يقال إنه صديق العرب ويكره إسرائيل ..وماذا بعد؟ تعيش بريطانيا حاليا ظاهرة سياسية مهيمنة ومتوقع لها أن تحدث تغيرات حاسمة اسمها: “جيرمي كوربن” ،الرئيس الجديد لحزب العمال ،ثاني أكبر الأحزاب في بريطانيا .هذا الرجلِ – وهو في الـ 66 من العمر – يساري شرس من الطراز القديم ،بسيط ومتواضع ،لا يتعاطى الكحول وصاحب ملابس كلاسيكية ولحية ،لا يحب الأغنياء كثيرا ،يركب دراجة نارية ويهتم بنفسه بزرع الورود في حديقة بيته ،لكن الأهم في هذا الرجل هو مواقفه الدولية لدرجة أن انتخابات حزب العمال – وهي شأن داخلي بريطاني – تحولت إلى حدث عالمي حين سُلطت عليها أضواء وسائل الإعلام الاوروبية والأمريكية وحتى العربية.

ولم يتعلق الأمر بحدث فوزه برئاسة الحزب فحسب ،بل سبقته حملات إعلامية إسرائيلية على وجه الخصوص منذ أن أعلن كوربن ترشحه لهذا المنصب ،بحكم أنه صديق للعرب ومناصر وفي للقضية الفلسطينية. فما هي مواقف الرجل في الشأن البريطاني الداخلي ،وما هي مواقفه وآراءه التي تثير دوائر القرار وأروقة الإعلام الدولي خارج المملكة؟

على المستوى الداخلي

• يسعى لإلغاء سياسات التقشف وزيادة الضرائب على الأغنياء.

• تعهد للنضال من أجل بريطانيا أكثر تسامحا وأكثر تقبلا للتنوع الثقافي وبمعالجة الفوارق الاجتماعية الفاضحة.

• يدافع على فكرة الرفع من حجم الإنفاق على الخدمات العامة كالمدارس والمستشفيات.

• يسعى لإعادة تأميم الشركات الكبرى مثل شركات الطاقة وسكك الحديد.

على المستوى الدولي

• كان من بين أشرس الرافضين لمشاركة بريطانيا في التدخل العسكري في العراق سنة 2003 وكرئيس لحزب العمال أعلن أنه حان الوقت ليقدم الحزب اعتذاراته للشعبين البريطاني والعراقي لجرِه إلى هذه الحرب.

• دعا إلى إشراك التنظيمات الإسلامية كحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط.

• عارض الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وصوت سابقا في البرلمان البريطاني لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

• تضامن مع اللاجئين ودعا الحكومة المحافظة الحالية إلى إبداء مزيد من التعاطف مع أزمة اللاجئين السوريين.

• أول قرار اتخذه بعد إعلان فوزه المشاركة في مظاهرة لدعم اللاجئين.

• انتقد الضربات الجوية البريطانية بطائرة بدون طيار ضد “داعش” في سوريا.

• عضو في حملة التضامن مع فلسطين وعدة منظمات أخرى تدعو للتسامح العالمي ونزع السلاح النووي.

• وقع عريضة لحث رئيس الوزراء على حظر التعامل العسكري مع إسرائيل احتجاجًا على اعتدائها على غزة.

• يرى أن الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي يمارس عمله بطريقة معادية لحقوق الشعب المصري ويعترض على وضع الرئيس السابق المنتخب محمد مرسي في السجن.

إذا نجح كوربن في الفوز برئاسة الوزراء بعد سنتين من المتوقع أن يحدث هزات قوية في سياسة بريطانيا الخارجية خاصة علاقتها بالعالم العربي والإسلامي. كثيرون يعتقدون أن سياسة كوربن ومواقفه في الداخل والخارج مخيفة ومربكة وهي تشكل الاستثناء في الوقت الحالي ،فماذا لو أنه تمكن من الفوز برئاسة الوزراء بعد حوالي سنتين؟

حينها سيكون بمقدوره أن يحدث هزات قوية في سياسة بريطانيا الخارجية خاصة علاقتها بالعالم العربي والإسلامي من جهة وعلاقتها بإسرائيل والولايات المتحدة من جهة ثانية ،ومن ثم الانقلاب على السياسة التي أرساها كل من توني بلير وديفيد كاميرون في السنوات الأخيرة. كثيرون أيضا يرون أن كوربن ليس صديقا للعرب والمسلمين فقط ،وإنما لجميع القضايا العادلة في العالم ،وهذا الأمر يجعله مقلقا ومزعجا للعديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية ،إذ أن شعبيته ستعبر حدود المملكة المتحدة ،ويتحول من مجرد رئيس حزب في بريطانيا إلى سياسي دولي وقدوة لمن يؤمن بمواقفه التي لا يزال يتمسك بها لحد الآن- على الأقل -.

