلماء عند الأکراد منزلة خاصة ، لأن العلماء عندهم منذ القدیم کانوا أکثر الناس علماً ولهم أثرهم الخاص فی مختلف القضایا ولم یکن قد شاع العلم فی المجتمع الکردی کالمناطق الأخری حینذاک.
ففی النظام السابق ( عهد الشاه )کانت المدارس الدینیة تحت إشراف الأوقاف أما بعد الثورة:
1- المدارس الدینیة الرسمیة: وهی التی کانت تدار بإدارة مباشرة من « المرکز الإسلامی الکبیر» والطلاب فیها کانوا یکملون الدراسة فی 10-7 سنوات ثم یتخرّجون.
2- المدارس (الشعبیة) الخاصة: وهی التی کانت متفرقة فی أرجاء المنطقة ولیس لها ارتباط بالمرکز الإسلامی کالمدارس الرسمیة و أنَّ سنوات الدراسة فیها أکثر من سنوات الدراسة فی المدارس الرسمیة. والحدیث هنا عن أوضاع هذه المدارس( غیر الرسمیة)، التی قد ضعُفت رویدا رویداً حتی انحلت وتعطلت لعدم دعم جدّی!!
فلو نظرنا إلی ماضی هذه المدارس ( غیر الرسمیة) لرأینا أنها مع صغرها وقلة نشاطها وتفرقها وعدم تناسق بعضها مع بعض، قد کانت باعثة للتغییر والنهوض فی المنطقة ، حیث أن علمائها کانوا یقودون الحرکات المناوئة و المناضلة ضد الحکام الظلمة فی إطار منظمات اجتماعیة ، وأن خرّیجی هذه المدارس هم الذین قد کتبوا الأدب الکلاسیکیة الکردیة نثره ونظمه وأن الشعراء قد درسوا فی هذه المدارس و أمضوا أعمارَهم فی طلب العلوم الدینیة. فهناک کثیرون یصدق علیهم هذا الوصف أمثال قاضی محمد، ملا خلیل گورهمر، الشیخ عبیدالله النهری، العلامة بیتوشی، نالی، وفایی، مولوی تاوهگوزی، ملا محمد قزلجی و کثیرون غیرهم فی السیاسة والأدب من العلماء والشخصیات الذینَ قد درسوا فی هذه المدارس.
ونتسائل الآن و نقول: أین ذلک النشاط والحیویة والحرکة العلمیة الیوم؟!
بماذا أصیب ذلک النشاط ولماذا ضئل أثره؟! بماذا أصیب علماء المدارس هذه الأیام من المشاکل الداخلیة أو الخارجیة ولماذا انعدم أثرهم فی المدن کثیراً وفی القری والأریاف کذلک؟!
لماذا لایطالبُ العلماء بحقوقهم فی العصر الذی یطالب فیه کل صنف حقه؟! ما هی العراقیل التی أمام العلماء ؟و بعبارة أخری لو کانت المؤسسة الاجتماعیة نتیجة لجهود منظمة للنیل إلی أهداف مجموعة خاصة فلماذا تفتقد مثل هذه الجهود فی أوساط علماء السنة الأکراد لیقوموا بحل بعض المشاکل الموجودة ، فی حین أن علماء الشیعة منذ نجاح الثورة أوجدوا کُتلا لهم کـ«جامعه روحانیت مبارز» و «مجمع روحانیون»اللتان تعملان الآن فی جناحی الیمین والیسار ولهما نشاط مؤسَّسی فی أصعدة الحکومة المختلفة؟! ولِنجد الجواب علینا أن ننظر إلی علماء السنة الأکراد نظرة ناقدة من الداخل والخارج، حتی نستطیع أن نحصی بعض المشاکل الداخلیة والخارجیة لهم کما یلی:
الف: بعض المشاکل الداخلیة:
1- عدم الانسجام المؤسسی:
إن علماء السنة الأکراد قد بقوا کالماضی فی التقلید وعدم القیام بإنشاء المؤسسة وإن کانت هناک مدارس تقلیدیة (غیر الرسمیة) نشیطة، إلا أنها لیس لها أثر یُذکر، لأنها غیر منسجمة بنظام مُؤثر؛ و أن تقلیدیة المدارس تسببت فی استمرار التقلیدیة فی أوساط العلماء . و إذا کان فی الماضی لهذه المدارس أثر فکان ذاک التأثیر لتقلیدیة المجتمع، أما الیوم فلیستْ الظروف کما کانت فینعدم أثرها طبعاً.
