صابر كل عنبري حلّ وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي ضيفا على العاصمة الإيرانية الأسبوع الماضي، للمرة الثالثة في غضون تسعة أشهر. مكث فيها ليومين، والتقى بنظيره الإيراني جواد ظريف وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني والرئيس حسن روحاني. ما يميّز هذه الزيارة عن سابقاتها، أنها جاءت على ضوء معطيات جسام على أكثر من صعيد، فعلى الرغم من اختلاف جغرافياتها لكن خيوطا متشابكة تجمع بين كلها، منها استفحال أزمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الداخلية واقتراب الصراع بينه وبين الكونغرس من الاستجواب، والتصعيد الأوروبي ضد إيران على خلفية تنفيذ الأخيرة المرحلة الرابعة من خفض تعهداتها النووية، والمفاوضات بين السعودية وجماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) عبر عمان، وتحسن ما في العلاقات الإماراتية الإيرانية، والاحتجاجات في إيران على خلفية رفع أسعار البنزين، الذي كان من تداعيات الضغوط الاقتصادية القصوى الأمريكية، والتطورات الكبيرة في الساحتين الإقليميتين المهمتين، أي لبنان والعراق، من جراء احتجاجات شعبية متواصلة من شهرين تقريبا، والتي بدأت مطلبية، لكنها أصبحت تتجه نحو تصفية الحسابات مع إيران، بغية تقزيم دورها ونفوذها في هذه الساحات لممارسة المزيد من الضغط عليها. خطة "السلام في هرمز" أما عناوين الزيارة، فعلى الرغم من أن الخارجية الإيرانية، استبقت وصول بن علوي بيوم، لتعلن كالمعتاد أنها تلامس بحث العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية، وهي ملفات حاضرة في كل زيارة عمانية أو غير عمانية، بالإضافة إلى ملف جديد، وهو خطة "السلام في هرمز"، التي كشف عنها روحاني خلال إيلول (سبتمبر) الماضي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنه من الواضح أن جدول أعمال الزيارة الثالثة للوزير العماني، كان مزدحما أكثر من سابقاته هذه المرة، حيث تضمن عناوين متعددة، لكنها مرتبطة ببعضها البعض ارتباطا وثيقا، على عكس زياراته السابقة خلال الشهور الماضية، التي غالبا ما حملت عنوان الوساطة بين طهران وواشنطن فقط، بحثا عن حلول لتخفيف حدة التوتر بين الطرفين، دون أن تنسحب على ملفات أخرى، منها التوتر بين إيران والسعودية. ويتضح من تصريحات الوزير بن علوي والمسؤوليين الإيرانيين اللذين التقى معهم، أن محاور المباحثات، أربعة، هي: التوتر بين إيران وأمريكا وأمن الملاحة البحرية في المياه الخليجية والأزمة اليمينية، والتحضير للحوار بين إيران والسعودية. هذه الملفات كلها متداخلة، ترتبط بالأزمة بين طهران وواشنطن من جهة، والأزمة بين طهران والرياض من جهة ثانية. والأزمتان اللتان لهما تمظهرات وامتدادات متشابكة في ساحات متعددة بالمنطقة في أكثر من ملف، لم يسبق على مدى العقود الأربعة الماضية، أن تتشابك خيوطهما وعناوينهما مع البعض، كما هو اليوم، لدرجة لا يمكن التفكيك بين الأزمتين في الملفات، فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، كما هي تمثل امتدادا للصراع بين السعودية وإيران، في الوقت نفسه، هي أيضا امتداد للصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. بالتالي، فإنه رغم قنوات تواصل أخرى بين إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية، منها السويسرية والقناة الباكستانية واليابانية والفرنسية، وكذلك قنوات اتصال بين إيران والسعودية، مثل القناة الباكستانية والقناة العراقية التي أغقلتها التطورات الراهنة في العراق، إلا أن القناة العمانية تبقى الأكثر أهمية لأسباب كثيرة، أولا لأن سلطنة عمان بحكم علاقاتها التاريخية مع كافة أطراف هذه الأزمات المتداخلة، تبقى هي الوسيط المفضّل لجميع هذه الأطراف ومحل ثقتهم، ثم أنه من بين الأطراف آنفة الذكر، عمان هي الأكثر إلماما وإطلاعا على حيثيات وتفاصيل كافة الملفات محل الخلاف. واليوم بعد أن وجدت كافة هذه الملفات طريقها إلى طاولة النقاش من خلال الوساطة العمانية، فالسؤال المحوري هو عن فرص نجاحها هذه المرة، في إيجاد ثغرة في كل هذه الأزمات والملفات، وخاصة أنها قد واجهت إخفاقات خلال الأشهر السابقة في اختراق المواقف الأمريكية والإيرانية لحلحلة التوتر بينهما. في الحقيقة، كما ذكر في مطلع المقال، فإن الحراك العماني هذه المرة، يأتي تحت ضغط معطيات عدة، أهمها أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على