كاريزما في الطريق

الرجل يبدو أنه بدأ فعلا يكسب نوعا من “الكاريزما” بعد أن أقنع 400 الف عضو اضافي بالانضمام الى حزب العمال منذ دخوله حلبة المنافسة على الزعامة ،اي ثلاثة اضعاف اعداد اعضاء الحزب اثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة ،حتى ان كمبيوتر الحزب تعرض الى العطل من كثرة عدد المنضمين الى عضويته في اليوم الاخير للتسجيل. وقد أرغمت مواقف كوربن السياسيين الأوروبيين على التساؤل بحذر عن ظاهرة اليسار الجديد التي بدأت تجتاح أوروبا كرد فعل على نمو اليمين العنصري المعادي للأجانب والمهاجرين.

وفعلا أصبحت صورة هذا الرجل النحيل المتقشف في مظهره وحياته ، تقض مضاجع قادة أوروبا وهم يرونه نصيرا للفقراء والمحرومين في بريطاينا والعالم، يحشد الملايين من البريطانيين وغير البريطانيين خلفه، ويتقدم بقوة الى سدة الزعامة والامساك بزمام السلطة، لأنه يتبنى مواقف سياسية قائمة على قيم العدالة والأخلاق والإنسانية.

في منطقتنا العربية لا يسرنا كثيرا أن يربح المحافظون ،كما لا يزعجنا أن يخسر العمال ،لأن لدينا اعتراضات على هؤلاء وأولاءك ،ما يعنينا هو مواقفهم من قضايانا وكيف نستفيد منها. أما في منطقتنا العربية فلا يسرنا كثيرا أن يربح المحافظون ،كما لا يزعجنا أن يخسر العمال ،لأن لدينا اعتراضات على السياسة الخارجية للفريق الأول ،لأنها لا تخدمنا تماما ،ولا يهمنا الفريق الثاني إذا كان يرغب في أن يزيد الضرائب على الأغنياء من البريطانيين لأنه شأن داخلي.

ما يعنينا هو مواقفه من قضايانا وكيف نستفيد منها. فهل استفدنا حقيقة من مواقف هؤلاء؟ الجواب: قطعا لا.

“أنا بكره إسرائيل”

لقد كنا أكبر الخاسرين مع إد ميليباند الذي انتصر لأهل غزة وقال إن اجتياحها لم يكسب أي أصدقاء لإسرائيل أو نك كليغ الذي كان حزبه الليبرالي الديموقراطي يعارض بيع السلاح لإسرائيل ،ولا جورج غالاواي الذي انتهى به المطاف بوضع يديه في يدي الذين أعدموا أعز أصدقاءه صدام حسين. وليس كوربن وحده من يتمتع بتلك المواقف المحرجة لحكومته والناصرة لقضايانا ،لعل الكثيرون لا يعرفون أن أكثر أعضاء مجلس العموم البريطاني انتصارا للشأن الفلسطيني ونقدا لسياسة إسرائيل هو النائب العمالي اليهودي جيرالد كوفمان الذي تحول من صهيوني متشدد إلى مناصر قوي لفلسطين بعدما اكتشف حقيقة الدولة العبرية.

ولعل الكثير لا يعرفون أيضا أن أعضاء العائلة المالكة في بريطانيا لا يزالون يمتنعون عن زيارة إسرائيل! ومع ذلك يجب أن نقول أن بريطانيا كوربن وغالواي وكوفمان هي نفسها بريطانيا لورنس العرب وآرثر وبلفور. وحتى نعرف القصة علينا ان نقرأ التاريخ ،ونستشرف المستقبل لنعرف كره كوربن لإسرائيل ما إذا كان يختلف عن كره شعبان عبد الرحيم لها أم لا.