في هذه السلسلة المنهجية (سلسلة الرحلة الي الذّات) نقدم معلومات و أفكارا حول الإنسان المعاصر و أوضاعه و ملامحه و الصعوبات التي يواجهها في ظل ظروف كثيراً ما تكون غيرمواتية له من الناحية الفكرية و النفسية و الأخلاقية في ضوء الخِطاب القرآني. إنّ فهم العصر المعقّد الذي يعيش فيه الإنسان المعاصر هو الخطوة الأولي التي يجب أن يخطوها نحو التمتع و التمكن من العيش الرغيد علي نحو مقبول.

وقد تحتاج البشرية لإيجاد تعادل و توازن بين الدنيا و الآخرة من معرفة و وعي و فهم و تبّصرعميق و دقيق للواقع و العصر الذي يعيش فيه. في الحقيقة ليس فهم زماننا و واقعنا بالأمر اليسير لكل انسان، و لعل سبب الصعوبة و الخطأ المنهجي في فهم الواقع و العصر و التوازن بين الدنيا و الآخرة يرجع إلی نسیان الانسان المعاصر خالقََه و بدايةَ وجوده و سر خلقه و تدبير الله و تقديره للعالم ؛ فإنه يصبح من اليسير عليه أن يغرَق في شبر من القوة و أن يسير خلف أوهام المكتشفات العلمية و أن يفسر من خلاله كل مسائل الحياة و الكون و الإنسان و الغيب؛ يقول عزّ من قائل في هذا المجال ( من كان يريد الحياة الدنيا و زينتها نوفّ إليهم أعمالهم فیها و هم فيها لا يُبخسون - هود:15) أي: من كان كل حظه من وجوده التمتع بلذات هذه الحياة الأولي التي هي أدني الحياتين اللتین خلق لهما و هي الطعام و الشراب و الوقاع و زينتها من اللباس و الأثاث و الأولاد و الأموال و الشهرة و القدرة والمقام لا يريد مع ذلك استعداداَ للحياة الآخرة ورضوان الله و لقاءه تعالي بالبر والإحسان وتزكية النفس بباعث الايمان، نعطیهم ثمرات أعمالهم التي يعملونها وافية تامة حسب سنتنا في الأسباب والمسببات و نظام الأقدار. وهذا الخطأ المنهجي في التفكير ( أرض بلا إله ) هو أصل لكل الأخطاء والمشاكل والابهامات والتناقضات في التحليل والدراسة حول الكون و خالق الكون و الحياة و علاقات الخلق بعضهم ببعض للإنسان المعاصر. يشير القرآن بصراحة إلی تدبير الله وتقديره للكون وعدم اهتمام الناس بمنهج الله: (و البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربّه و الذي خَبُثَ لا يخرجُ إلا نَكِداً) (الأعراف 58) مع الأسف أننا نشاهد في حياتنا اليومية أن النَفَس العام لواقعنا الحاضر هو نَفَس مادي مصلحي نفع (إرادة الحياة الدنيا) و أن الإحساس بالهدف من هذا الوجود، معدوم لدی السواد الأعظم من صُنّاع الحضارات والثقافات التي تخیّم علی أفكارنا وعواطفنا وسلوكياتنا وعصرنا، لهذا نجد جذور هذه المسألة الهامة في سببين رئيسيين:

السبب الأول: انحرافات الكنيسة و الأديرة ورهبانها وعلمائها و وقوفها ضد مصالح الطبقات الفقيره إلي جانب وقوفها ضد حركة البحث والتحليل العلمي في الغرب بالإضافه إلي فساد رجالها الخلقي و السلوكي والفكري والمنهجي الذی  قد ولّد خصومة وعداءًََ قويیین بين قادة الفكر والتنوير وبين الكنيسة وكل ما يتصل بها من إيمان بالله و الكتب السماوية والبعث والجزاء والحساب والجنة والنار، حتي قال « فورباخ » إن الدين هو إضاعة الإنسان لجوهره؛ فالدين يقذف بهذا الجوهر (الكائن الالهي) خارج ذاته وهو محض من إنتاج ضميره. والسبب الثاني: الانتصارات التي حققتها العلوم الإنسانية التجربية والعقلانية في القرون الثلاثة الماضية في كافة  مجالات الحياة وخاصةً العلوم الإنسانية مثل العلوم الاقتصادية أو العلوم النفسية أو العلوم الاجتماعية التي أدخلت الوهمَ فی العقل الغربي حيث ساد اعتقاد بأن العلم والعقلانية قادران علي حل كل المشاكل و المصائب الموجودة، و رسم كل خطوط السير في كل الشؤون البشرية ومن ثَم فإن الإيمان بالله وكتابه قد فقدَ مجالاته و وظائفه فی المجتمعات البشرية وبطل دوره الفعّالة في حياة البشر..............یتبع.