محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي (بالفارسي: جلال الدين محمد بلخي) (604 هـ - 672 هـ = 1207 - 1273 م) عرف أيضا باسم مولانا جَلَال الدِّين الرُّومي: شاعر، عالم بفقه الحنفية(من مذاهب الفقهي السني) والخلاف وأنواع العلوم، ثممتصوف (ترك الدنيا والتصنيف) كما يقول مؤرخو العرب. وهو عند غيرهم صاحب المثنوي المشهور بالفارسية، وصاحب الطريقة المولوية المنسوبة إلى (مولانا) جلال الدين.
ولد في بلخ في بلاد فارس وانتقل مع أبيه إلى بغداد، في الرابعة من عمره، فترعرع بها في المدرسة المستنصرية حيث نزل أبوه. ولم تطل إقامته فان أباه قام برحلة واسعة ومكث في بعض البلدان مددا طويلة، وهو معه، ثم استقر فيقونية سنة 623 هـ في عهد دولة السلاجقة الأتراك، وعرف جلال الدين بالبراعة في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، فتولى التدريس بقونية في أربع مدارس، بعد وفاة أبيه سنة 628 هـ ثم ترك التدريس والتصنيف والدنيا وتصوّف سنة 642 هـ أو حولها، فشغل بالرياضة وسماع الموسيقى ونظم الأشعار وإنشادها.
تركت أشعاره ومؤلفاته الصوفية و التي كتبت بلغته الأم الفارسية تأثيرا واسعا في العالم الإسلامي وخاصة على الثقافة الفارسية و الأردية و البنغالية والتركية ، وفي العصر الحديث ترجمت بعض أعماله إلى كثير من لغات العالم ولقت صدا واسعا جدا بحيث وصفته البي بي سي سنة 2007 م بأكثر الشعراء شعبية في الولايات المتحدة[1].
حين وفاته في عام 1273م ، دفن في مدينة قونية وأصبح مدفنه مزارا إلى يومنا ، وبعد مماته قام أتباعه وإبنه سلطان ولد بتأسيس الطريقة المولويةالصوفية والتي اشتهرت بدراويشها ورقصتهم الروحية الدائرية التي عرفت بالسماع والرقصة المميزة.
ولد في منطقة بلخ في خراسان وما يعرف حالياً بأفغانستان في 6 ربيع الأول 604 هـ الموافق لـ 30 سبتمبر 1207م. ويَعتقد بعض أتباعه أنه ولد في مدينة صغيرة تسمى واخش في طاجيكستان الحالية[2]. قيل أن نسبه ينتهي إلى أبي بكر الصديّق[3]. وحينها" كانت أبلخ تابعة لأمبراطورية الخوارزم الخرسانية[4]. وكانت عائلته تحظى بمصاهرة البيت الحاكم في "خوارزم". كانت أمه مؤمنة خاتون ابنة خوارزم شاه علاء الدين محمد. وكان والده بهاءالدين ولد يلقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم بالدين والقانون والتصوف.
عند قدوم المغول ، هاجرت عائلته هربا إلى نيسابور ، حيث التقى الرومي هناك الشاعر الفارسي الكبير فريد الدين العطار ، الذي أهداه ديوانه أسرار نامه والذي أثر على الشاب وكان الدافع لغوصه في عالم الشعر والروحانيات والصوفية ، ومن نيسابور سافر مع عائلته وهناك لقب بجلال الدين ، ثم تابعوا الترحال إلى سورياومنها إلى مكة المكرمة رغبة في الحج. وبعدها، واصلوا المسير إلى الأناضولواستقروا في كارامان لمدة سبع سنوات حيث توفيت والدته. وتزوج الرومي بجوهر خاتون وأنجب منها ولديه: سلطان ولد وعلاءالدين شلبي. وعند وفاة زوجته تزوج مرة أحرى وأنجب إبنه أمير العلم شلبي وأبنته ملكة خاتون.
في عام 1228م توجه والده إلى قونية عاصمة السلجوقيين بدعوة من علاء الدين كيقباذ حاكم الأناضول واستقروا بها حيث عمل الوالد على إدارة مدرستها ، تلقى جلال الدين العلم على يدي والده ، ويدي الشيخ سيد برهان الدين محقق من بعد وفاة والده[5] لمدة 9 سنوات ينتهل علوم الدين والتصوف منه ، وفي عام 1240م توفي برهان الدين فانتقل الرومي إلى مزاولة العمل العام في الموعظة والتدريس في المدرسة و خلال هذه الفترة ، توجه الرومي إلى دمشق وقضى فيها أربع سنوات حيث درس مع نخبة من أعظم العقول الدينية في ذلك الوقت ، بمرور السنين تطور جلال الدين في كلا الجانبين ، جانب المعرفة وجانب العرفان.
