منذ نعومة أظافرها وعلى الرغم من البيئة الملحدة التي تربت فيها، إلا أن عقلها كان يرفض فكرة عدم وجود خالق لهذا الكون. وكبرت الطفلة البلجيكية دومينيك وكبر معها شعور بالإيمان في داخلها دون ان تعتنق دين بعينه، إلى أن جاء موعد تعرفت فيه على الإسلام، و وجدت فيه الأجوبة الشافية لتساؤلات كبرت معها. فاعتنقته وحولت اسمها من دومينيك إلى عائشة، وهي في قمة الرضا و السعادة، رغم ما تعرضت له على المستويين الاجتماعي والمهني من رفض لإسلامها. حول رحلة البحث عن الإسلام، و واقع المرأة المسلمة في بلجيكا، "المجتمع" التقت عائشة سويسن،، والتي تعمل كطبيبة نفسية ومعلمة الدين الإسلامي في المدارس البلجيكية.

متى بدأت رحلتك في البحث عن الإسلام؟

القصة تعود إلى مرحلة الطفولة والمدرسة، حيث كنت أتلقى تعليم إلحادي يومي، يسخر من كل ما له علاقة بالدين، وفي الصيف كانت تزورنا خالتي التي تعيش في سويسرا، وهي امرأة تدين بالمسيحية البروتستانتية، وكانت متدينة ورعة، تحرص خلال فترة إقامتها الصيفية عندنا إلى سرد قصص دينية، وكنت كثيرة الأعجاب بالشخصيات التي تحكي عنها خالتي، ويجذبني كل ذلك الإيمان والطمأنينة التي تتحلى بها تلك الشخصيات.

فأحرص على سماع المزيد من الحكايات دائما، وشجعني ذلك إلى المشاركة في مخيمات صيفية، كان ينظمها قس بروتستانتي في منطقتي، وتعرفت من خلال هذه المخيمات على معنى الإيمان، وأنه شيء يعيش في قلبك ويظهر في تصرفاتك اليومية، وأن العلاقة بين الإنسان وبين ربه مبنية على الالتزام بأوامره، والمحافظة على الصلاة وقراءة كتابه المقدس. وأن أولئك اللذين يتظاهرون بالتدين ولا يمارسونه في سلوكهم لا يمتون للدين بصلة، فالدين التزام وليس ادعاء.

وإلى أين قادتك هذه الخلاصة؟

هذه النتائج التي توصلت إليها، بقت محفورة في داخلي، كلما كبرت كانت تزداد أسئلتي حول الدين وعلاقة الإنسان بخالقه، ولكن يخيب أملي في كل مرة أريد إجابات عن أسئلتي، ففي المنزل لم أكن أتجرأ على طرحها، وإذا طرحت شيئا، تنصدم عائلتي منه، ويحاولون تجاهله، لتبقى بذلك التساؤلات معلقة في عقلي، دون إجابات أو إجابات غير مقنعة ومتضاربة، تزيد من حيرتي. وفي تلك الفترة، مات جدي، فأثيرت في نفسي الرغبة في معرفة لماذا نموت، وكيف نلاقي الرب، وماذا يحدث للمؤمن.

وأصبحت أتدرج في أسئلتي، وأتعمق في محاولة تكوين رأي خاص بي ومنطق لما يحدث من حولي. واحتفظت في نفسي بحب الخير وحسن التعامل، وأنا متيقنة من وجود رب في هذا الكون.

ومتى كان موعدك مع الإسلام؟

في عام 2006، حيث التقيت ذلك الرجل الذي أصبح زوجي، وهو مسلم من أصول مغربية، واكتشفت من خلاله المجتمع الإسلامي، بثقافته وقيمه. وكنت مفتونة ومعجبة لرؤية شخص يمارس دينه في حياته الواقعية. كان مؤمناً مخلصاً يبذل قصارى جهده في دينه فشجعته. و كان الإسلام اجابة حقيقية على أسئلتي فضلاً عن أنه تأكيد لما عاش في قلبي.

في البداية أردت فقط أن أفهم زوجي ودينه. لم أكن أعرف شيئاً عن الإسلام. بالنسبة لي كل ما كنت أعرفه أن المسلمين لا يأكلون لحم الخنزير ويصلون، وبطبيعة الحال و احتراما لزوجي، توقفت عن أكل لحم الخنزير، ثم أقلعت عن تعاطي المشروبات الكحولية على الرغم أنه لم يطلب مني قط ذلك ولم يجبرني. فكرت فقط بما أن هذا الشيء ليس نظيفاً بالنسبة إليه فيجب علي أنا أيضاً أن أتجنب هذه الأشياء، والحال أننا شريكين في الحياة الزوجية.

