إن منظمة الدفاع عن ضحایا العنف بصفتها مؤسسه جعلت الارتقاء بحقوق الإنسان هدفها على المدى البعید، أخذت على عاتقها إعادة نشر مقالات وخطب المفکرین الإیرانیین والإسلامیین في هذا المجال.
• یبدو بأنّ الفرد في عصر نزول الوحی کان جزءاً من القبیلة ولکن الفردیّة (Individuality) بمفهومها الجدید أی أنّ صاحب الحقوق هو الفرد ولیس المجتمع، وأنّ أولویّة الحقوق بالذات تخص الأفراد لم تکن موجوده في ذلک العصر. - نعم، بلاشک. وعلیه إذا حاولتم تفسیر نصّ ما ینبغی الانتباه إلی إمکانیة تجأوب هذا النص مع متّسع من المفاهيم التی تریدون إشاعتها. في حین لاتوجد هکذا إمکانیه. و إذا کان الأمر کذلک فهکذا التفسیر لا یعتدّ به وفي النّهایة سنری بأنّ المشکلة الأساسیّة التی لا تغیب عن بالي هي الحقوق التی ننسبها إلی الله، فهذه الحقوق لا یمکن اعتبارها من ضمن الحقوق المدرجة في البیان العالمی لحقوق الإنسان. لأن النتیجه ستکون سلسله من المفاهيم الأخلاقیةالتی تتناسب مع ذلک العصر والزمان ومع أوضاع وأحوال الحجاز في عصر النبوّة وعلیه برأیی فأنّ نظریّة السیّد نعیم وطه لا تتناسب أبداً مع الموازین المنهجیّة لتفسیر النّصوص.
• محمد شحرور الباحث السوری في شئون القرآن (1938م) کذلک یرکّز أکثر علی القرآن المکّی ولأجل التوفيق والتنسیق بین القرآن وحقوق الإنسان مع الاخذ بنظر الاعتبار بعض الخصائص الثابتة في الإسلام، یری بأنّ بعض الأحکام الموجودة في سور القرآن کسورتي التوبة والأنفال ومنها القصص المحمدّیة، قد انقضی عهد تطبیقها والاستناد إلیها.
- حدیث شحرور یختلف عن حدیث نعیم وبتعبیر آخر فهو صحیح. أنّ حدیث السیدان نعیم وطه عندما یقولان بأنّها مرحلیّة ومؤقتة، فهو صحیح. ولکن انتقد کلامه بأنه حاول تفسیر النصوص المکّیة بصوره تتوافق مع حقوق الإنسان. وإلا فأنّه في هذا الجزء من کلامه یقول؛ ما حدث في المدینة، في جدلیّته مع واقع المدینة کان مؤقتاً، أنا أتّفق معه بهذا الخصوص تماماً. من حیث معاییر الهرمنیوطیقا لا یمکنکم خلق واقع جدید ومفاهيم جدیده غیر مسبوقه، ومن ثمّ القیام بتفسیر نص ما بصوره معیّنة بحیث تدّعون بأنّها تنطوي علیها کذلک.
• هل یمکن إعتبار جهود أمثال السیّد نعیم وآخرین، کخطوه باتجاه التأسیس لخطاب حقوق الإنسان في المجتمعات الإسلامیة المغلقة نوعاً ما والتی لا یمکنها القبول سوی بالکتاب والسنة؟
- کلّا. برأیی لا یمکن ذلک لأن تلک الإشکإلیة المهمّة لا زالت قائمه وإذا کنتم من القائلین بإجازتها من قبل الله، فلا یمکنکم التأسیس لحقوق الإنسان. فاخطاب الإلهي یتبعه تکلیف (وجوب). فلا یمکن التأسیس لحقوق الإنسان إلّا عندما یمکن للإنسان المدّعی والمعترض، الکلام ویطالب بهذه الحقوق لنفسه. هذه هي حقوق الإنسان.