في عام 1244م وصل إلى مدينة قونية الشاعر الفارسي شمس الدين تبريزي ، باحثا عن شخص يجد فيه خير الصحبة وقد وجد في الرومي ضالته ، ولم يفترق الصاحبان منذ لقائهما حتى إن تقاربهما ظل دافعا لحسد الكثيرين على جلال الدين لاستئثاره بمحبة القطب الصوفي التبريزي ، وفي عام 1248م اغتيل التبريزي ولم يعرف قاتله وبقال إن شمس الدين التبريزي سمع طرقا على الباب وخرج ولم يعد منذ ذلك الحين.
حزن الرومي على موت التبريزي وحبه العميق له فاض بأشعار و موسيقى و رقصات تحولت إلى ديوان سماه ديوان شمس الدين التبريزى أو الديوان الكبير.
وحتى مماته كان الرومي يقدم المواعظ والمحاضرات إلى مريديه ومعارفه وللمجتمع ، ووضع معظم أفكاره في كتب بطلب من مريديه وتوفي في 17 ديسمبر 1273م وحمل نعشه أشخاص من ملل خمسة إلى قبر بجانب قبر والده وسمى أتباعه هذه الليلة بالعرس وما زالو يحتفلون بهذه الليلة إلى الآن[6].
تعاليمه
كان جلال الدين مسلما مؤمناً بتعاليم الإسلام السمحة لكنه استطاع جذب اشخاص من ديانات وملل أخرى وذلك بسبب تفكيره المرن المتسامح ، فطريقته تشجع التساهل اللامتناهي مع كل المعتقدات والأفكار ، كما كان يدعو إلى التعليل الإيجابي ، ويحث على الخير والإحسان وادراك الأمور عن طريق المحبة ، وبالنسبة اليه والى أتباعه فإن كل الديانات خيرة وحقيقية بمفاهيمها ، لذلك كانوا يعاملون المسلمين والمسيحيين واليهود معاملة سواسية[7].
وككل الصوفيين آمن الرومي بالتوحيد مع حبه لله عز وجل هذا الحب الذي يبتعد عن الإنسان ، والإنسان في مهمة ايجاده والعودة اليه ، وبطلب من مريديه وضع الرومي أفكاره ومبادئه في كتاب سماه المثنوي الذي استعمل فيه حياكته خيوط من قصص يومية وإرشادات قرآنية وحكمة من خبرته لينسج كتابا ثمينا ممتلئ بمعان عميقة منتقاة بحذر وعناية.
كان الرومي يستعمل الموسيقى و الشعر و الذكر كسبيل أكيد للوصول إلى الله عز وجل فالموسيقى الروحية بالنسبة له ، تساعد المريد على التركيز على الله بقوة لدرجة أن المريد يفنى ثم يعود إلى الواقع بشكل مختلف ، ومن هذه المنطلق تطورت فكرة الرقص الدائري الذي وصلت إلى درجة الطقوس ، وقد شجع الرومي على الإصغاء للموسيقى فيما سماه الصوفية السماع فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه فعند المولويين التنصت للموسيقى هي رحلة روحية تأخذ الإنسان في رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال ، والرحلة تبداء بالدوران التي تكبر المحبة في الإنسان فتخفت أنانيته ليجد الحق الطريق للوصول إلى الكمال. وحين يعود المريد إلى الواقع ، يعود بنضوج أكبر وممتلئ بالمحبة ليكون خادما للغيره من البشر دون تمييز أو مصلحة ذاتية.
بعد وفاته حول ابنه سلطان ولد تعاليم الرومي إلى سلوك للمريد والذي عُرف بالطريقة المولوية وانتشرت هذه الطريقة في مختلف أصقاع العالم الإسلامي ولاقت صدى واسع في العالم الغربي في العصر الحديث.
أعماله
عادة، تصنف أعمال الرومي إلى عدة تصانيف وهي: الرباعيات ، ديوان الغزل ، مجلدات المثنوي الستة ، المجالس السبعه و رسائل المنبر بالاضافة إلى كتابه الذي صدر مؤخراً باسم قواعد العشق الأربعين[8]
شعره
•مثنويه المعاني: وهي قصائد باللغة الفارسية والذي يسميه بعض المتصوفة بالكتاب المقدس الفارسي. ويعتبره كثيرون من أهم الكتب الصوفية الشعرية.
