كانت الصورة واضحة أمامي وأنا أكتب مقالة أمس "مخاطر الوعي الانقلابي" قبل ساعات قليلة من صدور القرارات المهمة والحاسمة للدكتور محمد مرسي لحسم "اللكاعة" التي تحدث من بعض "فلول" النظام السابق المتنفذين في بعض أجهزة الدولة ومؤسساتها، كنتُ مدركًا أن الرئيس مرسي يواجه مخاطر انقلاب حقيقي، وبالتالي جاءت الخطوة الجديدة لاستباق هذا "التهور" الذي يراود خيالات "البعض" عندما طالت حبال الصبر للرئيس الجديد على الاستخفاف بالمؤسسة الشرعية الوحيدة المنتخبة انتخابًا حرًّا بإرادة الشعب المصري.
بطبيعة الحال أصاب الهوس أصحاب المشروع الانقلابي؛ لأن القرارات قطعت الطريق على المؤامرة، ولن يفلحوا في تعطيل المسار الجديد، ليس فقط لهشاشة موقفهم شعبيًّا، وإنما أيضًا لأنهم لا يملكون قوة الحافز الأخلاقي للقبول الشعبي بالتحرك، لا يملكون "القضية" التي يتفاعل معها الشارع بقوة وجسارة، إنهم يخوضون معاركهم "هم" وليس معارك الوطن، معارك المحاصصة والنفوذ واقتسام الكعكعة حسب ما يتصورون، وهو الأمر الذي أساء إلى الثورة جدًّا، وأهدر الكثير من طاقاتها وهي طاقات عزيزة كان ينبغي ادخارها لأوقات الحسم ومعارك المصير، سواء أمام مرسي أو أي حاكم آخر يفكر في تجاوز أهداف الثورة وأشواقها.
إننا نبحث عن دستور جديد يحترم الحريات العامة والتعددية وتوازن السلطات وتقليص سلطات رئيس الجمهورية وتعزيز قوة المجالس النيابية المنتخبة والأحزاب السياسية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وغير ذلك من أشواق لدستور حضاري يليق بمصر الثورة، نسينا ذلك كله وانشغلنا بالمهاوشات في كم "ذقن" في الجمعية التأسيسية وكم "قبعة" وكم حصتك وكم حصتي، ثم بدأت الممحاكات الفارغة في تفريعات لا يليق بمن اعترض عليها أن يتكلم فيها ابتداءً، كتدخُّل الكنيسة في تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية مثلاً، ثم بدأ التحرش بالرئيس ومنصبه والعمل على الانقلاب عليه من خلال "نص" يلغي انتخابات الرئاسة وإرادة ملايين الشعب ويعيدها من جديد..
ثم التفاف المحسوبين على قوى الثورة حول النائب العام الفاسد، والذي كانوا هم أول من طالبوا بإقالته، فلما اصطدم بمرسي باعوا مبادئ الثورة وأحد أهم أهدافها ونداءاتها وشعاراتها التي ملأت ميدان التحرير وطالبوا ببقاء النائب العام، ثم بدأ التحرش بالدولة الجديدة بتحريك "الصبية" في بعض الميادين للحرق والمعارك الفارغة بدعوى ذكرى بعض وقائع الثورة، رغم أن مرسي لم يكن طرفًا فيها وقتها، ثم بدأ التحرش عن طريق تحريض بعض المؤسسات القضائية التي تشكلت من شخصيات محسوبة على نظام مبارك من أجل البحث عن "مخرج" يطيح بمرسي أو يعيد المجلس العسكري! وكل تلك جرائم سياسية وأخلاقية لو تأملها أصحابها.
فكان من المحتم على أي شخص مكان الرئيس محمد مرسي أن يتخذ هذه القرارات؛ لحماية الدولة ومؤسساتها وحماية مسارات خطيرة ومهمة يجري الانتهاء منها الآن، خاصة الدستور والبرلمان.
قرارات مرسي لا تمثل أي خطورة على المسار الديمقراطي؛ لأنها كلها قرارات مؤقتة ومرحليّة ويمكن أن تنتهي وتدفن في التراب بعد شهر واحد فقط إذا تم إنجاز الدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه، ولن يملك مرسي بعدها لا إعلان مكمل ولا إعلان مؤقت ولا أي قدرة على التدخل في الدستور؛ لأنه قرار الشعب وقتها -مصدر السلطات جميعًا- وليس قرار المجلس العسكري بحيث يمكن تعديله أو الإضافة إليه أو الحذف منه..
وفي أعقاب الدستور سيتم الدعوة إلى الانتخابات النيابية لمجلس الشعب والشورى أو "الشيوخ"، وعقبها تتشكل حكومة وطنية ائتلافية تدير شئون البلاد، ولا يملك مرسي عزلها، كما لا يملك حل البرلمان؛ لأن الدستور الجديد يجعله عرضة للإقالة إذا رفض الشعب حل البرلمان في استفتاء، حيث يلزم الدستور الجديد الرئيس وقتها بتقديم استقالته.
دعونا نحتشد لمعارك مصر، معارك الثورة، معارك المصير، دعونا ندخر طاقات الغضب في الرقابة الصارمة على مسار الأمتار الأخيرة من إكمال مؤسسات الدولة، دعونا نتضامن في القضايا الكبرى، وليس في حارات محمد محمود والشيخ ريحان؛ فمصر أكبر كثيرًا من دخان هذه الحارات المفتعل والمهووس، وأقسم بالله غير حانثٍ لو أن تلك القضايا الكبرى مُسَّتْ من قبل الرئيس مرسي أو غيره لكنتُ أول من ينزل الميدان ولا أتركه إلا منتصرًا أو شهيدًا، ولكني واثق من مصداقية الرجل، كما أن كل المعالم الواقعية والمحسوسة والموزونة بالعقل أمامنا تقول أننا نمضي إلى اكتمال نصر الثورة.
الآراء