لا تلومونا على أفراحنا بفوز حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البرلمانية، لقد كانت مصيرية بحق؛ ولذلك نزل الأتراك للتنافس الشريف على الصناديق بنسبة قاربت الـ90% من الشعب بعد أن ضربهم الإرهاب، والفراغ الحكومي، ومشاكسة أحزاب المعارضة التي لم تقم سوى بحرمان حزب العدالة من تشكيل الحكومة، ثم تركت البلاد مشلولة داخلياً وخارجياً.. فلا هي بالتي نجحت في تشكيل ائتلافات لاستقرار البلد، ولا هي بالتي أعطت الثقة لفرقاء السياسة بتجاوز المرحلة الخطرة التي تمر بها تركيا والمؤامرة الدولية عليها. لقد ذاق الشعب التركي الانقلابات العسكرية سابقاً والإرهاب وفراغ السلطة حالياً؛ لذلك قرر النزول ليعبر عن رأيه الصريح: نعم لاستقرار تركيا وعودتها للصدارة. وليت الشعوب العربية تستفيد من هذا الدرس، وأن تلتف حول القيادات المخلصة، وأن تلفظ حكم العسكر والاستبداد والفراعنة وكل من يشاطرهم أعمالهم بدل أن تُسقط فرعونَ وتأتِ بأسوأ منه وتؤيد الانقلابات العسكرية أو تسكت عليها! ثم إن فرحة الشعوب الإسلامية بالنصر التركي لأسباب عديدة، أذكر منها على سبيل الإيجاز لا الحصر: - مناصرة تركيا لقضايا المسلمين وعلى رأسها قضية فلسطين، وثورة سورية، وإيواء اللاجئين السوريين. - تركيا والسعودية وقطر بدؤوا في تشكيل تحالف إستراتيجي يعيد التوازن للمنطقة، ويحجم النفوذ الإيراني في العراق وسورية واليمن، وكان من أولى ثمار هذا التحالف عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، والتي سيتبعها نصرة ثوار سورية بالتسليح النوعي، وكل هذا تأخر بسبب انشغال تركيا داخلياً بأزمة تشكيل الحكومة، وقد بدأت ثمار التسليح لثوار سورية تؤتي أكلها ولم يفز الحزب بعد.. فكيف لو تم له حكم البرلمان وحرية اتخاذ قرارات جريئة تسارع في تشكيل هذا التحالف والتنسيق الإستراتيجي بينهم؟! وأذكر كلمة لخاشقجي قبل فترة وإبان أزمة حكومة تركيا، قال ما معناه: على ثوار سورية الاعتماد على أنفسهم في هذه المرحلة على الأقل لانشغال السعودية بـ"عاصفة الحزم" وتركيا بالانتخابات. - مشروع إيران وأمريكا التخريبي في المنطقة لا يهدف فقط لتقسيم سورية والعراق، بل تركيا وشمال الجزيرة العربية أيضاً ببطولة مليشيات إيران و"داعش" بالطبع، وقد أدركت تركيا ذلك جيداً، كما أدركت ذلك السعودية وهاجمت الحوثي، وفي تصريح أردوغان قبل أيام بأنه لن نستأذن من أحد لحماية حدودنا وليس لأحد تقرير مصيرنا.. إلخ، كلام واضح في أنه سيضرب ضربته قريباً ضد حزب العمال الكردستاني و"داعش" في شمال سورية. - الاحتلال الروسي لسورية زاد من عزلة تركيا، وكان هدفه ليس فقط نصر بشار، فالروس أعجز من ذلك، ولاحظوا كيف يتسولون الحل السياسي، إنما بهدف تطبيع التقسيم بين الأكراد و"داعش" وعلويي بشار وعزل تركيا عن العرب بعد أن عزلهم الاتحاد الأوروبي والغرب المنافق، ليتفرغوا مع الأمريكيين لذبح الشعب السوري. ونهضة تركيا ستقلب الطاولة على الروس وإيران؛ ولذلك نرى المآتم والنياحة منتشرة في موسكو وطهران وتل أبيب ومصر السيسي للأسف وغيرها من مدن ودول معسكر الشر والممانعة! - لقد ضربوا تركيا والسعودية بالإرهاب في هجمات متزامنة تارة بـ"داعش" وتارة بالأكراد، وكل هذا بسبب قيادتهم للتحالف المرتقب وضربتهم لأجنحة إيران في سورية واليمن ولمعارضتهم لمشروع التقسيم الأمريكي للمنطقة، وكل هذا من أجل ألا تنهض الدولتان لتمريغ غطرسة إيران. - بفوز حزب العدالة والتنمية أعاد الأمل للشعوب بالثقة في الديمقراطية وتعلم التنافس الشريف بالصناديق، لا بالدبابات والصواريخ وجزمات العسكر، وتعلم ثقافة الوعي في المجتمعات بالحقوق الدستورية للمواطنين والتغيير وبناء الدولة، كما أعاد الأمل للإسلاميين في بقية الدول باستلهام التجربة الناجحة والأنموذج للحكم الوسطي الذي يخدم الإسلام ولا يستخدمه في أغلب الأحيان! - لم يكن تشكيل الحلف المشؤوم بين روسيا وإيران والأسد وحكومة بغداد الإيرانية و"إسرائيل" وبموافقة أمريكية سوى للتصدي ولمحاولة إفشال الحلف العربي التركي الذي لم يتبلور بعد بالكامل، فنصرة تركيا الآن صار قراراً عربياً إسلامياً لا تركياً فقط ويهم كل مسلم للتصدي لهذه المؤامرة العالمية لحرب الإسلام وتصفيته في سورية والعراق. - استقرار تركيا يعني إنعاشها اقتصادياً وهي منتعشة في الأصل وبوابة لتحالف عسكري مع دول الخليج وتطوير علاقات وتبادل اقتصادي واسع. سترون وترى الأمة جميعاً آثار هذا الفوز في قلب تركيا والعالم الإسلامي، ونسأل الله أن يبارك في فوزهم ويستخدمهم لنصرة دينه وأوليائه في بقاع المعمورة، والله أكبر ولله الحمد.