وعندما أتى أول رمضان، لم تمر سوى بضعة أشهر على زواجنا وفكرت أن أصوم معه. لم أتخيل أبداً أن أتناول الطعام في حين أنه يمتنع عن ذلك. لذلك تقاسمت هذه التجربة معه. في بادئ الأمر لم أتصور أني قادرة على صيام شهر كامل ولكني فعلت ذلك بدون صعوبة. بمرور الأيام، واصلت اكتشافي للإسلام، قرأت بعض الكتب، وفهمت أن الإسلام أتى مكملاً بعد الأديان اليهودية والمسحية والأهم من ذلك أنه كلام الله حيث أنه كان محمياً من عدة تعديلات أو تحريفات خضعت لها غيرها من الكتب الأخرى.

وبالتدريج، انشأت علاقات مع المجتمع الإسلامي، ونطقت الشهادة في حضور زوجي، وكانت لحظة قوية جداً، عشتها بكل بساطة. وبدأت ممارسة الدين بطريقة منتظمة ومتسقة،محاولة في نفس الوقت تثقيف نفسي وتحسينها باستمرار. وكان الإسلام كنز ثمين جداً. وحياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مصدر لا ينضب أبداً من الحكمة والتعلم و كان يساعدني جداً في التعامل مع المسلمين. و أثرى جداً تفكيري وصقل عملي بالنظر إلى كل الروابط التي تربط بين علم النفس والروحانية.

كيف كانت ردة الفعل على اعتناقك الإسلام؟

كنت محظوظة جداً حيث كنت موضع ترحيب من المجتمع الإسلامي. كنت أعرف أنه ليس الحال نفسه لكثير من المعتنقين، حيث يتم استقبالهم أو مواجهتهم ببعض الردود النابعة من قلة الثقة والحذر من قبل بعض المسلمين. اما بالنسبة لعائلتي، كانت علاقتي مقطوعة مع والدي منذ زمن، وبعد فترة وجيزة من اعتناقي أحسست أنه يجب أن استعيد علاقتي به. فتشجعت وذهبت لرؤية أبي وأمي.

وماذا عن المستوى المهني؟

على المستوى المهني، كونك مسلماً، هناك أيضاً هناك استثنائية في المعاملة. شعرت بذلك خلال عملي طبيبيه تدير جلسات العلاج النفسي في إحدى المؤسسات الطبية، حيث أحسست بفارق كبير بعد أن اعتنقت الإسلام، وعشت العديد من المواقف الغير المريحة أو المتناقضة مع ديني، حتى فقدت وظيفتي بسبب ذلك. لكن الله سهل لي أمري، واستطعت أن أفتح عيادة خاصة، أديرها بالطريقة التي أريدها.

إلى جانب عملي طبيبيه، أقوم بتدريس الدين الإسلامي في إطار التعليم الرسمي البلجيكي، حيث يدرس الطلاب ساعتين في الأسبوع دروس فلسفة ويكون التوجه من اختيارهم.

ماهي أبرز التحديات التي تواجهها المرأة المسلمة في بلجيكا؟

في بلجيكيا، معظم مشاكل المسلمات يتعلق في إيجاد عمل يسمح لهن بلبس الحجاب. العديد من أرباب العمل يرفضون الحجاب، والوضع يزداد صعوبة. كما تعاني المسلمات البلجيكيات نوعاً من الأحكام المسبقة نظراً لجهل البعض بالدين الإسلامي، إذ يعتقدون أن المسلمة، خاضعة لزوجها، وأنها امرأة قليلة الذكاء و ذات تعليم منخفض، و تعترضنا بعض المصاعب في اقناع الأخرين أنه نحن من اختار الدين الإسلامي و ارتداء الحجاب.

وأحياناً نرى العدوانية في أعين الناس، عندما ينظرون لفتاة تلبس حجاباً، وتزداد العدوانية أكثر إذا كانت أوروبية، وقد يحدث في بعض الأحيان أن تتعرض النسوة أيضاً إلى الاعتداء عليهن في الشارع. واختم شهادتي بالقول: على الرغم من المصاعب والتحديات حياتي أصبح لها معنى بعد إسلامي. هناك بطبيعة الحال أشياء كانت موجودة من قبل، لكن الذي تغير هو أني الأن أعرف لماذا وخاصة لمن أفعل هذه الأشياء.والله مضطلع على القلوب.