2- الصمت المسیطر علی العلماء:
بات واضحاً أن التطورات الفکریة السریعة التی حصلت فی البلاد؛ لم یرافقها علماء الکرد ، فلم یتطوروا داخلیاً. لذلک لم یتمتعوا بالمعلومات المتنوعة فی الأصعدة الإنسانیة والاجتماعیة والسیاسیة والفلسفیة. و یمکن القول؛ بأن عدم انسجام العلماء المؤسسی و طابعهم التقلیدی قد أوجدا فیهم هذا الوضع المأسوی!
3- سیطرة الرؤی الفقهیة البحتة:
انکماش علماء الکرد السنة علی أساس أن کل الموضوعات الفقهیة التی تکونت واکتملت فی القرون الماضیة، خالیة من العیب والنقص وإنها مقدسة ، وبناءً علی ذلک یمکن أن نستغنی من سائر العلوم والمعطیات والتجارب البشریة فنحکم علی القضایا دون النظر إلی هذه العلوم.
هذه الرؤیة کانت موجودة قلیلاً أو کثیراً، و هذا أکبر خالجة للعلماء المعاصرین، علماً بأن العلوم الإسلامیة لاتنحصر فی الفقه فقط بل إنها علی تقارب شدید من العلوم الإنسانیة والاجتماعیة.
ألیس یسعنا أن نقول إن العلماء لو کانوا یلمّون بهذه العلوم جیداً ویمزجونها بالعلوم الإسلامیة فی محاضراتهم وحواراتهم لکان أثرهم أکثر وأعظم؟! لذلک نری أن قسماً عظیماً من تأثیر وإفادة علماء السنة یتضائلُ لهذا الضعف وقد تراهم ینسحبون من الحضور فی بعض المیادین أو یقلّ أثرهم إذا حضروا ، ولاشک أن کثیراً من القضایا والظواهر الاجتماعیة و الإجابة علی الأسئلة تتغیر دائماً بمعرفة هذه العلوم؛ فغفلة العلماء عن هذه العلوم تسبب فی بعدهم عن الناس وتلبیة حوائجهم الفکریة؛ فمنعت تکوین علاقات ناجحة طیبة معهم.
4- الضیق الاقتصادی للعلماء:
إن الطالب والعالم الکردیین یواجهان مأزقاً مالیاً کبیراً، سواء فی مرحلة الدراسة أو بعد التخرج، فیُفرض علیهم من هذا الباب قیود وضغوطات کثیرة. لاشک أن تعلّقهم الاقتصادی بالقلیل الذی یدفعه الناس لهم من أهم عوامل ضعفهم؛ سواء فی المدن أو فی القری والأریاف وذلک إزاء أن یؤموا فی المساجد. فالطالب للعلوم الشرعیة بعد أن تُنهی الدراسة علیه أن یذهب کسائر الشباب إلی الجندیة المفروضة لمدة سنتین ثم هو یرجع ولم یتعلم شیئاً من فنون الکسب والتجارة ؛ ومن جانب آخر إنه یحس بالمسؤولیة تجاه مجتمعه بعد أن تخرّج فعلیه أن یرشدهم و أن یکون إماماً أو مدرساً أو ما شابه ذلک. ففی کل الحالات إن لم یکن له عائلة غنیة داعمة لهُ؛ لایُدفع له راتب شهری یکفیه تکالیف ومصارف الحیاة، وهذا مایشدّد تعلقه بالمال الزهید الذی یدفعه الناس له . لکن فی السنوات الأخیرة اشتغل بعض العلماء بالأعمال المربحة والنشاطات الاقتصادیة فخرجوا بعض الشیء من هذا المأزق وذلک الضیق مما أدی إلی غیابهم عن ساحات الدعوة و الإرشاد !
ب: المشاکل الخارجیة:
1- المصیرالمجهول لشهادات طلاب وعلماء السنة:
إن طلاب الشیعة یکملون مراحل دراساتهم المختلفة فیحصلون إزاء کل منها علی شهادات رسمیة أو جامعیة عادة أو تتم معادلة شهاداتهم فی المراکز العلمیة؛ فی حین أن طلاب السنة لم یکن لهم هذا النصیب! هذا الأمر قد سبّب حرمان هذه الطبقة من المجتمع الکردی من التوظیف ولکن فی السنوات الأخیرة قد أقام قسم الفقه الشافعی فی جامعة طهران امتحانات خاصة لطلاب وعلماء السنة فأُعطی لهم شهادات فی مستویات متوسطة، بکالوریوس وماجستیر و هذه خطوة طیبة وإن کانت متأخرة.
2- یواجه علماء الأکراد قیوداً ومشاکل کثیرة لو لم یکن لهم ملف فی المرکز الإسلامی الکبیر:
فهناک نوع من الإجبار غیر المحسوس للعلماء لیذهبوا إلی المرکز لیسجّلوا ویصیروا أعضاء فیه وإن لم یفعلوا ذلک قد تشتد علیهم القیود فیُفصلون من إمامة المسجد أو لیس لهم حظ لیُختاروا إماماً لمسجد فی المدینة أو فی القریة .