ضوء مشاكله الداخلية المستعصية ومخاوفه من تراجع حظوظه بالانتخابات الرئاسية المقبلة في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2020، طبعا إذا ما خرج منتصرا من قمقمة الاستجواب ولم يتم عزله، وهو احتمال مستبعد في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ الأمريكي، بصدد رفع أسهمه داخليا من خلال معالجة أبرز الملفات الدولية، يتصدرها الملف الإيراني. لذلك ترامب على عجلة من أمره أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق تقدم واختراق في هذا الملف. رسالة أمريكية وفي هذا السياق، يمكن قراءة زيارة وزير خارجية عمان إلى واشنطن، قبل أسبوع من زيارته لطهران، حيث على الأرجح حمّلته الأولى رسالة للأخيرة، لكن أيا كانت طبيعة هذه الرسالة، فمن الواضح أنها لم تكن مرضية لإيران، إن لم تكن قد أغضبتها أكثر، إذ أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، بعد يوم من مغادرة بن علوي الأراضي الإيرانية، قد جدد التأكيد على الشروط الإيرانية لأي تفاوض مع الإدارة الأمريكية، في مقدمتها رفع كافة العقوبات، وهي شروط من المستبعد أن يرضح لها ترامب في الوقت الحاضر، حيث من شأن ذلك أن يرتد عليه سلبا في الداخل، ليستخدمه خصومه الديمقراطيين في مواجهته وتصوير المشهد على أنه تراجع كبير لترامب، بالتالي يمكن القول إن نتائج الزيارة الثالثة للوزير العمانية فيما يتعلق بالوساطة بين طهران وواشنطن دارت في نفس الحلقة المفرغة السابقة. أما فيما يتصل بالأزمة اليمنية التي احتلت حيزا كبيرا في مباحثات بن علوي في إيران، مما يعني أن هذه الأزمة كانت عنوانا أساسيا من عناوين الزيارة، جاء طرحها بعد مباحثات بشأنها في العاصمة العمانية مسقط، حيث قصدها مسؤولون سعوديون وآخرون من الحوثيون. وهنا يبدو أن السعودية الباحثة عن مخرج للخروج من المستنقع اليمني، كانت تبتغي هذا المخرج بعيدا عن إيران، لتحييدها، ظانة أنه يمكن من خلال مفاوضات مع الحوثيين وحدهم، التوصل إلى حل ما، لكنها بعد جولات تفاوض أدركت أن ذلك غير ممكن بمعزل عن طهران، لذلك شدّ بن علوي رحاله إليها حاملا هذا الملف أيضا. وإيران من جهتها، فرغم أنها تشترط إنهاء السعودية حربها على اليمن لخفض التوتر في المنطقة، لكنها ترى في الوقت نفسه أن جذور التوترات تعود إلى العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي تتهم الرياض بالمشاركة الفعلية فيها عبر تعويض النقص الناتج عن النفط الإيراني المحظور وبطرق أخرى أيضا، لذلك، فإن أي تطورات إيجابية على الصعيد اليمني، سواء وقف إطلاق النار أو وقف الحرب، من الصعب أن تحصل إلا اذا رافقتها تنازلات أمريكية بشأن العقوبات على إيران، وهو أمر مستبعد، ولا تسمح به الإدارة الأمريكية. خلاصة القول في هذا المضمار أنه على الرغم من تفاؤل ما، أبداه الوزير بن علوي حول حل الأزمة اليمنية وحديثه عن "مؤشرات تبعث على الأمل"، وكذلك دعوته لعقد مؤتمر حوار إقليمي موسع، مما يعني أن عمان بصدد كسر الجليد في العلاقات السعودية ـ الإيرانية وفتح الحوار بينهما، إلا أنه وإن نجحت السلطنة في إطلاق مثل هذا الحوار لمناقشة الملفات الإشكالية، في مقدمتها الأزمة اليمنية والأمن البحري في المنطقة، لكن نتائجه تبقى رهينة صراع أكبر يجري راهنا بين طهران وواشنطن، ومن دون حل الثاني من غير الوارد حل الأول أي الصراع بين إيران والسعودية، للتشابك الكبير في الصراعين وعناوينهما، كما سبق ذكره آنفا. بالتالي، لأن المتحكم هنا هي الإرادة الأمريكية. فالسعودية التي تنظر إلى علاقاتها مع أمريكا في إطار موازنة النفوذ الإيراني في المنطقة، من المستبعد جدا إن لم يكن مستحيلا أن تتجه بمعزل عن واشنطن نحو بناء مرحلة جديدة في العلاقات مع إيران. وبناء على ما سبق، فإن ما يمكن قوله إن ما يجري من حراك دبلوماسي، عمانيا كان أو يابانيا أو فرنسيا أو غيره من التحركات الدبلوماسية في المنطقة، يأتي من وجهة النظر الأمريكية في سياق إدارة الأزمة مع طهران، وتوجيه مساراتها نحو تلك التي تخدم المصالح الأمريكية، والمصالح الانتخابية لترامب نفسه. وعليه، وفي ضوء صعوبة الوصول إلى حلول مرضية لكافة الأطراف في الوقت الراهن، يبقى سيناريوهان أكثر احتمالا، الأول هو الإبقاء على المستوى الحالي من التوتر دون تصعيده والسيناريو الثاني هو تصعيد الوضع أكثر مما عليه اليوم، لكن في إطار منضبط، لتحقيق نتائج عاجلة يريدها الرئيس الأمريكي.
الآراء