•الديوان الكبير أو ديوان شمس التبريزي والذي كتبه في ذكرى موت صاحبه العزيز وملهمه في طريق التصوف والشعر. وكتب فيه أكثر من أربعين بيت شعر وخمسين قصيدة نثرية.
•- الرباعيات: وهي منظومة أحصاها العالم الإيراني المعاصر بديع الزمان فوزانفر، كما وردت في طبعة إسطنبول، فوجد أنها تبلغ 1659 رباعياً، أي 3318 بيتاً[9].
قصيده أنين الناي
قصيدة لجلال الدين الرومي ترجمة زهير سالم عن الفارسية بتصرف
•أنصت إلى الناي يحكي حكايته..
•ومن ألم الفراق يبث شكايته:
•ومذ قطعت من الغاب، والرجال والنساء لأنيني يبكون
•أريد صدراً مِزَقاً مِزَقاً برَّحه الفراق
•لأبوح له بألم الاشتياق..
•فكل من قطع عن أصله
•دائماً يحن إلى زمان وصله..
•وهكذا غدوت مطرباً في المحافل
•أشدو للسعداء، وأنوح للبائسين
•وكلٌ يظن أنني له رفيق
•ولكن أياً منهم (السعداء والبائسين) لم يدرك حقيقة ما أنا فيه!!
•لم يكن سري بعيداً عن نواحي، ولكن
•أين هي الأذن الواعية، والعين المبصرة؟!!
•فالجسم مشتبك بالروح، والروح متغلغلة في الجسم..
•ولكن أنى لإنسان أن يبصر تلك الروح؟
•أنين الناي نار لا هواء..
•فلا كان من لم تضطرب في قلبه النار..
•نار الناي هي سورة الخمر، وحميا العشق
•وهكذا كان الناي صديق من بان
•وهكذا مزقت ألحانه الحجب عن أعيننا..
•فمن رأى مثل الناي سماً وترياقاً؟!
•ومن رأى مثل الناي خليلاً مشتاقاً؟!
•إنه يقص علينا حكايات الطريق التي خضبتها الدماء
•ويروي لنا أحاديث عشق المجنون
•الحكمة التي يرويها، محرمة على الذين لا يعقلون،
•إذ لا يشتري عذب الحديث غير الأذن الواعية
نثره
•كتاب فيه ما فيه: وهو كتاب يحتوى على واحد وسبعون محاضرة القاها الرومي في صحبه في مناسبات مختلفة. وهو من تجميع مريديه وليس من كتابته هو[10].
•المجالس السبعة: وهو تجميع لمواعظ ومحاضرات ألقاها في سبع مناسبات مختلفة تتناول مواضيع عن القرآن والحديث الشريف. وتتضمن أشعار فريد الدين عطار وسنائي وللرومي نفسه. وقد قدم هذه المحاضرات بطلب من أشراف القوم مثل صلاح الدين زغرب [11].
•الرسائل: وهي رسائل كتبها بالفارسية إلى مريديه ومعارفه ورجال دولة وتأثير. وهي تدل على اهتمام الرومي وانشغاله بمعارف ومريديه وما أصبح له من تأثير كبير.
أشهر اقواله
•مَنْ لا يركض إلى فتنة العشق يمشي طريقا لا شيء فيه حي.
•إنك قد رأيت الصورة ولكنك غفلت عن المعنى.
•هكذا أود أن أموت في العشق الذي أكنه لك. كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس.
تأثير مؤلفاته
كانت لمؤلفات جلال الدين البلخي التأثير الكبير في الأدب الفارسي والتركي والأوردي كما أثر في التصوف. تمت ترجمة العديد من مؤلفات جلال الدين البلخي إلى اللغات العالمية المعاصرة ومن ضمنها اللغات الأوربية. كما غنى نجوم موسيقى بوب غربيون مثل مادوناترجمات اشعار الرومي لتعظيمه قوة الحب، واعتقاده في الفائدة الروحية للموسيقى والرقص.
مصادر
1.^ BBC
2.^ أناماريا شيميل، "I am Wind, you are Fire"، صفحة 11
3.^ Fundamentals of Rumi's Thought By Sefik Can, M. Fethullah Gulen،
4.^ لويس فرانكلن، Rumi Past and Present، نشر وون ورلد ،2000
5.^ نقلا عن مجلة نوفمبر 2007، عدد 588
6.^ حياة الرومي
7.^ مولانا جلال الدين الرومي
8.^ http://www.abjjad.com/book/2138898432
9.^ [1]
10.^ لويس فرانكلين, Rumi: Past and Present, East and West – The Life, Teachings, and Poetry of Jalal al-Din Rumi, دار ون وورلد, 2000,
11.^ نفس المصدر