كنت قد بدأت الكتابة في سلسلة (التربية كثابت من ثوابت جماعة الأخوان المسلمين) وبدأت السلسلة (بمربي ما بعد 25 يناير – صفات صاحب الرسالة - التربية بالأهداف أهميتها وكيف نحققها؟ – التربية الذاتية أهميتها وكيف نحققها؟ – التربية الجماعية لماذا؟ وكيف؟ – المتابعة وأثرها على العمل التربوي – وأخيرا مقال: تم فيه الإجابة على الاستفسارات الخاصة بالمقالات السابقة) ولما جلست مع نفسي لمراجعة المقالات السابقة وخاصة بعد انتهاء انتخابات مجلس الشعب بمراحلها الثلاث أدركت أن مقال (في رحاب التربية الإسلامية كان يجب أن أبدأ به هذه السلسلة وأستبيح القراء الأعزاء عذرا وأنشره الآن على أن يكون هو الأول في السلسلة والتي ستتناول لاحقا مقالات حول (المعايشة وأثرها على العمل التربوي تم أثر المنهج التربوي في تحقيق أهداف التربية وأخيرا دور عملية التقويم في تصحيح مسار التربية).
أولا- مفهوم التربية الإسلامية:
التربية لغة: ربا بمعنى نما وازداد وربى بمعنى نشأ وترعرع ورب بمعنى أصل.
التربية في اصطلاحنا تعنى: التنمية أي التعامل مع النفس البشرية شيئا فشيئا حتى نصل بها إلى درجة الكمال.
وهي أيضا العملية التي من خلالها نتخلص من صفات معينة لدى الفرد لا تتفق مع منهج الإسلام على أن نكسبه صفات أخرى جديدة تتفق مع منهج الإسلام ثم نعمق ونؤصل ونحافظ على هذه الصفات الجديدة ونوظفها لصالح الإسلام.
التربية عمل يستغرق العمر كله منذ الإدراك حتى انتهاء الأجل، المؤمن مع نفسه كقائد السيارة يظل دائما يقظا طول الطريق وإلا فقد يهلك في ساعة إغفاء.
التربية ليست وضع البذور في ارض رجاء أن يجئ مطر أو لا يجئ ولا جهد وراء ذلك.
كلا إنها بذر وسقى وتعهد ومطاردة للحشرات والأوبئة ومعاهدة ومتابعة يقظة حتى أوان النضج.
(قل إن صلاتي ونكسى ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)
كما يرى البعض أن التربية هي الإبداع المنهجي لعادة التفكير
ثانيا- مصادر التربية الإسلامية:
القرآن الكريم
كلام الله المعجز والمنزل على رسوله المتعبد بتلاوته والمنقول عنه تواترا
كتاب سلوك وتطبيق تضمن طرقا عدة في التربية منها القصة والمثال والقدوة والتوجيه....الخ
السنة المطهرة
كل ما صدر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.
واهم وظائفها في التربية هي توضيح معاني القرآن الكريم وتقريبها للأفهام وإعطاء القدوة واستخدام الوسائل التوضيحية في بعض الأحيان ونحن نعتبر بحق أن السنة المطهرة كنز من كنوز التربية.
الكون
إدراك حقيقة الكون وما فيه جزء لا يتجزأ من التربية لأنها تدل على الوحدانية ووجود الله حتى انه ساد قديما اعتقادا خاطئا بان الطبيعة أم للإنسان وهى المربية الوحيدة له .كما أن الكون كله مسخر للإنسان ويسير وفق قوانين ونواميس ثابتة وواضحة وهذا كله له اعتباره في التربية الإسلامية.
لكن يكفى أن التربية الإسلامية تحرص على توجيه الفرد إلى شكر الله بما أودع في الكون جميع ما يخدمه وينفعه.
(إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك آلتي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)
النفس الإنسانية
التربية الإسلامية تعتبر الإنسان آية من آيات الله وهى تهتم بالخصائص المعروفة عنه والتي من أهمها: انه مفطور على الخير وانه خليفة لله وان الكون مسخر له وانه ميز بعقل يفكر.....الخ
ثالثا -خصائص التربية الإسلامية
للتربية الإسلامية خصائص تجعلها متميزة عن سائر النظريات التربوية الأخرى مهما كانت
ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:
1. أنها تربية إيمانية:
فهي تقوم على أساس ثابت هو الشهادتين كما أن غايتها الأساسية هي العبودية لله وحده وهى قائمة على الإيمان من حيث حماية الفطرة والوحدة في المعرفة والهدف.
2. أنها تربية مرنة ذات أصول ثابتة وفروع متطورة: فهي تتعامل مع خصائص الإنسان الثابتة مثل الفطرة التي فطر عليها و خلافته في الأرض وحرية الإرادة والتفكير والقدرة على التعلم واستخدام الرموز. وهذا يؤدى بدوره إلى ثبات في المبادئ التي توجه الإنسان نحو الخير والسعادة كما يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة تعينهم على الحكم على الأفراد والأشياء. وهذا بلا شك لا يعنى جمود العملية التربوية لان القرآن على سبيل المثال حدد الهدف وترك البشر طلقاء في السير نحو تحقيقه مثال (بر الوالدين) هدف من أهداف التربية لكن وسائل تحقيقه متروكة للإنسان, و(الحكم الرشيد) هدف ثابت من أهداف التربية ولكن آليات ووسائل تحقيقه متروكة لاجتهاد البشر. ورغم هذه الثوابت إلا أن هناك جوانب متطورة كثيرة وأسباب ذلك اختلاف الظروف والأماكن وهذا بدوره يؤدى إلى اختلاف محتوى التربية.
3. إنها تربية إنسانية عالمية:
وهذا يوجب علينا آن نقدم للبشرية جمعاء نموذجا تربويا كاملا لتقتدي به فكيف يكون (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليا بعض) وكيف ننادى بالأخوة الإيمانية ولا اثر للتربية في توحيد المجتمعات الإسلامية وإعطاء القدوة والمثال للمجتمعات الأخرى ..
4. إنها تربية شاملة متوازنة:
فالتربية تهتم بالشخصية الإسلامية من جميع جوانبها (العقل . الروح . الجسد . الدنيا الآخرة . العلم والمعرفة) . وتسعى في نهاية المطاف إلى إحداث هذا التوازن .وقديما قالوا (العلم بلا عمل جنون والعمل بغير علم لا يكون) وهذا إنما يدل على الشمول والتزاوج بين العلم والعمل.
5. إنها تربية مثالية واقعية:
فهي تتعامل مع الإنسان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى (الإنسان الواقعي لا الخيالي الذي يحب ويكره ويقوم وينام ويطمئن ويقلق ويقدم ويتأخر.....الخ وهي لا تعمل في فراغ بل تتفاعل مع كل ما غرسه الخالق عز وجل في الإنسان . ولا تنسى نقاط الضعف والقوة فيه مع إعفاءه من القضايا الخارجة عن نطاق عقله وتفكيره فهي تراعى الظروف التي تحيط به مثل السفر والمرض .....الخ).
رابعا- عناصر العملية التربوية
تتكون العملية التربوية من ستة عناصر رئيسة هي:
1. المربى (بضم الميم وكسر الباء) وهو الذي يتولى توجيه العملية التربوية والقيام عليها.
2. المربى (بضم الميم وفتح الباء) وهو الذي تدور حوله العملية التربوية.
3. الهدف الذي تسعى العملية التربوية إلى تحقيقه.
4. الوسيلة التي توصل إلى الهدف.
5. المحتوى وهو مجموعة المعارف والمعلومات التي تتضمن الهدف.
6. التقويم وهو الذي يظهر مدى تحقق الهدف.
ويمكننا أن ندمج العناصر الأربعة الأخيرة في عنصر واحد نسميه المنهج التربوي وبالتالي يمكننا القول بان عناصر العملية التربوية هي: المربى. والفرد . ومنهج التربية.
والتربية تريد أن تصل بالأفراد المستهدفين إلى أنماط شخصية متوازنة وسوية بعون الله توفيقه.
