لكي يحقق الشيطان رسالته، ويصطحب الإنسان معه إلى شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، فإن هناك أهدافاً محددة يريد الشيطان أن يدفع الإنسان إليها، أهمها ما يلي: 

1- نسيان ذكر الله تعالى وحقوقه وحقوق العباد، قال تعالى: "اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ" -المجادلة: 19-.

2- إلقاء العداوة والبغضاء بين الأب وأولاده، بين الزوجين، بين الأولاد، بين الأفراد، بين الجماعات، بين الدول، لقوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ" -المائدة: 91-.

3- إدخال الحزن والخوف، قال تعالى: "لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا" -المجادلة:10-، وكما قال تعالى: "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ" -آل عمران: 175-.

4- الكفر، قال تعالى: "إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" -الحشر:16-.

5- العُري، قال تعالى: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا" -الأعراف:20-.

ولقد نص الله عز وجل بشكل صحيح صريح على أن الشيطان يريد هذا الشقاق والخصام بين بني الإنسان: "إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ" -المائدة: 91-.

وسائل الشيطان لإغواء الإنسان

من وسائله: الاستفزاز، والدفع للمزاح بالباطل، والدفع إلى النجوى، وإلقاء سوء الظن، والوسواس، والنزغ، والتخويف، والتزيين، والدفع إلى الجدال، وتغيير خلق الله.

ومن النصوص الدالة على ذلك قوله تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" -الإسراء: 64-، وقوله تعالى: "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" -آل عمران: 175-، وقوله تعالى: "يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" -النساء: 120-، وقوله تعالى: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" -الأعراف: 200-، وقوله تعالى: "وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ" -المؤمنون: 97-.

ولعلي هنا أستعرض بعض هذه الوسائل والهواجس التي يستعملها الشيطان لإغواء الإنسان وإلقائه في مصائده كي يكون له شريكا في جهنم والعياذ بالله:

1- وساوس الشيطان للعابدين:

يُحرِّض الشيطان العابد على الإكثار من التعبد العملي دون التفكر والتدبر العقلي، أو تعلم العلم الشرعي، فيأنس للطاعات دون التعلم، ثم لا يلبث أن يوسوس له بالشبهات ويكثر عليه، ويجنح به إلى الاستسلام لهذه الوساوس التي قد تخرجه من الملة أو أن يزاول العبادة على غير هدي النبي –صلى الله عليه وسلم- فترد عليه، وإذا طال به الزمن وجاء أحد يُذكِّره استكبر عن قبول الحق، حتى لا يُبطل أعماله السابقة، فيجمع إلى الجهل والتشبع بالشبهات الاستكبار عن قبول الحق وإن بقي مواظبا على بعض الشعائر والعبادات.

2- وساوس الشيطان للعلماء:

يُنسي الشيطان بعض العلماء قوله تعالى: "وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ" -النساء: 113-، فينسب الأفكار الجديدة إلى عقله السديد: "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي" -القصص: 78-، وقد يجيب فيما لا يعلم ليحفظ مكانته بين الناس، فيدفعه الشيطان ليتبوأ مكانه في النار، أو يبالغ في التعليم ليقال عنه عالِم، فيكون أسبق الناس لقعر جهنم والعياذ بالله، للحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة t أن النبي ^ يقول: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه.... ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟، قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالِم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار»( )

ومن وساوس الشيطان للعلماء إذا وجد العالِم من هو أعلم منه انتقده وجرَّحه وأخَّره، لا لتظهر الحقيقة على لسان أعلم الناس بها بل ليظهر هو أمام الناس. ومنه أيضا سعادته بالمادحين، وتضجره واحتقاره للناصحين، وهجومه على المخالفين، وأن ينتظر من عموم الناس له تبجيلا خاصا، وخفضا للأسعار في الأسواق، وتوسيعا له في الطرقات، وتقديرا له في كل الاجتماعات.

3- وساوس الشيطان للشباب:

التمرد على الآباء والأمهات (لن أعيش في جلباب أبي)، والمدرسين والمدرسات، واحتقار الأعراف الاجتماعية الأصيلة، والانبهار بالثقافات الخارجية الدخيلة، والموضات الجديدة، والزينات العديدة، والاهتمام بالشكل على حساب المضمون، فتصير تسريحة الشعر ونوع النظارة الشمسية وماركة القميص والبنطلون والحذاء أهم من التشبع بالإيمان والتطلع إلى المكارم الأخلاقية والاصطباغ بالصبغة الربانية والأخلاق الإسلامية، ويدفعهم إلى ملء الفراغ بالأفلام والأغاني والموسيقى والإقبال على أصدقاء السوء والهروب من الأصدقاء الجادين علميا، المتميزين إيمانيا وأخلاقيا، ناسيا المثل العربي: «أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك». فيقضون الساعات في مشاهدة التلفاز والأفلام والرياضات أو ممارستها ويستثقلون الصلوات في المساجد والجلوس إلى حِلَق العلم ناسين: «إنما العلم بالتعلم»( ) ، والمثل: (لن تتعلم حتى تتألم). فيعيش الشاب تافهاً أو سطحي الفكر، سيىء الخلق، ضعيف الإيمان، ويتضاعف عنده الجنوح إلى إثبات ذاته بما يضر ولا ينفع، كما قال الشاعر:

