ولد الشيخ عبد العزيز ملا زاده رحمه الله في ولاية بلوشستان الإيرانية في شهر الجمادی الأولی 1334هـ في أسرة معروفة بالتدين والعلم والوجاهة بين سكان المنطقة حين كان والده الشيخ عبد الله الربازي في منصب القضاء وكان ذا نفوذ وكلمة مسموعة بين الأهالي. وقد تلقى الشيخ عبد العزيز التعليم في طفولته على يد والده ثم سافر الى مدينة كراتشي بباكستان والتحق بأحد المعاهد الدينية هناك حيث درس العلوم الشرعية الإسلامية إلى جانب العلوم الأخرى، ونظرا لشغفه بالعلم وحبه له فقد واصل دراسته العلمية في مدينة دلهي بالهند وأخذ العلم عن المشايخ الكبار من منسوبي دار العلوم بدينوبتد . كما عاصر الفقيد أثناء إقامته بالهند الحركات السياسية التحريرية وتابع ما تكتبه الصحافة والأعلام عن ذلك ومشاركة مشايخ ديوبند المسلمين فيها.
العودة إلی البلاد
وحالما عاد الشيخ إلى بلاده بلوشستان أدرك بوضوح ما يعانيه هذا الإقليم من العزلة و الجهل و المعاناة ,فشرع بقوة وحماسة لنشر النور والعلم بين الأهالي وقام بحملة كبيرة ناجحة في بناء المساجد انتهت بإقامة (150) مسجدا في مدينة" زاهدان" وأنحاء الإقليم ومنها انتشر نور القرآن ورسالة الإسلام والعلم . ثم عرض على الشيخ عبد العزيز أن يكون أستاذا في الكلية الحكومية بمدينة زاهدان فعمل في الكلية فترة واتصل بجيل الشباب ووجد الفرصة مواتية لغرس العقيدة الإسلامية الصافية في قلبه وتلقينه تعاليم الكتاب والسنة ... لكن الجو العام في الكلية كان يسير في غير اتجاه الشيخ فما لبث أن ترك العمل في الكلية .
ونجح الشيخ فى افتتاح معهد شرعى في المدينة ليحقق هدفه فى التعليم والتربية و الدعوة وكان يعرف باسم "المدرسة العزيزية " ولا تزال هذه المدرسة تؤدى دورها إلى اليوم في تخريج أهل العلم وبعض خريجيها استمر فى دراسة العلم الشرعى في باكستان وبعض البلاد الإسلامية العربية.
ولم تقتصر جهود الفقيد على التدريس فقد كان رحمه الله كثير التنقل فى القرى و مدن فى الإقليم للوعظ وإلقاء الدروس وعندما بدأ دروسه وخطبة فى أول الأمر كان عدد الحضور لا يزيد على اثنى عشر شخصا ولكن لم تمض فترة قصيرة حتى أصبح عددهم بالآلاف لما كان يتمتع به من موهبة فى الخطابة وبراعة فى الإلقاء .
ورفع الشيخ عبد العزيز ملا زادة لواء إحياء السنة الشريفة فى العبادات والمعاملات .... بعد أن ماتت السنة واختلط الحابل بالنابل ، فعلّم الناس الطريقة الصحيحة في أداء الصلاة والصيام ، كذلك عودهم على أداء الزكاة بعد أن نسيت وحث الأغنياء منهم على أداء فريضة الحج ، وكان هو بنفسه يذهب كل عام إلى الحج ويستغل مناسبة الحج في الاتصال بالحجاج من البلوش وغيرهم وتربيتهم التربية الروحية .
وقد وفق الله الشيخ رحمه الله إلى القضاء على الكثير من البدع و الخزعبلات التى تعمقت جذورها بين الناس إما لجهلهم الشديد بشؤون الدين أو بتأثرهم بالمذاهب المجاورة لهم... وبهذا الجهاد الكبير المصحوب بالعلم الغزير والحكمة البالغة تحولت بلوشستان إلى إقليم يخلو إلى حد كبير من العادات والتقاليد المنافية للشريعة والتي نراها في كثير من البلاد الإسلامية.
مواقف للشيخ فى عهد الشاه
للشيخ عبد العزيز مواقف من الحكومة المركزية في طهران تدل على صلابته في الحق والتزامه الدقيق بالآداب الإسلامية وأحكام الشريعة ولو على حساب غضب الحكام المسؤليين . ويروى عنه أن قبائل فى منطقة شيراز الإيرانية قامت بتمرد كبير على الحكومة أيام الشاه ..واقترح شخص اسمه "خزيمة" وهو من المقربين من الشاه تجنيد أعداد كبيرة من شباب ورجال بلوشستان للاستعانة بهم في قمع التمرد فوافق الشاه على الفكرة ، و تم تعيين خزيمة حاكما لإقليم بلوشستان... وطفق هذا الرجل في جمع المقاتلين من البلوش وتوزيع الأموال استعدادا للتوجه إلى المتمردين ...وكان ذلك قبيل عيد الأضحى. وعلم الشيخ بأمر هذه الفتنة الدامية وغرور خزيمة الذى يريد التقرب من الشاه بدماء أبناء بلوشستان وقال:
" لسنا بقوم يستغلنا عبد من عبيد الشاه .. ولسنا متاعاً موروثا ويأتي شخص ويأخذ رجالنا ويذبحهم كالأغنام".