فالتربية نسعى إلى أن نحقق في:
- العنصر الأول (المربي) وظائفه الستة المعروفة وهى: (التخطيط والتوجيه التربوي ثم التنفيذ والمتابعة ويتزامن مع ما سبق التوريث والتقويم).
- أما العنصر الثاني (الفرد) فدرجة وتأثير الوظائف السابقة تتناسب مع مستواه والمردود التربوي عليه ونمط الشخصية المتمثلة فيه سواء كانت:
العاجزة
سلبي ضعيف النشاط جسميا وعقليا يكره الاستمرار على نهج واحد من العمل يشكو باستمرار من عدم القدرة على التكيف مع الآخرين قليل الطموح و لايتحمل مسئولية.
الانطوائية
البعد عن الاختلاط والميل للعزلة والهدوء - الحساسية تجاه النقد أو المحاسبة -آراء خيالية - يفكر في أشياء لا يمكن تحقيقها مع تضخيم الأمور التردد وعدم الوصول لقرار بسهولة.
الدورية
متفتح منبسط محب للخلطة سريع البديهة محب للمرح قراراته سريعة وبهمه - ينفذ التكليف بحماس - محب للكلام مع الآخرين مزاجه متغير نحو التشاؤم - زاهد فيمن حوله - ضعيف الرغبة في الدنيا والدعوة أحيانا
الخيلائية
شاك بكل ما حوله- يشعر أن الجميع لا يقدره بشكل جيد فهو مهضوم الحق فهو لو كان كذا لكان كذا وكذا وفى النهاية يتولد لديه شعور بان من حوله يضطهده ويريد أن يلحق الأذى به
القهرية
صلب غير مرن لا يتأقلم مع الظروف المحيطة - محب للنظام والمواعيد المنضبطة والدقة في العمل وينزعج من خلاف ذلك - مثالي ومهتم بالتفصيلات وبالتالي فهو كثير الصدام مع من حوله
الغير متزنة انفعاليا
يغضب لأتفه الأسباب ويبكى لأمور لا تستحق الاهتمام في الظروف العادية - له توافق وحماس - وفى الظروف الطارئة يحتد ويتعصب ويخاصم - لا يمكن التنبؤ بتصرفاته أو الركون إلى أحواله
المتقلبة عاطفيا
يتغير لأتفه الأسباب - سطحي الانفعال - يعجز عن إقامة علاقات ثابتة لمدة طويلة - ينفذ صبره سريعا - سريع التأثر بالأحداث اليومية والأخبار المثيرة.
السلبية العدوانية الاعتمادية
عاجز عن اتخاذ قرار - متردد يعتمد على الآخرين في كل شيئ - غير قادر على إدارة مجموعة أو لقاء - إذا كلف بشيء يسال عن اصغر التفصيلات ويأخذ موقفا سلبيا تجاه المشاكل وربما تميز بالثقافة والذكاء والإخلاص
السلبية الهجومية
ينقد كل عمل ويهاجم أي خطة وأحيانا يعبر عن ذلك بطرق خفية وملتوية ويسلك حيل معينة لتعويض فشله.
السلبية العدوانية
اشد صلابة من النوعيين السابقين - محب للسيطرة والمسئولية والسلطة إذا كان فردا عاديا شعر بالإحباط - محب للجدال ويطيل فيه حتى على أتفه الأمور - حريص على إثبات ذاته وتأكيد قدراته - كثير المطالبة بحقوقه ويتشوق لنقد أعمال الآخرين - كثير التبريرات - موقن انه أفضل الموجودين ومن النادر أن يسبقه في التميز أحدا
ويكمن دور التربية في التعامل مع الأنماط السابقة للوصول بها إلى الشخصية السوية.
خامسا: كيف نقيس المردود الناجح للعملية التربوية:
بناءا على ما تقدم فإن نجاح العملية التربوية يكون بقدر:
1- النمو والتغير الذي يطرأ على الفرد في جميع مراحل التربية المختلفة.
2- مدى تحقق الأهداف المرجوة
3- التغير الملحوظ في السلوك من النمط السلبي إلى الايجابي.
وبقدر تحقق ما سبق نستطيع القول بأن التربية قد حققت أهدافها؟
الآراء