• لن نصل إلی الحالة المطلوبة المرجوّة إلّا عند بسط العدالة الاجتماعیة وحصول الإنسان علی حقوق المواطنة ولا یوجد انتهاک لحقوق البشر الأساسیّة. ففي هذه الحالة ما الفرق بین أن یکون مصدر هذه الحقوق إلهياً أم أنّ ابناء البشر توصّلوا إلیها بأنفسهم؟
- الفرق هو أنّکم تنسبون موضوعاً إلی الله وتستنبطونه من آیات تحمل في طیّاتها مختلف التفسیرات، مما سیجعله أمراً متزلزلاً علی الدّوام. فمن کانت سلطته الدینیة أکبر، سینتصر تفسیره. وعندما کتبت في بعض مقالاتی بأنّ حقوق الإنسان هي البلسم المضاد لداعش وغیرها، فالمقصود هو نفس هذه الأشکإلیة. أنتم تطرحون موضوعاً بأسم الإله، وشخص آخر یطرح موضوعاً آخراً بأسم الإله کذلک. ولکن عندما تطرحونه بأسم الإنسان، بأن هذا ما یدّعیه أبناء البشر. والآخر یمکنه القول بدوره بأن ما یدعیه أبناء البشر غیر هذا. فبمجرد حصول نقاش حول ما یدّعیه أبناء البشر، نقول لیجتمع أبناء البشر لنر ما الذی یدّعونه؟ وهنا یمکنکم التوصّل إلی نتیجه بطریقه علمیّه. ولکن عندما تستندون إلی مکان لا یمکن لأی شخص الوصول إلیه، و لکل فرد تفسیره الخاص فعلیکم التحقق من صحّة أو سقم هذه التفسیرات. فأنتزاع تفسیر بهذه الصیغة منذ 1400 عام علی هذا المنوال من أذهاننا، غیر عملی البتّه. تصوراتنا خلال تجربة الثّورة الأسلامیّة کانت هکذا، وکنّا نتصوّر بأنّ التعإلیم الدینیة ستکون کذلک وأنّ الله یرید هکذا وسیصبح المجتمع جنّه من الجنان ولکن ظهرت المشاکل بالتدریج ولم تکن الأمور بهذه البساطة.
فکل مفسّر دینی کانت سلطته السیاسیّة أکبر، فإنّ تفسیره سیکون هو الغالب. ونواجه إلی حدٍ ما مبحث العلاقة بین العلم والسلطة لفوکو (1926م- 1984م). علی أبناء البشر العمل علی تسویة مشاکلهم بالتفاهم. وبخلافه سیکون ضرباً من الخیال، تسویة مشاکلنا ونیل الحریّات وحقوق المواطنة والحقوق الاجتماعیة بالحدیث والکلام فقط. فلا یحصل هذا الأمر إلّا بأجماع أبناء البشر أو اتفاق أکثریّتهم علی مبتغاهم. فالله له مکانته ونحن نعبده. ولکن أبناء البشر یریدون هذه الأمور. تعالوا لنوضح معانی هذه الأمور، تعالوا لنتفق علیها. هذا هو الأسلوب الوحید للوصول إلی ذلک. عند کتابتی لبعض المقالات حول حقوق الإنسان و التی نشرت في کتاب « نقد للقراءة الرسمیة للدین»، کتب احدهم قائلاً: ماذا یهمّنا إن وقعت حروب کثیره في العالم، هم توصّلوا بعدها إلی نتیجة مفادها ضرورة أن یکون عندهم ما یسمّی بحقوق الإنسان وإعطاء الحریّات و....الخ، فوضعنا نحن لیس کالغربیین. نحن لا نحتاج إلی حقوق الإنسان. بإمکاننا تسویة الأمور باللجوء إلی المفاهيم الإسلامیّة إذن فما علاقتنا بحقوق الإنسان؟ أتذکر عندما کان معمّر القذّافي (1942- 2011م) یقتل المسلمین في لیبیا، کتبت مقإله بعنوان «إلیوم، الله کذلک یطالب بحقوق الإنسان» إذا لم تصدقوا انظروا کیف یریق مسلمٌ دم مسلماً آخر! إذا کنتم تریدون الوقوف بوجه القذّافي لا یمکنکم الاکتفاء بالقول إنّ الله لا یجیز لک قتل الناس لتستمر في السلطة.