وحينما كان الشيخ استاذا فى الكلية الحكومية فى زهدان ، جاءت وزيرة التعليم والتربية – آنذاك – بروين اعتصامي لزيارة الكلية ، فتقدم جميع الأساتذة في الكلية نحو الوزيرة يصافحونها غير أن الشيخ امتنع من وضع يده فى يدها فاحمر وجهها غيظا إلا أن الشيخ قال لها: لا يجوز في شرع الله أن يصافح الرجل المرأة وأنا على استعداد لأن أترك العمل في الكلية ولكننى لست على استعداد أن أعصى الله ورسوله فلم يسع الوزيرة إلا أن سكتت على مضض .
مواقف الشیخ إبان الثورة الإیرانیة
ولم تكن مواقف الشيخ عبد العزيز الجريئة فى عهد الشاه فحسب بل وفى عهد الثورة الإيرانية كانت له مواقف هامة فقد عارض الشيخ المادة الدستورية الثانية عشر والتي تنص على كون المذهب "الاثنا عشرى" في إيران مذهبا رسميا في كافة شؤون ومجالات الحياة إلا فى الأحوال الشخصية التى يلتزم بها كل طائفة على مذهبها وفقهها وأوصی بأن يكون الإسلام لا المذهب هو الدين الرسمي للدولة .
وقد اختارت بعض الجماعات الانفصالية في كردستان وعلى رأسهم الزعيم الشيخ عز الدين حسيني الكفاح المسلح من أجل الحصول على حقوق اهل السنة، وقد تسبب هذه السياسة في تفجير الأوضاع وقتل الآلاف من الأبرياء في المناطق الكردية.
وفي منطقة بلوشستان شكلت الاجتماعات بين زعماء العشائر لبحث ونقاش كيفية متابعة حقوق أهل السنة من الحكومة ولوجود الأحزاب اليسارية والشيوعية بينهم تضاربت آراءهم.
ولكن كان الشيخ عبد العزيز في جميع الاجتماعات يؤكد على نهج سلمي قائلا:
"إنني لا أخاف من الموت كما لا أعلّمكم الجبن. وإنني ابن مولوي عبدالله الذي وقف بجانب "دوست محمد خان" أيام هجوم الجيش الحكومي المحتل على منطقة بلوشستان. إنني أدافع وأقف معكم بأي حال من الأحوال التي تعود لصالح الشعب البلوشي. ولكن الاشتباك والحرب مع الحكومة في الأوضاع الراهنة تسبب الفوضى الدمار وقتل الأبرياء ربما يجد بعض الشيوخ المؤن لمدة قصيرة ولكن بعد أيام قليلة لا يمكن الحصول على الغذاء والذخيرة الكافية. وممكن يجدوا ملجأ آمنا ولكن لمواصلة النضال وانضمام الجمهور إليهم لن يتمكنوا من التخزين الكافي للمواد الغذائية".
وأخيرا أعلن الشيخ عبد العزيز رحمه الله موقفه بعد أن استشار واستعرض جميع وجهات النظر المتعلقة بشؤون المنطقة في خطبة عيد الفطر في مسجد "عيدكاه" بمدينة زاهدان وقال فيه: "
علينا أن نطالب بحقوقنا القومية والمذهبية من الحكومة إذا اقتضى الامر، ونقوم بالاحتجاجات السلمية ونرفع الرسائل إلى الجهات العلياء نطلب فيها حقوقنا وهذا في رأيي ليس فيه عيب ولكن عبر القنوات الصحيحة إن كانت لصالح شعبنا.. مع أن بعض الشباب المتحمسين يقولون لي أنت تصدر فتوى الجهاد ونحن نقوم بالقتل والنهب ونقتل أنفسنا مهما كانت النتائج، ولكن هذه الطريقة غير صحيحة، إن تقبلون رأيي ورأي العلماء فإن هذه الطريقة غير صحيحة، انتظروا حتى يصل السكين إلى العظم وكما يقولون"السيف آخر الحيل" إذا لم نجد طريقا للعلاج فيمكننا أن نرفع السيوف وهذا أمر يجوز لنا، فإن قتلنا فنحن شهداء وإن كان لنا البقاء فنحن اعزاء وتكون وجوهنا بيضاء وإنني أتمنى أن يكون موتكم في سبيل الإسلام..."
وفقا لرؤية الشيخ عبدالعزيز، فإنه استطاع عبر متابعة المطالب الحقوق المشروعة المدنية السلمية بقوة وبلين أن يحمي مصالح الشعب ويقوم بالأنشطة القيمة في الإقليم.
تعرض الشيخ عبد العزيز لحالة قلبية حادة تم نقله إلى المستشفى وأوصى الأطباء أن يسافر للعلاج إلى الخارج وقد سافر مرتين إلى امريكا وبريطانيا للعلاج قد توفاه الله في إحدى ليالي ذي الحجة عام 1407هـ.
الآراء