في هذا المقال نُلقی الضوء علی جدوی الحوار في عهد الرئیسین محمد خاتمي في إیران و محمد مُرسي بمصر

کان الرئیس محمد خاتمی أحد رواد المعاصرین في الحوار و التفاوض حیث کان دأبه الدائب کرئیس للجمهوریة الدعوةَ إلی الحوار داخلیا و خارجیا . فبینما کان معارضوه یضیقون الخناق علیه ، لم یر بدّا من التفاوض معهم و الدخول في باب الحوار....  أثمرت جهوده المضنیة آنذاک ثماره في الداخل و الخارج و ربّی جیلا -طوال مدة تولیه الرئاسة- یؤمن بالحوار و الخطاب الهادئ .و قد سجل التاریخ ذلک العهدَ الذهبي و لن ینسی الإیرانیون الإنجازاتِ التي حققوها في تلک الفترة الزمنیة . إن إصرار الرئیس خاتمی قد أثّرفي تلطیف الأجواء الدولیة المتوترة  ، خاصة في ظل رعونة السیاسات الأمریکیة التي تحکم العالم و تدمّر حضارات الشعوب و تنهب ثرواتها وتحتلّها بذریعة واهیة ألا وهی «مکافحة الإرهاب» ؛و وصل الأمر بالرئیس الأمریکي «جورج بوش الابن »أن یکون أبرز سیاساته في هذا المضمار ، تطبیق تلک القولة الخبیثة :«من کان معي فهو قدّیس، ومن لیس معي فهو إبلیس». لقد کان نفسُه رائد الأبالسة ، لما قام به من تدمیر العراق و أفغانستان و احتلالهما وقتل ملایین من البشر وإثارة الفتنة بین الشعوب في کثیر من البلدان الإسلامیة ، والتي ماتزال تزهق الأرواح و تشتّت شمل الأمة و تفتّ في قدراتها . لکن الخطاب الهادئ الذي بدأه الرئیس خاتمي جعل الأممَ المتحدة أن تسمي إحدی السنوات في ذلک العهد بعام «حوار الحضارات» ، وذلک لإفشال خطة «صراع الحضارات » التي قد طرحها «صامویل هنتنجتون» ، و کان ذلک إنجازا کبیرا للرئیس و بلاده التي کانت تعانی من مشاکل عدیدة .

    لکن الأمر تعدی ذلک و همّ السید خاتمي أن یفتح باب الحوار مع أجناس أخری و قد طال حوارُه شیاطین الجنِّ !! فعندما زار بیت الله الحرام لیحج بیته الشریف ، قام بأداء کل مناسک الحج ، لکن عندما وصل إلی رمي الجمرات و همّ برجم الشیطان و أخذ بعض الحَصَیات ... تردد عدة مرات في رجم العقبة! شاهده أناس کثیرون ، حتی اقترب منه أحد الحجیج في ذلک الزحام سائلا : لماذا لا ترجم ؟ لماذا أنت متردد؟ فمکث خاتمي ثم أجاب : ربما نحلّ مشاکلنا مع الشیطان عبر الحوار ! إذا ما حلت قضایانا معه بالحوار لماذا ألجأ إلی الرجم !! کان الإیرانیون یتندرون بهذه النکتة في مجالسهم لسنوات عدة و یرون أن الخاتمي لم یکن یعرف طریقا إلا طریق الحوار و التفاوض ! ربما سأل سائل لماذا هذا التفاؤل الکبیر بالحوار ؟! الجواب سهل و بسیط والحق مع خاتمي لأن ربه قد حاور إبلیس عندما خلق آدم و أمره بالسجود لآدم فاستکبر و أبی ! ربما قال خاتمي في نفسه إذا حاور ربي الشیطانَ فکیف لا أحاوره؟!