ولکن یمکنه القول کلّا؛ فأنّ الله یرید ما اقوله أنا. یجب أن نطرح موضوع حقوق الإنسان بصفتنا أبناء البشر ونقول ما تفعله ضد الإنسانیة وعندما یؤیدنا اناس آخرون ففي هذه الحإله تقام الحجّة. لمإذا تجرّد فقهائنا من أسلحتهم أمام داعش؟ لأنّهم اکتفوا بمحاربة الجانب التکفيری من داعش وبالقول بأنّ داعش یکفّر الآخرین. مشکلة داعش لا تقتصر علی تکفير الآخرین فقط، فمشکلة داعش هي ما تروّجه من عنف باسم الدین. لنفترض بأنّ داعش لم یقتل الشیعة ووضع تکفيرهم جانباً هل ستنتهي مشکلة ما یسمّی بداعش؟ داعش یؤمن بنفس المبادئ التي تؤمنون إلیها ویعمل علی أساسها ویقول ما تقولونه إذن تکمن المشکلة في مکان آخر. المشکلة هي أنّکم تقولون بأنّ الله یقول کذا، وداعش یقول بأنّ الله یقول شیئاً آخر. ومن هنا یبدأ الاختلاف حول تأویل وتفسیر النصوص الدینیّة کما یحصل حإلیاً وهذا الأختلاف لن یوصلنا إلی نتیجه. ولکن إذا وصلنا إلی هذه النقطه بأننا کأبناء البشر یعانون تاریخیاً من مشاکل علی وجه الأرض، ماهي ألتزمات التی ینبغی علی کل منّا الالتزام بها اتجاه الآخر لتحقیق الحریّة والسلام والعدالة؟ تعالوا لنتدارسها. تعالوا للاتفاق علیها والالتزام ببعض المبادئ. بإمکانکم الحدیث حولها هل هي صحیحه أم لا؟ هل سنقوم بکذا أو لا نقوم به وفي المحصّلة ما الذی ینبغی علینا فعله للتوصل إلی نتیجة ما؟ یمکن التدأول بخصوص هذه الأمور والتوصل إلی نتیجه نهائیّه أو الإجماع علیها.
• یعتقد آرش نراقی وهو من المفکرین الحداثیین الدینیین الإیرانیین بأنّ حقوق الإنسان قبل وأکثر من کل شئ تعتبر من صنف الحقوق الأخلاقیة (الأدبیة). فإذا صح هذا الأدعاء ألن یتغیر مبحث " الصلة بین الدین و حقوق الإنسان" إلی مبحث "الدین والأخلاق"؟
- لم أقرأ مقإله بهذا الخصوص ولکننی أتفهّم وجود نوع من الفلسفة الأخلاقیة لحقوق الإنسان ولکننی علی أی حال أعتقد بأنّ هذه الفلسفة الأخلاقیة منبثقة عن ضروریّات الحیاة أی أنّها لیست أخلاق انتزاعیّة فقط.
• هل تعنی أنّ حقوق الإنسان لیست بحاجه للأخلاق؟
- الأخلاق الاستدلإلیه لیست منشأ حقوق الإنسان، فحقوق الإنسان ذات صبغة أخلاقیة ولکن مصدرها الضروریات التی ظهرت في الحیاة الاجتماعیة والسیاسیة لأبناء البشر. فحقوق الإنسان شأنها کسائر الحقوق المنبثقة عن واقع الحیاة الاجتماعیة وضروریّاتها تم تأطیرها في معادلة محدّدة لاحقاً أذن فقصّة حقوق الإنسان هکذا ذات محتوی أخلاقی. لذا فأنّ الحدیث عن حقوق الإنسان في عالمنا المعاصر والإصرار علی العمل بها، عبارة عن إستراتیجیه لنیل الحریّات والعدالة.
* هل القول بأنّ الأحکام الإلهية صادر من جانب الربّ الحکیم والعالم المطلق و الادّعاء بأنّ بعض هذه الأحکام أو کلها قد أو یجب أن تتضمن مصالح خفيه قد یصعب أو یستحیل الکشف عن بعضها بالکامل بواسطة العلم البشری الناقص، سیثیر التساؤلات بأنّ هذا النمط من التفکیر یمهّد للاقتداء بنموذج التعبّد في الأحکام العبادیّة (العبادات) في مجال أحکام المعاملات و سریانه علیها؟
- سبق وأن أجبت علی هذا التساؤل في مقال بعنوان "لماذا انقضی عهد علم الأصول والاجتهاد الفقهي؟" وتوصلت خلإله إلی أنّ عصر علم الأصول والاجتهاد الفقهي قد انقضی وانتهي. هذه الفرضیة أو النظریة بأنّ کافة أفعال العباد تتضمن مفاسد ومصالح واقعیة وبما أنّ الله سبحانه وتعإلی علیم بتلک المصالح والمفاسد الواقعیّة وهو العلیم والحکیم والقادر المطلق تجرّنا إلی القول بأنّ العلم والقدرة المطلقین یقتضیان بوجود حکمة معینة لکل فعل یصدر عن الله سبحانه وتعإلی. هذه هي المبانی الفلسفية والکلامیّة المتدأولة في علم أصول الفقه. ففي مجال الحیاة الفردیّة والاجتماعیّة یصدر الربّ حکماً واقعیاً لکل فعل من الأفعال التی یقوم بها العباد في کافّة العصور و الأماکن، حسب ما تقتضیه حکمته وقدرته حتی یعمل العباد بمقتضاها ویقوموا بالأعمال التی تنطوی علی مصلحة واقعیة وترک ما یتسبب بمفاسد واقعیة.