3- انتهاک حقوق السنة:
یمر المجتمع والدولة فی الظروف الراهنة بأزمة خانقة ونشاهد فی هذا الظرف من الزمان انتهاکاً عاماً لحقوق الإنسان المذهبیة. إن قضیة انتهاک حقوق السنة المذهبیة علی مستوی الوطن ولاسیما فی کردستان لافت للنظر؛ فقد خُرّبت مدرسة دینیة فی محافظة بلوشستان کما خرّب مسجد فی مدینة «بجنورد» فی محافظة خراسان الشمالیة و تبث التلفزیون والرادیو برامج وموضوعات لاتناسب ولاتتماشی مع الوحدة الإسلامیة والمعتقدات المذهبیة والتاریخیة عند السنة وهناک معارضة للبرامج التقلیدیة لجماعة «مکتب القرآن» (أتباع العلامة المرحوم مفتیزاده) فی کردستان ورقابة الأعیاد الدینیة کالفطر والأضحی فتمارس الضغوط والرقابة ولایُسمح القیام بالنشاطات المدنیة ذات طابع دینی.
هذه کلها مظاهر من انتهاک حقوق أهل السنة المذهبیة فی الوطن و هناک قضایا أخری مثلها أیضاً لاتهم حیث لاتثیرأخبارا فی البلاد ولاتسترعی انتباه الآخرین کی یقوموا بحمایتها .
نظراً للمشاکل المطروحة و للوصول إلی نتیجة ما نستطیع أن نقول: إن الرقابة الإداریة التی کانت موجودة فی النظام السابق ( عهد الشاه البائد ) علی علماء السنة والمدارس الدینیة، ماتزال موجودة بعد الثورة أیضاً ولکنها قد تغیرت ماهیتها؛ علی سبیل المثال أن الرقابة الآن صارت تعمل لاحتواء الجهات الفکریة والعملیة وتسعی لتوجِّه الطلاب والعلماء إلی جهة خاصة حتی ینقاد بذلک العلماء وتنقاد المدارس فی طریق مبرمج هادف وهذا مایفعله الجهاز الإداری التبلیغی للمذهب الرسمی ؛ وعلی الرغم من ذلک کله نقترح ونذکر الأمور التالیة لإیجاد أیة حرکة إصلاحیة بین العلماء فی المناطق الکردیة.
إن علی العلماء ولاسیما القدامی منهم و أساتذة المدارس (الشعبیة) الخاصة، أن یقیموا جلسات مشترکة ویشارکوا مع بعض فی تغییر الرؤی والطرق التقلیدیة المسیطرة علیهم.
إننا نری لزاما علی العلماء أن یتمنهج نشاطهم فی إطار «منظمة أهلیة» غیرحکومیة کحل وحید لبناء تقلیدیة المدارس الدینیة الخاصة؛ ففی ظل هذا التغییر ینفتح الطریق للتجدید فی الطرق التعلمیة ومصادر المطالعة فی المدارس وبذلک یُجبر و یُسد الفراغ الفکری والعملی الموجود.
کما أن الانسجام المؤسسی لعلماء أهل السنة (الأکراد) یؤثر إیجاباً فی حل المشاکل الاقتصادیة حتی یظهروا علی الساحة کمنظمة أهلیة غیر حکومیة تستحق المساعدات الحکومیة فی هذا الصعید.
یجب تطور ماهیة محاضرات ومواعظ العلماء؛ لیجتنب العلماء من الفقهیة البحتة فی محاضراتهم کما یجب أن لاتکون المواعظ مبنیة علی الإلقاء الأُحادی المندفع ، و لا بُدَّ من لغة التحاور حتی تکون المواعظ ذات آثار ایجابیة طیبة، لأن هذا لایتفق وطرقَ التواصل الاجتماعی المعاصر.
نقترح أن تطرح هذه الاقتراحات بین العلماء أولاً ثم لیطرح بین الطبقات الأخری کما أن لنا نصیحة مشفقة لمن بیده الأمر:
إن احترام العقائد والأدیان و المناسبات المذهبیة غیرَ المذهب الرسمی ، من الحقوق الرسمیة الأولیة فی الدستور الإیرانی فلیحترموها!!
کان الشیخ مطهری أحد علماء الشیعة البارزین الذی له مؤلفات عدیدة و الذی اغتیل علی ید جماعة فرقان المتطرفة بُعَید انتصارالثورة الإسلامیة فی إیران.
الآراء