إن قضية حقوق الإنسان، كانت من أهمّ القضايا البشرية‌ في‌ القرن العشرين، کما أنّها أصبحت تحديا كبيراً لبداية القرن الحادي والعشرين، بحيث تحدد مكانةَ الإنسان وهويته في العالم المعاصر. ويوزن اليوم كثير من الأعمال والتصرفات والبرامج بمعايير حقوق الإنسان والتي تمثل المكانة الحديثة التي حصل عليها الإنسان المعاصر. 

نحن نعتقد أن الإسلام هو أكبر رائد للحرية وأن الحكمة الحقيقية في إرسال الرسل وخاصة النبي الخاتمr إنما هي تحرير البشر من القيود والأغلال، ولذلك فإن الاسلام ‌قد اعتني بحقوق الإنسان عناية فائقة. والله الذي هو خالق الكون والذي خلق الإنسان في أحسن صورة واستخلفه في‌ الأرض وفوض إليه عمارتها، قد أنزل قواعد أساسية لحفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل. 

نحن لسنا بصدد البحث عن المبادئ الفكرية والدينية التي نستمد منها قضيتنا، بل نترك ذلك للتحليلات العلمية للموافقين والمعارضين. نحن نعتقد أنّ الدين الذي نعتنقه يتفق معه كثير من المبادئ الفكرية والقانونية لحقوق الإنسان، ولا شك أن دور الاسلام إنما يظهر للبشرية في بيئة هادئة، حرة مسایرة لكرامة الإنسان. 

حقوق الإنسان كمبدأ

إنّ حقوق الإنسان تراث تاريخي عام ومشترك بين كل الحضارات البشرية، وأنّ كل واحد من هذه الحضارات، خاصةً ما كانت منها منبثقة من تراث الأنبياء، توجد فيها جذور من هذه الحقوق، والحضارة الإسلامية لها دور متميز في هذا المجال، إلا أن حقوق الإنسان ظهرت بشكل منظم ومتماسک نتيجة لجهود مستمرة ومحاولات مثمرة لفلاسفة الغرب بعد عصر النهضة والإصلاح الدیني في أوروبا. وأثمرت هذه المساعي بعد الحرب العالمية الثانية وإنشاء منظمة الأمم المتحدة فتمّت المصادقة علی الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الجمعية العامة لهذه المنظمة. ومع أنه قد مضی أكثر من نصف قرن علی اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتوسيع مفهوم حقوق الإنسان واحاطتها بكثير من جوانب حياة الإنسان، إلا أن هذا الإعلان لايزال يعَدُّ مرجعاً في قضايا حقوق الإنسان. 

إنّنا نری أن حقوق الإنسان تعمل كوسيلة وهدف للتنمية علی حد سواء، ولذلك فإن كثيراً من المشاكل في شتّي الجوانب الإقتصادية والسياسية، والمعرفية والثقافية للحياة، إنما نتجت بسبب عدم الاعتناء بحقوق الإنسان. ولا شك أن تنفيذ إعلان حقوق الإنسان وترسيخه بما يلائم و سننَ المجتمعات الإنسانية و معتقداتها الدينية، سوف يهيئ المجال لحياة شريفة وملائمة للإنسان. 

ومع أن حقوق الإنسان قد أُستغلت في فترات تاريخية مختلفة من قبل الساسة والحكومات و فُسّرت تفسيراً أحادي الجانب و واجهت جموداً سياسياً، إلا أننا نعتقد أن هذه التحديات لا تضرّ بقضية حقوق الإنسان ولا تؤدي إلی يأس أنصارها و الناشطين في مجالها. 

إن حقوق الإنسان تشمل جوانب كثيرةً في حياة الإنسان وتتطور يوماً بعد يوم، ‌ولها معايير ومواصفات في مجال حقوق النساء والأطفال والأقليات الدينية والمذهبية والعرقیة والقومية والحريات العامة والتي تتفق مع كرامة الإنسان. 

ففي مجتمعاتنا مع أن الناس تُنتهك حقوقهم ويُظلمون، إلا أن النساء والأقليات -كل في مجاله الخاص- يواجهن انتهاكات للحقوق أضعاف ما يواجهه غيرهما، فلهذا لابد أن يؤخذ ذلک بعين الاعتبار، ومع أننا نعتقد أنه لا يمکن الفصل بين الجوانب المختلفة لحقوق الإنسان، إلا أنه يجب أن يكون الاعتناء بحقوقهما فوق كل اهتماماتنا وبرامجنا ويجب أن تبذل كل الجهود لتهيئة مجال انساني أفضل لهما. 