وهکذا ستتحقق مصالحهم الدنیویة بالإضافة إلی نیل السعادة الأخرویة (والذی سیطلق علیه لاحقاً نیل السعادة في الدارین). یجب علی کل شخص مکلّف البحث عن حکم کل عمل قبل أن یقدم علیه (البحث عن حکمه الإلهي). وأضافوا بأنّ معرفة الأحکام الإلهية الواقعیّة یتطلّب الرجوع إلی الکتاب (القرآن) والسنّة النبویّة واستنباط الأحکام من هذین المصدرین لأنهما حجة الله علی البشر. والقضیّة الثالثة هو أنّنا ملزمون بالرجوع إلی الکتاب والسنّة لاستنباط الأحکام الواقعیّة للأفعال. لقد أشرت في المقال المذکور إلی بطلان هذه النظریّة. فحسب هذا المفهوم، کان باستطاعة أصحاب هذه النظریة قبل عصر التجدّد، استنباط وظائف وواجبات العباد عبر الرجوع إلی الکتاب والسنّة کما قال الغزّإلی الطوسي (من عام 450 إلی عام 505م) في کتابه المسمّی "إحیاء علوم الدّین" بأنّ الفقیه یسن القوانین للسلطان وعلیه اعتبر الفقه علماً دنیویاً. حسب قول الغزّإلی فإنّ السلطان یسعی للحکم ویجب تسویة المشاکل الاجتماعیّة والفقیه بدوره یسنّ القوانین له باللجوء إلی الاستنباط. وطالما ظلّ هذا النهج سائداً، کانوا یأتون بفقیه لاستنباط حکم أی قضیه تستجد في العبادات والمعاملات والسیاسات. و في الواقع کانوا یحدّدون أحکام أفعال العباد عن طریق الرجوع للکتاب والسنّة والاستنباط منهما. واستمرّ هذا النهج إلی أن تبلور الفقه. وظهرت ابوابه المختلفة علی هذا الاساس.
وانتهج أئمة أهل السنّة الاربعة وائمة الشیعة هذه النظریة التی کانت تسایر مقتضیات حیاتهم في ذلک العصر. ومضت القرون علی تلک الحال حتی بدأ عهد مواجهة المسلمین للحضارة الأوروبیة الجدیدة. و في ظل تلک الظروف برزت بعض القضایا والمواضیع القانونیة والحقوقیّة الجدیدة في حیاة المسلمین والتی سمّیت لاحقاً بالمسائل المستحدثة کالتأمین واللقاح الصناعی والملکیّة الحکومیّة وکذلک مسئلة مقارعة الطاغوت و ضرورة إقامة حکومه شرعیه و.... الخ التی برزت في العقود الأخیرة. فقد استنبط الفقهاء أحکامها وفق هذا النهج و أثبتوا علی حدّ زعمهم، صحّة نظریّتهم الکلامیّة - الفلسفية. في عصر الثورة الدستوریة کذلک تمّ استنباط احکام فقهيه جدیده. لقد کتبت في ذلک المقال بأنّ إقامة نظام الجمهوریة الإسلامیة في ایران عام 1979م أدّی إلی ظهور ظروف تاریخیة خاصة جداً وفریدة تسببت في بطلان النظریّة الکلامیة الفلسفية للفقهاء وعلماء الأصول بجلاء. بطلانها من حیث که حکومة هذه البلاد دینیة ولکن القوانین والأنظمة والتعلیمات الحکومیّة یسنّها مجلس الشوری. ونشکّل مئات المؤسسات. وبواسطة سنّ القوانین و تأسیس المؤسسات الحکومیّة الجدیدة یقوم العباد سواءاً أفراد السلطة أو افراد الشعب بآلاف الأعمال التی لا یمکن استنباط أحکامها من الکتاب والسنّة. وإذا کان الأمر علی هذا النحو فأین ذهبت الحکمة والعلم الإلهيین؟ یحتار المسلمون الیوم شأنهم کسائر الناس في أرجاء المعمورة لأنهم ترکوا لوحدهم عند البتّ بآلاف الأعمال المؤثرة في سعادتنا الدنیویّة والأخرویّة ولا یمکن للکتاب والسنّة مساعدتنا بهذا الخصوص.