إذا أنت لم تنفع فضرَّ فإنما ** يراد الفتى كيما يضرُّ وينفع

4- وساوس الشيطان للفتيات:

جمالك مِلْكك، والشباب من حولك، وعيشي حياتك، واستمتعي بأنوثتك، واختالي على صديقاتك، واخطفي الأنظار حولك بتغيير قسمات وجهك وألوان شعرك، لتكوني حديث الشباب، وهيام الأحباب، فيطرقون الأبواب، وآنئذ تختارين بعد التجربة والانتقاء من يكون الزوج الدائم أو العشيق الهائم، فقد كثرت العنوسة والطلاق، ولا حيلة لإشباع الرغبات وإطفاء التحرقات، إلا بالسفور والصداقات، والرسائل والمكالمات، والتزين والتصنع والحركات، ودعك من الحجاب والتخلف عن ركب الحضارات، في عصر الإنترنت والفضائيات حيث المتعة والمرح والسُكْر والرقصات، وإن كبر بك السن فعندئذ يمكن أن تتوبي إلى الله، وتعودي إلى حياة الأمهات والجدات.

5- وساوس الشيطان للأغنياء:

تعبتَ في جمع مالك، فاستمتع بحلالك، وادخر لعيالك، وتوقف عن التبرعات فإنها مرصودة، وانتبه إلى كل فلس، ولا تفرط في أي قرش، واعتذر لكل ذي حاجة بالصدق أو الكذب، وأغلق خزائنك عن كل يتيم أو مسكين، وصاحب الأغنياء مثلك فربما انتفعت منهم بفكرة أو علاقة أو شراكة، ودع الفقراء فإنهم أصحاب حقد وحسد وطمع وكسل، يريدون أن يناموا وتكدح لهم بالليل والنهار، ولماذا لا توسع استثماراتك بالقروض البنكية، فالناس جميعا يفعلون ذلك فهل تبقى قِطاً بين الأفيال؟ وقد أفتى بعض الشيوخ المعاصرين بحِل الفوائد البنكية، والمثل يقول: «ضعها في رقبة عالِم وبات سالم»، وابحث عن المشاريع التي تدر أرباحا وفيرة، ولو كانت تفتن الشيب والشباب ف«كل واحد متعلق من عرقوبه»، و«أنا لا أضرب أحدا على إيده»، ولا مانع إذا كثر مالك أن تبني مسجدا في آخر حياتك، ليكون صدقة جارية بعد مماتك.

6- وساوس الشيطان للفقراء:

لماذا يعطي الله كل هذه الأموال لمن لا يستحقون ويدعنا فقراء مدقعين؟! لماذا نعمل كثيرا ونكسب قليلا، وغيرنا يعمل قليلا ويكسب كثيرا؟! لابد من حيلة لأخذ حقنا من مال الأغنياء، هذا حقنا نهبوه فنسترده بالحيلة الخفية لأننا لسنا نقدر على مواجهتهم، ولن نأخذ إلا لتغطية الضروريات لنا ولأولادنا المساكين الذين يرون أولاد الأغنياء فيخفضون رؤوسهم ذلاً وصغاراً من ملابسهم الرثة، ولماذا يكون أولادنا أقل من أولادهم، «دا إحنا برْدُه لحم ودم»، خذ حقك وحق عيالك من الأغنياء، القساة المفسدين، «وبعد ما توقف نفسك وعيالك على رجليهم تب إلى الله، وربك مهما كان غفور رحيم، ودايما في صف الغلابة والمساكين، ولن يعذبنا مرتين».

هكذا يدخل الشيطان اللعين لكل إنسان منا بما يناسب طبائعه وطموحاته ومشاعره وملكاته، باحثا عن كل نقطة ضعف في طبائعنا أو ظروفنا، ويؤكد على فكرة: "هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى" -طه: 120- ، كي يدفعنا إلى الاستسلام لوساوسه والاندفاع نحو هواجسه، وينسينا ذكر ربنا، فإن ذكرناه سوَّف لنا التوبة، وأرجأ لنا العودة، ومنَّانا بسعة الرحمة حتى نأمن من مكر الله، فلا يدري الله في أي واد أهلكنا والعياذ بالله، فيفرح بذلك الشيطان باستجابتنا له بلا حسبان ليوم كتبه الرحمن على كل إنسان: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" -الزمر: 30-.