أقبل المصريون على التصويت بشكل متزايد مع مرور ساعات النهار, في جولة الإعادة الحاسمة بالانتخابات الرئاسية, واصطف الناخبون في طوابير طويلة للاختيار بين مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي وأحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

ومع التوقعات بمزيد من الإقبال, قررت اللجنة العليا للانتخابات مد التصويت في اليوم الأول حتى التاسعة بدلا من الثامنة مساء.

ويستمر التصويت اليوم وغدا, في انتخابات تتزامن مع أجواء سياسية متوترة, وفي غياب الدستور والبرلمان, بعد حكم من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون العزل الذي كان يمنع شفيق من الاستمرار في السباق الرئاسي, وكذلك الحكم ببطلان مجلس الشعب.

وفرضت الأجهزة الأمنية طوقا حول مقار اللجان الانتخابية بالقرى وحظرت اصطفاف السيارات أمامها فيما انتشرت قوات الجيش والشرطة بكثافة أمام وحول مقار اللجان الانتخابية وشوهدت  طائرات تحلق على مسافات قريبة فوق مقار اللجان وحولها.

وقال مراسل الجزيرة إن حالة من الارتباك سادت عددا من لجان الاقتراع بسبب إصرار ناخبين على استخدام أقلامهم الخاصة للتصويت بها بعد تحذيرات أطلقتها لجنة الانتخابات الرئاسية عن وجود أقلام تزول كتابتها بعد دقائق من التصويت بها.

