أشرف دوابه في تصريحات لرئيس المجلس القومي لتركستان الشرقية "سيد تورك"، ذكر أن الصين تمارس عمليات إبادة لا مثيل لها ضد 35 مليونا من أتراك الإيغور يعيشون في إقليم تركستان الشرقية، وأن الاضطهاد وصل ذروته منذ ثلاث سنوات، حيث يتعرض أكثر من مليون شخص من الإيغور للتعذيب في المعسكرات والسجون الصينية، بحسب بيانات أصدرتها الأمم المتحدة والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا. وأشار تورك إلى أن السلطات الصينية تعين موظفين صينين في منازل النساء الإيغوريات العفيفات، مؤكداً أن الإيغور يتعرضون لإبادة وسياسات صهر قومي لا مثيل لها في العالم. ومن جهة أخرى، نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريرا عن الأوضاع البشعة غير الإنسانية التي يعانيها السجناء المسلمون في مراكز الاعتقال الصينية بإقليم شينجيانغ، مستشهدةً في ذلك الصدد بتصريحات لإحدى المعلمات المسلمات والتي كانت معتقلة بأحد تلك المراكز، حيث ذكرت أن السجناء في معسكرات الاعتقال يتعرضون لاغتصاب جماعي وتجارب طبية ويتم إجبارهم على تناول لحم الخنزير. ولا تختلف تلك التصريحات عما سمعته بنفسي من طلابي وطالباتي (بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم التركية) الذين فروا من تركستان الشرقية نتيجة للإجرام الوحشي الصيني، من تغيير ممنهج للتركيبة السكانية، وقتل وسجن وتعذيب للكبار والصغار.. للرجال والنساء. وحتى الأطفال يتم نزعهم من أيدي أمهاتهم لتربيتهم على الطقوس الشيوعية، وإخراجهم من دين الإسلام وقتل هويتهم التي تربوا عليها في أرضهم التي سيطرت عليها الصين بالقوة الجبرية في العام 1949م، وأطلقت عليه اسم "شينجيانغ"، أي "الحدود الجديدة"، وحكمتها بالحديد والنار. ورغم هذه الانتهاكات للعقيدة والجسد والروح والأرض، خرج علينا من بلاد الإسلام (لا سيما من المحور العربي الصهيوني وإعلامهم المفسد) من يقزّم تلك القضية، بل ويتهم المسلمين الإيغور بأنهم إرهابيين ويقف بجانب الصين، بل هناك من نظر لتلك القضية على أنها قضية صينية داخلية، وهناك من جعل من تلك القضية لعبة أمريكية في خضم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لصرف أوجه المسلمين عنها. إن هذا السلوك لا يعكس خللا في التفكير فقط، بل خللا في العقيدة والرؤية والتصور أيضا. فرغم تداول ما يحدث في تركستان بالصوت والصورة يخرج هؤلاء الناعقين ليزيّفوا الحقيقة ولينصروا الظالم ويجلدوا المظلوم، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" (رواه البخاري).. وهل هناك ظلم وتسليم للمسلمين كما نراه من سكوت فاضح، بل وتبرير واضح للإجرام الوحشي الصيني بحق إخواننا وأخواتنا في تركستان الشرقية. إن المسلمين أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، وتجمعهم وحدة العقيدة والشريعة والقبلة ووحدة الآلام والآمال.. "وإن هذه أمتكم أمة واحدة" (الأنبياء:92)، "إنما المؤمنون إخوة" (الحجرات:10)، ومن ثم فإن نصرة إخوانهم في تركستان الشرقية فريضة شرعية وضرورة بشرية، وإذا كان عجزنا الآن عن نصرتهم مكانيا يرجع لاعتبارات ليست بأيدينا كشعوب إسلامية، فإنه لا أقل من استخدام سلاح المقاطعة للبضائع والخدمات الصينية، فهذا يمثل أضعف الإيمان، وما لا يدرك كله لا يترك جله. والمقاطعة الاقتصادية ليست بدعا، فلها من الشواهد التاريخية ما يؤكد دورها في التأثير، فقد طبقها ثمامة بن آثال بعد إسلامه على مشركي مكة ومنع أن يصل لهم أي حب من حبوب موطنه اليمامة، وفي القرن الماضي قاطع الزعيم الهندي غاندي العادات والمنتجات البريطانية، وحمل الهنود على ذلك حتى أعلنت بريطانيا سحب آخر جندي إنجليزي من الهند عام 1947م. كما قاطعت مصر المنتجات البريطانية بعد أحداث ثورة 1919م، وعقب معاهدة 1936م، حتى تم إلغاؤها عام 1951م. وفي حرب أكتوبر 1973م حققت المقاطعة الاقتصادية العربية من خلال سلاح البترول نصرا فريدا. بل إن الولايات المتحدة الأمريكية طبقت سلاح المقاطعة ما بين عامي 1993 و1996م ستين مرة ضد 35 بلدا، وما زالت تطبقه في عهد ترامب، وإن كانت تطبقه بشكل مقلوب ووحشي بحثا عن مصالحها وتحقيق الضرر لغيرها. بل إن الكيان الصهيوني طبق سلاح المقاطعة بالباطل على السلع البلجيكية في عام 2003م، وطلب من يهود العالم عدم شراء هذه السلع ردا على قرار المحكمة العليا البلجيكية بإمكانية محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون كمجرم حرب. وما زال الكيان الصهيوني يطبق المقاطعة بصورة ظالمة على قطاع غزة، كما أزعج الكيان الصهيوني قرار الاتحاد الأوروبي القاضي بتمييز منتجات المستوطنات الإسرائيلية في أسواقه لمقاطعتها، وما زال للآن يسعي لإلغاء هذا القرار. إنه لا قيمة لما يردده الواهنون والمتخاذلون والمنهزمون عن تحريف قضية الإيغور، فضلا عن بث الشائعات بأنه لا جدوى من المقاطعة، رغم قدرتها على النكاية بالصين والضغط عليها لتغيير سياستها تجاه الإيغور، وخاصة أن لغة المال هي المحركة للاقتصاد الصيني عالميا، وتوغل سلعها وخدماتها في دولنا العربية والإسلامية لا يخفي على أحد، لا سيما وأن الصين تعد ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بعد الاتحاد الأوروبي، حيث تبلغ الصادرات العربية للصين نسبة 9.5 في المئة من إجمالي الصادرات العربية، في حين تبلغ نسبة الواردات العربية من الصين 15.4 في المئة من إجمالي الواردات العربية، وفق بيانات التقرير الموحد لصندوق النقد العربي عن عام 2017م. إن مقاطعة السلع الصينية بات فريضة شرعية وضرورة بشرية على كل مسلم ومسلمة، لا سيما وأن لها بدائل تركية وماليزية وإندونيسية أكثر جودة منها. وإذا كان تصريح لاعب كرة القدم الألماني من أصل تركي، مسعود أوزيل، قد هز مضاجع الصينين، فليضع المسلمون نصب أعينهم إخوانهم الإيغور، فليست دماؤهم وأعراضهم مما يباع ببضائع صينية رخيصة أو غالية الثمن، فدماء المسلمين أغلى وأعز وأجل.. وليكن شعارنا ومنهجنا جميعا: قاطعوا السلع والخدمات الصينية ما استطعتم إلى ذلك سبيلا.
الآراء