توفي الأربعاء في العاصمة الفرنسية باريس الكاتب والفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه غارودي عن 99 عاما بعد حياة فكرية حافلة، كرس جلها للدفاع عن الدين الإسلامي والقيم الإنسانية، ومناهضة الإمبريالية والصهيونية، والتي عانى بسببها في فرنسا وأوروبا.
ويعد غارودي -المولود بمرسيليا في 17 يوليو/تموز 1913- من أبرز المفكرين الفرنسييين، وأكثرهم إثارة للجدل في الغرب، خاصة بعدما أعلن إسلامه سنة 1982 متخذا "رجاء" اسما له، قائلا إنه وجد الحضارة الغربية "بنيت على فهم خاطئ للإنسان, وهو عبر حياته كلها كان يبحث عن معنى معين لم يجده إلا في الإسلام".
ويرى المفكر الراحل في كتابه "الإسلام دين المستقبل" أن اختياره الدين الإسلامي يأتي لما أظهره من "شمولية كبرى، عن استيعابه لكافة الشعوب ذات الديانات المختلفة، وكان لقبوله لاتباع هذه الديانات في داره منفتحا على ثقافاتهم وحضاراتهم، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويا ومنيعا".
أصدرغارودي -الذي أسر بالجزائر خلال الحرب العالمية الثانية- أول مؤلفاته عام 1946، وحصل على درجة الدكتوراه الأولى سنة 1953 من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة، ثم حصل على درجة الدكتوراه الثانية عن الحرية عام 54 من الاتحاد السوفياتي.
اعتنق صاحب "محاكمة الصهيونية الإسرائيلية" الفكر الشيوعي مبكرا، لكنه طرد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970، لانتقاداته الدائمة للاتحاد السوفياتي. وكان عضوا في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات، وسعى إلى جمع الكاثولكية مع الشيوعية في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، قبل أن يتجه للدين الإسلامي، الذي وجد أنه ينسجم مع قيم العدالة الاجتماعية التي يؤمن بها.
"أصدر غارودي عددا كبيرا من المؤلفات، التي ظل فيها مدافعا عن الإسلام ومناهضا للرأسمالية والإمبريالية، ومعاديا لإسرائيل والحركة الصهيونية"
مواقف مبدئية
بفعل خلفيته الشيوعية، واعتناقه الدين الإسلامي ظل غارودي على عدائه للإمبريالية والرأسمالية وخاصة الولايات المتحدة في تلك الحقبة، كما كان مناهضا للصهيونية، وأصدر بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان سنة 1982 بيانا مطولا في صحيفة لوموند الفرنسية مع عدد من المفكرين الفرنسيين بعنوان "عن العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان" وقد عد هذا البيان بداية الصدام بين غارودي والحركة الصهيونية.
نشر غارودي كتابا بعنوان "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، أدى إلى الحكم عليه سنة 1988 من قبل محكمة فرنسية بتهمة التشكيك في محرقة اليهود، ولا سيما أنه فند في كتابه صحة الأعداد الشائعة عن إبادة اليهود في غرف الغاز على أيدي النازيين.
كما أصدر الراحل عددا كبيرا من المؤلفات، التي ظل فيها مدافعا عن الإسلام ومناهضا للرأسمالية والإمبريالية، ومعاديا لإسرائيل والحركة الصهيونية من أبرزها: "لماذا أسلمت.. نصف قرن من البحث عن الحقيقة" و"الأصوليات المعاصرة أسبابها ومظاهرها" و"محاكمة الصهيونية الإسرائيلية" و"حفارو القبور.. الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها" و"الولايات المتحدة طليعة الانحطاط" و"وحوار الحضارات" و"كيف نصنع المستقبل".
نال جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1985 عن خدمة الإسلام وذلك عن كتابيه "ما يعد به الإسلام"
و"الإسلام يسكن مستقبلنا"، وكذلك لدفاعه عن القضية الفلسطينية.
الآراء