لم یخل أی عصر من العصور من رواد کالسید خاتمي ! لقد مضی علی عهده قرابة سبع سنوات حتی ظهر في مصر رئیس للجمهوریة و هو محمد مُرسي ، الذي أصبح أول رئیس شرعي و منتخب بعد سنوات طوال من الظلم و الطغیان . هل کان مرسي یرید أن ینهج منهج الحوار مع معارضیه لحل جمیع المشاکل التی أصبحت مصر فیها غارقة ، خاصة فی ظل الفساد المستشری للدولة العمیقة التی قتلت الأرواح و الأفکار وخربت البلاد ؟! هل کان یظن بأن جهوده تثمر کما أثمرت جهود خاتمي بعض الشئ ؟ أم کان معارضوه أو متآمرون علیه من جنس آخر غیر البشر ؟ نعم،  کانوا بشرا لکن متخلقین بصفات الشیاطین! کان معارضوه من أطیاف لا یعرف تعقیدها و تشرذمها إلا الله تعالی ! لقد دعاهم الرئیس إلی الحوار و التفاوض أکثر من مرة لکن دون جدوی ! « فقد کذبوا بالحق لما جاءهم » ما إن أُعلنت نتیجة الانتخابات الرئاسیة الحرة النزیهة و شهد بنزاهتها الأعداء قبل الأصدقاء حتی أعلن الفاشلون الذین لا رصید لهم اجتماعیا و خلقیا داخل مصر وخارجها خطتَهم الماکرة لتصدي الرئیس و برامجها بکل ما لدیهم من المکر والتزویر والاعقلانیة ! من أول یوم اختاره الشعب ، قرر المتآمرون علیه أن یعارضوه في کل صغیرة و کبیرة و تفوّهوا بکلمات نابیة، و شتموه بأقذع الشتائم ! کانت قنواتهم الفضائیة طوال هذه الفترة تبث السموم في آذان الناس وأذهانهم لیشوّهوا علیهم الحقائق التی کانت خافیة علیهم منذ سنوات طوال. هذه القنوات التي تُموَّل بالأموال المنهوبة للشعب المصری المظلوم  کانت و ما تزال تُفبرک ما تشاء ضد مرسي و إنجازاته دون خوف من ملاحقة قضائیة عادلة. حتی المرجفون الذین ألصقوا تُهَما شتّی بمرسی و من معه کانوا فی مأمن من المثول أمام قضاء تسعون بالمأة من قضاته یرون حسنی مبارک وليَّ نعمتهم کما جاء في إحدی مقالات الأستاذ فهمي هویدی...القضاء الذي أقام مهرجان التبرئة للمجرمين الذين لطخوا أيديهم بدماء ثورة 25 يناير! ما أعدل القضاء وما أروعها!  

سیادة الرئیس ! إن هؤلاء لا یؤمنون بأي مبدإ من المبادئ؛ فلا یؤمنون بالحوار والتفاوض، ولا بالدیمقراطیة التي یتشدقون بها ویزمّرون لها ، ویکفرون بکل شئ حتی المبادئ التي یدعون إلیها ! « فهم في أمر مریج »! فهم في أمر مختلط  و التبس علیهم کل شئ !  ألم یقل الله تعالی ( ولا تجادلوا أهل الکتاب إلا بالتي هي أحسن إلاّ الذین ظلموا منهم ...) إن هؤلاء هم أظلم وأطغی منهم بکثیر.جاؤوا بانقلاب عسکری مدعم بقرار دولي وخلیجی بالاستعانة من بعض الخونة من العسکریین و المدنیین و بعض الرموز الدینیة التي لا یمثلون طوائفهم  ... و فعلوا ما فعلوا و لحق بهم وصمة عار و خزي وعده الله الظالمین « ذلک لهم خزي في الدنیا ولهم في الآخرة عذاب عظیم» 

سیادة الرئیس ! لو طبقت ما کتب لک الأستاذ محمد عباس الکاتب الإسلامي والمفکر السیاسی الشهیر في رسالة بعثها لک قبل بضعة أسابیع بأن تضرب بالقبضة الحدیدیة تلک الخلایا المفسدة التي لا تعرف إلی الحوار سبیلا ؛ وتغلق تلک القنوات التي کانت العمود الفقری للمتآمرین علیک لَانتهی أمرهم وصاروا أثرا بعد عین !

سیادة الرئیس! إنني أعلم جیدا بأنک قد تربّیت في مدرسة الإمام الشهید حسن البنا الذي قال یوما لأحد رفاقه في سبیل الدعوة إلی الله وهو دکتور « حسان حتحتوت» : « والله لأقاتلنَّ الناس», فسأله الدکتور حسان: بم تقاتل الناس؟! فأجاب الإمام:«بالحب!»..نعم لقد تربیت في هذا «الصرح الذي کلُّ ما فیه حسن، لا تسلني من بناه إنّه البنا حسن !» إنك لا تعرف شيئا غير الحبّ و المودة لجميع الناس؛ لکني علی یقین تام بأنهم لا یستحقون أن یُوصفوا بوصف «الناس »بل هم«الخُنّاس»الذین یوسوسون في صدور الناس عبر إعلامهم الكاذب ویدوسون کل المقومات الإنسانیة....

سیادة الرئیس! أقول لک و لأنصارک الذین یفتدون بأرواحهم حتی رجوع الشرعیة وعودتک  إلی منصبک، انتبهوا و لا تنسوا ما قال الله للمؤمنین « لاتتخذوا بطانة من دونکم لا یألونکم خبالا قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أکبر.. ». کم دعونا أن یجعل الله لک بطانة صالحة ؛ لکن الذین تجري النجاسة في عروقهم لن یصلحوا بالدعاء ...

ارفضوا کل الدعوات التي تدعو إلی الحوار مع شیاطین الإنس لأنه لن یُجدي أبدا ....