يجب أن تراعي حقوق النساء اللاتي يشكلن نصف عدد سكان العالم وينبغي أن يتمتعن بحماية خاصة تتناسب مع دورهن في المجتمع كـــــ"أم" و"زوجة" و"بنت". 

نحن نعترف بتعدد الأجناس والأقوام واللغات والمذاهب و. . . كآية من آيات ‌الله واختبار لتقييم مدی التزام المتدينين بالعدالة والتقوی، ونعتقد أن هذه الفوارق لا ینبغي أن يكون لها دور فى استحقاق الإنسان لبعض الحقوق أو حرمانه منها، بل يجب أن يحافظ علی هذه الفوارق کما هي، وكل من حاول لإزالتها أو جعلها معياراً للتمييز الاجتماعي والقانوني، فقد خالف السنن الإلهية والفطرة الإنسانية، ولذلك يجب منعه وتعزيره ومجازاته علی حسب ما ارتكبه من مخالفة الحق. 

الحلول

إنّ حقوق الإنسان في مجتمعاتنا تعاني من ردود أفعال متناقضة، حيث إن الموافقين لها يتشدّقون بشعارات جوفاء، والمخالفين لها يتعاملون معها بجهل وتعصب، وكل من هذين الموقفين يؤدي إلی الإضعاف في بنية حقوق الإنسان، ولهذه الظاهرة عوامل مختلفة، ولا شك أن انعدام الثقة من ناحية الموافقين لاعتلاء مکانة حقوق الإنسان، تعتبر واحدة من هذه العوامل. 

نحن نرى أن التشدّق بالشعارات الجوفاء، لا يحدث تغييراً جذرياً فى أي مجال، وفى قضية حقوق الإنسان أيضا لا تنتهي إلى أي تقدُّم، بل تؤدي إلی تقويض مكانتها لدى الناس وسحب الثقة عندهم. بناء علی ذلك نقترح حلین لاعتلاء مکانة حقوق الإنسان فى المجتمع وهما التعليم والدعم کآليتين أساسيتين، و الآن نستعرض هذين الأمرين:

التعليم

مع أن غالبیة الإیضاحات حول حقوق الانسان ونتائجها مرتبطة بالجانب السياسى للحياة وتحاول أن تدافع عن المواطنين أمام الحكومات والمؤسسات العامة، إلاّ‌ أننا لانستطيع أن نتجاهل الجانب المعرفي والثقافي لها ولذلك فإن التعليم له دور هام في هذا المجال. 

إن تعاليم الإسلام، وخاصة عقيدة التوحيد، ترشد الإنسان إلی مكانته السامية وحقوقه الإنسانية. ويجب على الناس أن يعرفوا ما لهم من حقوق وماهي إمکانیاتهم لاستیفاء حقوقهم، ولابد أن يكون هذا التعليم عاماً وشاملاً وبعيدا عن الأغراض السياسيه و‌ملائماً لظروف المخاطبين.

نحن نعتقد أن نظرية حقوق الإنسان بأبعادها المعرفية و‌السياسية و‌القانونية تخضع للنقد‌‌ و‌الدراسة ولاشك أن نقدها العلمي و‌البناء يمهِّد الطريق إلی اعتلاء مكانة حقوق الإنسان، ويضيق المجال أمام الإنجرار وراء الشعارات الزائفة والمعارضات العصبية.

الدعم والحمایة

إن ضمانة حياة ملائمة لمكانة الإنسان، في المجتمعات المتخلفة، من الأهداف السامية التي لابد من الاهتمام بها والنضال في سبيلها من قبل كل الفصائل الناشطة في المجالات الفكرية ‌و‌السياسية و‌الثقافية والدينية. فالاعتناء بحقوق الإنسان في عصرنا الراهن من أكثر الطرق اطمئناناً لتحقيق هذا الهدف. 

نحن نرفض في إطار تعاليم الإسلام أى نوع من الإنتهاک لحقوق الإنسان، علی المستوى المحلي و الإقليمي و العالمي، و عندما نؤكد على أهمية استقرار نظام قانوني يضمن حقوق الإنسان، فإننا نعلن في الوقت نفسه حمايتنا ودعمنا للناشطين الذين يلتزمون بمراعاة حقوق الإنسان ويعملون في المجالات الثقافية و‌الإجتماعية و‌السياسية، کما نعلن استعدادنا للحضور في جبهة واحدة للدفاع عن حقوق الانسان.