الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد

فقد التقيت ورأيت بعضا من أحبابنا وإخواننا وأخواتنا وقد أصابهم الحزن، وبدت على وجوههم الهموم والغموم ، وربما أحيانا بعض مشاعر الإحباط ، فسالتهم :  يا أحبتي ،ويا إخواني وأخواتي ويا نفسي ،  لماذا هذا الحزن الذي يخيم على الوجوه ، ويملأ النفوس،  وربما يحدث اضطرابا في العقول والأفكار ؟!!  فتاتي  الإجابة مريرة ، نحزن لحرب على الإسلام في بلاده معلنة ؟ نحزن على إضاعة الشريعة ، ومحاولة إفساد العقيدة ، وتشويه العبادات ، ومحاربة القيم والأخلاق ، وتعويق الدعوة ،.. الخ كل هذا

فقلت نعم إن بعضا من هذا يكفي لأحزان أليمة ، ولكن فلنتوقف قليلا لنسأل:  إّذا كنت حزينا وخائفا على الإسلام فرب الإسلام ضمن له الحماية والعلو ، الم تقرا قول الله تعالى :

: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ( 32 ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .

ألم تقرا قول الله تعالى : إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا.

ألم تقرا حديث النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله يغرس لهذا الدين بكلتا يديه في الأرض.

فالله سبحانه هو من تولى حفظ الدين وحمايته ، فمتى قمت بواجبك وأخلصت قصدك فلا عليك بعدها ، أم تظن أنك أغير على دين الله من الله تعالى ؟!

فمتى تحقق إيمانك وبذلت جهدك فاسمع إلى ربك سبحانه إذ يقول : ولاتهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

واحذر أن يلقى  الشيطان في نفسك أن هؤلاء الظلمة يعجزون الله تعالى !!  وهنا لابد أن ترفع صوتك بالاستغفار ولتقرأ قول الله تعالى : فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِين.

وقوله تعالى  : وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ

وهنا لابد أن نتذكر أن الأمر هين سهل فسنة الله تعالى في التعامل مع المجرمين تتمثل في قوله تعالى : ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض .

فالاختبار هنا للجميع لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ.

ثم أعيد السؤال :  لماذا الحزن ؟

فتكون الإجابة :  نحزن على الدماء البريئة التي أسيلت غدرا وخسة .

فأقول : نعم إنا على فراقهم والله لمحزونون ، ولكن ألم تعلم أخي  أن هذه النفوس الشريفة التي أزهقت كانت حتما ستموت في نفس الموعد دون إبطاء ،( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ  ( فما تركوا يوما خلفهم ، وما استبقوا ساعة من عمرهم ، ولكن الله اختصهم وشرفهم وأكرمهم بالشهادة ، وما أعظمها من مكانة ، وما أكرمها من نهاية ، بل ما أعظمها من بداية  ، بداية لحياة عند ربهم يرزقون فرحين ، بعد أن غفر لهم كل ذنب مع أول دفقة من دماءهم،  وأكرم أرواحهم بالسياحة في الجنة في حواصل طير خضر، ويعود خيرهم على أهليهم بأفضل من أي نعمة  كان من الممكن ان يجلبها أحد لاهله، حيث أكرمهم الله بمنحة الشفاعة لسبعين من أهلهم الخ  ما أعد الله لعبادة الشهداء ، وهنا يجب علينا أن نفرح لفرحهم ، ونسعد لاصطفاءهم، ولنهنىء أهلهم وذويهم وأمتهم ، لأن الأمة التي لاتقدم أبناءها في ساحات العزة كراما، ستفقدهم حتما في ساحة المذلة لئاما.

ثم أعود للسؤال :  لماذا الحزن ؟

لتأت الإجابة مسرعة : نحزن لعلو الظالمين ، وتجبر المجرمين ، وتطاول السفلة والسفاحين ، وكذب وفجور الإعلاميين ، وافتراء وخسة بعض المنتسبين للعلم والدين ، وسير العامة في ركاب المضلين الخ ..

فأقول : كفى وإن واحدة من هذه المصائب والابتلاءات لجديرة بأن تملأ النفوس حزنا ،وغما، وهما.  ولكن فلنتفكر قليلا :

كم من الظالمة كانوا قبلهم على مدار العصور والأزمنة  ،فأخذهم الجبار سبحانه  ،فأين هم الآن ؟

كم من الكاذبين كانوا في الإعلام على مدار العصور والازمنة  ، فأين هم الآن ؟

كم من السفاحين طغوا في البلاد ، وأكثروا فيها الفساد،  فصب الله عليهم ربك سوط عذاب ، فأين هم الآن ؟  أن ربك لبالمرصاد .

ألم تعلم أن هذا الكون ليس فيه الناس فحسب، ولكن هناك رب الناس، يسمع ويرى  يحصي ويكتب ، يدبر ويقدر،  ثم يعاقب ويأخذ وينتقم .

ولكن  أخذه اليم شديد ، ولكنه شديد العقاب ،أعلنها واضحة: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ  ، فلاتحزن علهم إنما نعد لهم عدا .

واسمع إلى حبيبك صلى الله عليه وسلم إذ يطمئنك على مصير كل هؤلاء فيقول صلى الله عليه وسلم: إن الله يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

ويقول أيضا: ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة  وأتباع الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة ، أو برى لهم قلما ، فيجمعون في تابوت واحد فيرمى به في جهنم .

فلو نظرت في عاقبة هؤلاءجميعا لعلمت أنهم مساكين ( ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون )

فمهما صنع المجرمون ، وتآمر المنقلبون، وتحالف المفسدون ، وطغي الظلمة والخائنون،  فيكفي أن تقف عند قوله تعالى : قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ

وهنا لابد ان تهدأ نفوسنا بربنا ، وتطمئن قلوبنا بوعده ، وتستبشر بنصره ونناجيه سبحانه : أيقلقني أمري وهو في يدك ؟  فمتي أاطمئن إذا !!

سبحانك : أقدارك لاتخطىء بل نحن من لايرضى، فارزقنا يارب الرضى وثبت يارب أقدامنا، وأغث يارب قلوبنا باليقين ، وبلادنا بالفتح المبين، ونفوسنا بالصبر على مدافعة الباغين الظالمين .وما ينبغي أن تمر علينا تلك المحن دون أن نقرأ تلك الآيات ففيها الشفاء فسارع الآن إلى مصحفك ، واقرا من سورة (العمران) قول الله تعالى : ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ..ألى قوله تعالى : والله يحب المحسنين . فاقرأها الآن بتدبر، وانظر أين أنت منها . وغدا نلتقي في ساحة الفرح بنصر الله .قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحواهو خير مما يجمعون.