وكان مرسي وشفيق قد حصلا على أكبر عدد من أصوات الناخبين في الجولة الأولى للانتخابات التي أجريت يومي 23 و24 مايو/أيار الماضي وضمت 13 مرشحا حيث حصل مرسي على المركز الأول تلاه شفيق في المركز الثاني.
ويحق لأكثر من خمسين مليون ناخب مصري مسجل في 27 محافظة الإدلاء بأصواتهم, ومن المقرر فرز أصوات الناخبين داخل لجان الاقتراع الفرعية بمعرفة القضاة وأمناء اللجان في ختام اليوم الثاني وبعد غلق باب التصويت, وذلك بحضور ممثلي منظمات المجتمع المدني ومندوبي وساائل الإعلام ومندوبي المرشحين. وتتلقى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة الطعون على نتائج اللجان العامة يوم الثلاثاء المقبل ليتم إعلان النتيجة النهائية بعد الفصل في الطعون يوم الخميس, حيث يتم رسميا إخطار الفائز بمنصب الرئيس.
خيار صارخ
وتقول رويترز إن الهدوء سمة للاقتراع الذي يمثل أول فرصة للمصريين لانتخاب رئيسهم منذ عهد الفراعنة "حتى إن كان كثيرون منهم يشعرون بأن الاختيار صارخ بين مرسي كإسلامي محافظ وشفيق كعسكري سابق خدم في حكومة مبارك".
ويشعر مصريون كثيرون -صدمهم حكم صدر يوم الخميس من المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب- بأن العسكريين الذين يديرون قسما واسعا من اقتصاد البلاد والذين نحوا قائدهم الأعلى مبارك تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية العام الماضي لن يتركوا الحكم للمدنيين, كما تقول رويترز.
وفي غياب برلمان وكذلك في غياب دستور يحدد سلطات الرئيس لا يعرف المصريون ولا المستثمرون الأجانب ولا حلفاء مصر الغربيون نوع الدولة التي ستقوم في مصر بعد انتخاب الرئيس.
يأتي ذلك, وسط دعوات للمقاطعة أو إبطال الصوت, حيث يعلن أصحاب تلك الدعوات أنهم "لا يريدون انتخاب مرسي الذي كانت جماعته عدوا للنظام العسكري لمدة ستين عاما أو شفيق الذي كان قائدا للقوات الجوية مثل مبارك".
وقد رصد مراسلو الجزيرة الحالة حول لجان الاقتراع حيث أشار مراسل الجزيرة في المنيا إلى قرارات بإقالة مسؤولين على خلفية وقوع انتهاكات انتخابية. كما تحدثت مراسلة الجزيرة في الإسكندرية عن وجود كثيف للأمن ومشاركة من القوات البحرية لتأمين اللجان. أما في محافظة الجيزة, فقد تأخر فتح بعض اللجان لتأخر وصول القضاة المشرفين على العملية الانتخابية, حسبما ذكره المراسل.
وفي محافظة الشرقية التي ينتمي إليها المرشحان, فتحت اللجان في الوقت المحدد وشهدت إقبالا جيدا حسبما قال المراسل الذي أشار إلى أن الإقبال يتزايد شيئا فشيئا. وقال هناك حالة اكتظاظ لكنها ليست مماثلة للجولة الأولى.
في السويس -التي شهدت الشرارة الأولى لثورة 25 يناير- أشار مراسل الجزيرة إلى إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة, وقال إن نسبة الإقبال كانت مرتفعة في الجولة الأولى وبلغت 55%, وتحدث عن عدم وجود خروق للصمت الانتخابي.
وتجرى الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة شملت كل محافظات مصر, حيث يؤمن نحو أربعمائة ألف شرطي وجندي العملية الانتخابية التي رافقتها حالة من التوتر بالمناخ السياسي والهدوء المشوب بالحذر بعد أن خرجت عدة مسيرات في الشوارع احتجاجا على استمرار أحمد شفيق في السباق الرئاسي بعد الحكم القضائي بعدم دستورية قانون العزل السياسي, وإبطال مجلس الشعب.
وقبل ساعات من بدء التصويت, خرجت مظاهرة حاشدة في الإسكندرية تندد بالمجلس العسكري، وأعرب المشاركون فيها عن احتجاجهم على قرار المحكمة الدستورية حل مجلس الشعب، وردها قانون العزل السياسي، كما رفض المتظاهرون قرارا حكوميا يجيز لأفراد الجيش اعتقال المدنيين.
وفي هذه الأثناء، ناقش المجلس العسكري ضمن مشاورات مكثفة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور عبر إعلان دستوري مكمل يصدره المجلس. ويحدد الإعلان تشكيلة التأسيسية وآلية التصويت فيها. وقالت مصادر مطلعة لمراسل الجزيرة إن الإعلان المتوقع ربما لا يتعرض لصلاحيات الرئيس ويتركها للدستور الدائم.
تحذيرات مرسي وشفيق
وقبل ساعات من بدء التصويت في انتخابات الإعادة, صعّد محمد مرسي -مرشح جماعة الإخوان المسلمين- من لهجته محذرًا من تزوير الانتخابات لصالح منافسه أحمد شفيق. وقال مرسي "إن حدث شيء من التزوير فإن النتيجة ثورة عارمة على المجرمين وعلى من يحمي الإجرام حتى تتحقق أهداف ثورة 25 يناير كاملة".
وجاب مرسي أنحاء البلاد مروجا لمشروع "النهضة" الذي وضعه الإخوان في ثمانين صفحة ويقولون إنه مبني على فهمهم "الوسطي" للإسلام. ويرسم برنامج "النهضة" رؤية جماعة الإخوان بشأن كل شيء بدءا من محاربة التضخم ووصولا إلى العلاقات مع الولايات المتحدة التي يجب أن تبنى على أساس من الشراكة بين طرفين متكافئين.
أما الفريق أحمد شفيق، فكثف تحذيراته من "الخطر الإسلامي" في محاولة للفوز على مرسي في الجولة الثانية من الانتخابات. وتركزت حملة شفيق أيضا بشكل واسع على وعود باستعادة الأمن وتوفير مناخ اقتصادي ملائم للاستثمار.
ويشير شفيق أيضا إلى "خبرته الطويلة" ويؤكد أنه يقبل النقد، لكنه بدا أقرب لنفاد الصبر والتسلط في بعض المقابلات التلفزيونية. وفي خطابه الأخير تعهد شفيق "بالتصدي للفوضى وإعادة الاستقرار"، لكن في الوقت نفسه ارتدى عباءة الثورة قائلا إن مكاسبها ستوزع على كل المصريين.
ورشق محتجون شفيق بالحجارة والأحذية عندما ذهب للإدلاء بصوته في أحد المراكز الانتخابية بالقاهرة الشهر الماضي وهم يهتفون "الجبان أهوه.. المجرم أهوه"، كما رددوا هتاف "يسقط يسقط حكم العسكر".
ويقول منتقدو شفيق إن نفوذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يهيمن على السلطة هو الذي ضمن لشفيق حتى الآن الوصول إلى جولة الإعادة. وتعززت الشكوك بأن قوى نافذة تقف وراء شفيق عندما قضت المحكمة الدستورية العليا بإلغاء قانون كان من شأن تطبيقه فرض العزل السياسي عليه.
قلق أميركي
من جانبها، أعربت الخارجية الأميركية عن قلقها من الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الانتخابات التشريعية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند "نحن قلقون حيال قرار المحكمة الذي سيؤدي إلى حل هيئة منتخبة ديمقراطيا".
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تنظيم انتخابات "سلمية" في مصر. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نيسيركي إن بان "أخذ علما بالنقاش الحاد ومخاوف المصريين حيال القرار الذي اتخذته المحكمة الدستورية"، وأضاف أن "الأمين العام يأمل بقوة أن تجري الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في جو سلمي ومفتوح".
وخفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية تصنيفها لديون مصر السيادية درجة واحدة، بسبب تصاعد الأزمة السياسية في البلاد.