أين السَّماحةُ واليُسْر؟

إن أنظارَ الناس تتوجّه تَبَعاً لسُنن الحياة، تارةً نحو سادة الناس وقادتهم، وطوراً صَوب علمائهم ودعاتهم! وربما حكم الناسُ في زمن الفساد وفي أيام البوار والكساد،  فرأوا المجتمع قد بات خَلْواً من الرجال الصالحين والأبرار المتقين.

إن البلاء الذي يعمُّ الدَّهماء تصوُّرُهم أن المقصد الأَسْنى للبشر هو الاستمتاع بزينة الحياة، والتباهي بزُخرف المتاع! لذا نلقى التنافس في الدنيا قائماً على إمتاع الصدور بتحقيق متاع الغرور!

لقد حضَّ الإسلام على التسامح في البيع والشراء، وعلى السهولة واليسر، ورغَّب في حُسن الاقتضاء، وبيَّن ما أعدّه الله تعالى للمنصفين والمتسامحين، وبشَّرهم بحبّ الله لهم، فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله رجلاً سَمْحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى»! رواه أبو داود.

ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتصف بالتسامح في تعامله فقال: «من أَقالَ مسلماً أقال الله عَثْرته» رواه أبو داود؛ وبشَّر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يُحبّهم فقال: «إن الله يُحبّ سَمْح البيع، سَمْح الشّراء، سمح الاقتضاء ..!» وتحدّث أنس بن مالك فقال: «خدمتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عشرَ سِنين فما قال لي أفّ قط! ولا قال لشيء صنعتُه: لم صنعته؟ ولا لشيء تركتُه لم تركتَه؟ ولا أمرني بأمر فتوانَيْتُ فيه فعاتبني عليه؛ فإن عاتبني أحدٌ من أهله قال: دعوه فلو قُدِّرَ شيءٌ كان!»

إن المؤمنين  يقرؤون في كتاب ربهم الدعوة إلى التخلّق بصفات اللّين والرَّحمة، واليُسر والسهولة، كما في قول الله تعالى: {يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بكمُ العُسْر} البقرة: 185.

ويجدون في التربية القرآنية قوانين عُلويّة تُربّي النفوس على اليُسر والسَّماحة، وتُحْييِ معانيها في قلوبهم.. كما يجدون في السُّنة النبويّة دعوةً واضحة مؤثِّرة في الخطاب النبويّ إلى لُزوم التياسر والتساهل، كما في أقوال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يُسر»، «إنكم أُمَّةٌ أريد بكمُ اليُسْر»، «إن خيرَ دينكم أَيْسَرُه».

إن هذه السياسة الفريدة القائمة على السَّماحة واليُسر في المسائل المعيشيّة والتعامل المادّي، يضلُّ من يظنّها محصورةً ضمن إطار زُمْرة القلب الواحد، ومحبوسةٌ في دائرة العصبيّة المغلقة! فهى سياسة أخلاقيّة رحيمة راقية، ينتهجُها المسلمون مع الناس عامّة، وكيف وقد وُصف نبيُّهم الأكرم صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى: {وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعَالمين} الأنبياء: 107.