• یبدو أنّ مجلس صیانة الدستور یحدّد عملیاً منافاة أفعال العباد سواءاً الحکام منهم أو الرعیّة مع الشریعة الاسلامیّة ویحول دون المصادقة علی تلک الأحکام وتنفيذها.
- عندما نقوم بإعداد الخطّة العشرینیة وفق تجارب أبناء البشر فقط ونعرضها بعد ذلک علی مجلس صیانة الدستور لترقیعها وروافتها، فهل ستفقد هذه الخطّة ماهيتها الفلسفية والعلمیّة والتجریبیّة وستکون مخرجاتها مستنبطه من الکتاب والسنّة؟ وهل یمکن القول بعد المصادقة علیها من قبل مجلس صیانة الدستور والتأکید علی عدم معارضتها لأحکام الشریعة، بأنّ هذا المنتج هو حکم إلهي؟ فنحن الآن بالإضافة إلی أحکام العبادات، نقتات في باقی القضایا من العقل والتجربة البشریین ونحدّد أفعالنا علی ضوئها. قد یقول قائل بأنّ هذه الأمور من المباحات و تقومون بأعمال و نشاطات في أطار المباحات لم یکن من الضروری أن یحدد الله أحکامها. فنّدت هذا الادعاء وقلت بأنّ الأفعال التی نقوم بها استناداً إلی العقل والتجربة البشریین أکثر أهمیةً بمئات الأضعاف من الأفعال والأحکام المذکورة في رسالات توضیح المسائل. فوفق تلک النظریّة، کیف یمکننا الادعاء بأنّ الله جعل 80 % من أفعال العباد ضمن المباحات و لم یحدد أحکامها ولکنّه وضع أحکام الطهارة والنجاسة؟
• یبدو أنّ الفقهاء والأصولیین یعتبرون المباحات منطقة فراغ وأنّ الأصل في الأشیاء الأباحة ما لم یثبت خلافه. ومن جهة أخری یعتقد أنصار هذه النظریة بأنها تدل علی تنوع واتّساع نطاق المتغیرات قیاساً إلی ثوابت الشریعة والفقه ولها القابلیّة للتطبیق علی المبادئ العامّة التی تتعدی نطاق الزمان والمکان في أی عصر ومکان.
- أجل أستوعب ذلک، ولکن إذا إعتبرنا اللجوء إلی العلم والتجربة البشریین في أمور الحیاة، منطقة فراغ فلن یساعدنا ذلک في حلّ المشکلة. فمنطقة الفراغ تلک تغطّی حالیاً کافّة أنحاء الحیاة فقبل مئتین عام اقتصرت منطقة الفراغ المذکورة علی المستثنیات فقط ولم تتعدّی هذه التسمیة نطاق الجوانب الشخصیّة من حیاتنا. تعنی منطقة الفراغ، بأنّ أسسس وأصول المسائل تم تحدیدها ولکن هنالک استثناءات في بعض المجالات. والآن أصبحت منطقة الفراغ تمثّل الأغلبیّة ولایمکن تعمیمها علی علی کافّة نواحی حیاة البشر وفق هذا التعریف الکلاسیکي؟! إذن استنتج بأنّ عصر الأجتهاد الفقهي (وفق مفهوم أنّ الله وضع الأحکام الواقعیّة وأنّ الأحکام الفقهية یمکن أستنباطها من الکتاب والسنّة وأنّ مسئولیتنا البحث عن واجبنا الشرعی عند الأبتلاء بأی فعل أو عمل یخص العباد) قد انقضی لأن وقائع حیاتنا نحن المسلمین في العالم المعاصر تفنّد هذه النظریّة وتبطلها. سیکمل الحوار قریبا.....
الآراء