إن العالم ليفتح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب ؟؟

و قد كان من هؤلاء الإمام حسن البنا؛ الذي اختار دربه بنفسه، و سار فيه سراعاً؛ فصار نوراً و ناراً و غنوةً وعبيراً؛ حتى قضى شهيداً، مرحباً بالمنون، بعدما لبى نداء الإسلام في عصره، و واجه بجرأة و هو معتزٌ بدينه، معتدٌ بشرف الانتساب إليه، فخورٌ أيما فخر بما يحمله؛ لا يرى فيه نقيصة؛ إذ كان يحمل ضميراً حراً عزيزاً، محترماً كدينه و عرضه؛ لا يُساوم عليه، و لا يُباع بأي ثمن، و قد فضل الموت على كذبةٍ أو خيانةٍ يخلّص بها نفسه .

انطلق بدعوته؛ بعدما علم أن الناس في حاجة إلى رجل ذي قلب؛ يفيض من قلبه على قلوب من حوله، و من هذا الفيض الرباني يفيضون هم على من حولهم، و بهذا يتحولون من حال إلى حال، و يخرجون من الظلمات إلى النور؛ فجعل شعاره: سنقاتل الناس بالحب؛ ليدركوا مَنْ هم ؟ و ماذا يريدون ؟ و من أين تكون البداية ؟

وقد كان ـ حقاً ـ ملهماً؛ إذ بنور بصيرته كشف للناس معالم الطريق؛ بعدما رأى الإنسانية معذبة شقية قلقة مضطربة، و قد اكتوت بنيران المطامع و المادة؛ فهي في أشد الحاجة إلى عذب من سؤر الإسلام الحنيف؛ يغسل عنها أوضار الشقاء، و يأخذ بها إلى السعادة .

فأفتى فتوى عصره بعد سقوط الخلافة و انفراط عقد المسلمين، أن العمل الواجب ـ الآن ـ إعادة المشروع الإسلامي؛ الذي نفذه محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أشرف عليه رب العزة بنفسه؛ فكان حسن البنا صدى هذا المشروع في عصرنا؛ فعمل على استكمال الباقي من الإسلام المعطل و دعم الموجود منه .

و ما حمله على هذا إلا رغبة أكيدة في توجيه الأمة توجيها صحيحا يقيمها على أفضل المسالك، و يرسم لها خير المناهج، و يقيها التزلزل و الاضطراب، و يجنبها التجارب المؤلمة الطويلة، و ذلك بالعودة إلى المعين الصافي معين الإسلام، عن طريق إيجاد المفقود منه و دعم الممكن الموجود .

و قد كانت هذه خلاصة فكره و ثمرة تجاربه و اطلاعه على تجربة الإسلام النموذجية التي قام بها محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ وخلاصة قراءة تاريخ الدعوات و الثورات و نهضات الأمم و الاستفادة من مجهودات و أفكار السابقين والمعاصرين له أمثال: جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم المصلحين المخلصين.

و أجمل ما في الأستاذ البنا أنه تلافي ما وقع فيه السابقون و خرج منه بطريقة عملية لتنفيذ المشروع الإسلامي بأن :

1. يضع خطة مكتوبة، شملتها رسالة التعاليم؛ كي لا تضيع الفكرة و طريقة العمل من بعده؛ مثلما حدث لمن سبقوه؛ فيحتار الأتباع ماذا يفعلون من بعده ؟ و لكي يستكملوا البناء؛ فيبدءون من حيث انتهي، و هكذا من سيأتي بعدهم .

2. يربي رجالا يحملون هذا المنهج عن عقيدة و اقتناع، و لأجل هذا ترك تأليف الكتب؛ ليؤلف الرجال الذين يقذف بهم في كل بلدة؛ فيحيونه ـ بإذن الله ـ بالقرآن .

ذلكم الأستاذ حسن البنا، الذي عرف طريقه حقا، و حدد هدفه جيدا؛ فاندفع إليه بكل ما أوتي من قوة، فلم يخلق العداوات، و استثمر كل خير في السامعين؛ فكان نوراً لنا و ناراً على أعدائنا .

  رحمه الله، وشكر له؛ فقد كان الإسلام مفتاحه للقلوب؛ فشاد به صرحا باقيا إلى الآن هو جماعة الإخوان المسلمين فكان حقا البنا حسن .