شدد الأمین العام للجماعة في أول جلسة الهیئة التنفیذیة المرکزیة مع مسؤولي الهیئات التنفیذیة في المحافظات علی الکفاح المدني کأهم مهام الدعوة الإسلامیة.

وبناء علی تقریر قسم العلاقات العامة لجماعة الدعوة والإصلاح فإن الأمین العام للجماعة الأستاذ بیراني شارک في الجلسة الأولی للهیئة التنفیذیة مع مسؤولي الهیئات التنفیذیة في المحافظات و شدد علی الکفاح المدني کمهمة الیوم للدعوة الإسلامیة وعلی العلاقة المتواضعة مع الله والمطالبة بحقوق المواطنة والنظرة المقاصدیة للفقه.

والنص الکامل لخطاب الأمین العام للجماعة کما یلي:

أبدأ الموضوع بتقدیم تمهید؛ یقول تبارک وتعالی: "وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا"[العنکبوت:69].

فنظرا إلی أن الإنسان یمیل إلی الخیر والشر ینبغي أن توجد الحرکة الإصلاحیة في المجتمع دائما والإصلاح هو واجب دیني وضرورة حیاتیة وأن الافتقار إلی الإصلاح والتحدیث في کافة الأزمنة أمام الرکود و الجمود والظلم وإهدار رأس المال البشري والفکري والمادي قد بات أمرا ضروريا.

سنة التدافع

قانون التدافع واقع بجانب مجموعة من القواعد التي وضعها الله لتنظیم الشؤون والدفاع عن الحقوق والحریات وینسق الإنسان حرکته نظرا لهذه السنن:

"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا..." [الحج:40].

"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" البقره:251].

في نظرة قصیرة لوضع المجتمع الحالي یبدو لنا أن التدافع أمر ضروري وینبغي أن یوجد هناک من یدافع بخلوص عن الهویة والحریة والکرامة البشرية والعدالة وهذا هو سر تأسیس حرکات إسلامیة کجماعة الدعوة والإصلاح.

العلاقة الودیة مع الله

إن تکالیفنا تنقسم إلی جزئین أساسیین: الجزء الأول یظهر في الرکوع والسجود أي الصلة الحسنة والواعیة والتوحیدیة مع رب العالمین؛ یقول الله تعالی مخاطبا نبیه صلی الله علیه وسلم: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ" [الشعراء:218- 219]. إن العبادة لا تقتصر علی الرکوع والسجود ولکنهما من الأمارات الواضحة للعبودیة: "یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ اسْتَعِینُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِینَ"[البقره:153].

إن دین الإسلام قد اهتم کثیرا بتبیین نمط العبودیة والاتصال مع الله وهذا الاتصال یجب أن یکون مع خلوص وصدق کان یتمتع بهما النبیین. وعبادة الله هي علی النقیض من الوثنیة وفي الرؤیة الدینیة أن الله تعالی هو خالق هذا الکون وأن جمیع الشؤون في تصرفه وهذا قد یعطي الإنسان الطمأنینة ویمکن القول بأن خلق الشعور بالأمن والسلام من مهام النبیین.

إن النبي صلی الله علیه وسلم یقول: "الصلاة معراج المؤمن" أي حین یصلي المؤمن یبلغ إلی القمة المعنویة ونحن یمکننا أن نعرج معنویا. ویلزمنا وفقا لمبدإ "تحویل العلم إلی السلوک" أن یظهر منا في ساحة العمل والسلوک ما نتعلم من الدین؛ ومن إیجابیات الحضور في الجماعة والحرکة الدینیة أن هناک أشخاص آخرین من بني جلدتنا یقومون بمراقبة أعمالنا بعد رقابة الله وتسجیل الأمور بید کرام الکاتبین.

الکفاح المدني

توفیر المجال لتکوین المجتمع المدني والدیني من المهام الأخری للجماعة والحرکات الدینیة ومن الجدیر أن نسمي مجموعة الأنشطة الثقافیة والاجتماعیة والاقتصادیة باسم الکفاح المدني. والکفاح المدني هو الحاجز بین الرکود وعصیان الله من جانب والکراهیة والعنف والعداء من جانب آخر وحین نتکلم عن تکوین المجتمع المدني نعني أننا لا نیأس ولا نلجأ إلی العنف وأن عماد المجمتع المدني من النظرة الدینية والدیموقراطية هو العدالة والتعددية وقبول الآخر .

یجب أن نعترف بالتعددیة في المجتمع کقیمة لأنه مشیئة الله: "وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (*) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ..."[هود:118-119].

وإذا لم یُعترف بالتعدد العرقي والدیني واللغوي کقمیة وسبب للتطور فلن یسود الأمن والسلام علی المجتمع. واحترام هذه التعددیة یفتقر إلی بناء الثقافة حیث یتطلب مزیدا من الجهد؛ ومعرفة الخلافات والاعتراف بها من متطلبات العلاقة الصحیحة والمؤثرة بین الأشخاص.

حقوق المواطنة

وفي ما یتعلق بمطالبة الحقوق فمن المستحسن أن نؤکد علی حقوق المواطنة لأننا حین ندافع عن حقوق المواطنة ندافع عن کافة المواطنین مع کل الانتماءات العرقية واللغوية والدینية. کثیر من المحامین یعتبرون میثاق المدینة کالدستور الأول ویحتوي هذا المیثاق علی: "لهم ما لنا وعلیهم ما علینا" وهذا یعني أن کل ما یحتوي علی قیمة المواطنة للمسلمین فهو للآخرین أیضا وأنهم یقومون بحفظ الحکومة کالمسلمین.

نحن نعیش في فترة تقع الأحداث فیها بسرعة وکثرة وتؤثر مباشرة علی حیاتنا؛ لیس بإمکاننا أن نبقی حیادیین بالنسبة لزماننا ولا أن نحارب الزمان لأنها لیست معقولة وعدم الاکتراث بمتطلبات الزمن سیؤدي إلی عزلتنا عن المجتمع.

الثوابت والمتغيرات

ومن سمات الصحوة الإسلامیة الأخری الفرق بین الثوابت والمتغیرات؛ الذي أرید أن أتطرق بها.

فيما یتعلق بالتعامل مع القرآن والسنة نحن نقول إن طبیعتهما البقاء والسیادة علی الزمان والمکان والظروف وأن آي القرآن لا تزال باقیة وسائدة إلی یوم القیامة ولا تتأثر بزمان ومکان لأنها إذا لم یکن کذلک فلا یمکن للإسلام أن یکون دینا مفضلا عالمیا أبدیا. ولکن لیس من الضروري أن یسود اجتهاد العلماء وآرائهم إلی یوم القیامة.

وفي القرون الذهبیة نری أن أئمة الفقه من الإمام الأعظم إلی الإمام أحمد کانوا یقومون بالاجتهاد وإن کانوا یتعلمون بعضهم من بعض. والعصر الذي جمع الأئمة معا مناظرین بعضهم بعضا یمکننا أن نسمیه بالفترة الذهبیة. وفي ما یتعلق بالثوابت إذا کان هناک اجتهاد فهو في مجال کیفیة الفهم والتفسیر وفي المتغیرات قد یتجاوز الاجتهاد عن حدود الفهم والتفسیر ویفتقد العلل والأسباب.

نحن حرکة تقدمیة وعلینا أن نکون منفتحین أمام الاجتهادات الحدیثة وعلی سبیل المثال أن عالما حداثیا کالدکتور قرضاوي یری أن مقاصد الشریعة لا تقتصر علی خمسة مقاصد بل هي عشرة فمثلا أن الحریة واحترام أصوات الشعوب وتوفیر المجال لمشارکتهم والتصویت واختیار المرشحین هي من مقاصد الشریعة.

فقه المقاصد

ومن الجدیر بالذکر الاهتمام بفقه المقاصد والتوازن بین المصالح والمفاسد وهو فقه حیوي للغایة وبناء علی القاعدة المقاصدیة التي تقول "إن الأمور بمقاصدها" یمکن القول إن کافة غایات الشریعة تصوب في تحقیق مصالح الناس.

نحن معاشر الجماعة لا نهتم کثیرا بالقضایا الاقتصادیة وکأن الفقر أمر جید أو نری النشاط الاقتصادي أقل أهمیة من العمل التربوي وهذا خطأ فادح وإن نبي الله إبراهیم یقول: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا، وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ" [البقره:126] إذا لم یصلح الوضع الاقتصادي والأمني فإن الدعوة إلی الإیمان والتوحید لن تجدي نفعا.