ثلاثة سيناريوهات حول مصير نووي إيران صابر كل عنبري السبت، 28 أبريل 2018 02:44 م 0 اقتربنا من موعد 12 مايو/ أيار، الذي تنتهي فيه مهلة الأشهر الأربعة التي حددها الرئيس الأمريكي لتعديل الاتفاق النووي مع إيران بما يلبي مطالبه الأربعة، وهو ما رفضته طهران حتى اللحظة جملة وتفصيلا، مؤكدة على لسان أكثر من مسؤول أنها لن تقبل بتجزئة خطة العمل الشاملة المشتركة، فإما أن تبقى كما هي أو لا. اقتراب هذا اليوم، وزيارة كل من الرئيس الفرنسي إيمانوئيل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تصدر الاتفاق النووي أجندتهما، جعل هذا الاتفاق ومصيره المحتمل حديث الساعة في الأوساط السياسية والإعلامية الإقليمية والدولية، تتخلله تساؤلات عديدة بهذا الشأن. جملة ما تمخض عن لقاءات ماكرون وميركل في الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات مع نظيرهما الأمريكي ومؤتمرهم الصحفي، لا توحي بتراجع محتمل للرئيس الأمريكي عن موقفه الرافض للإبقاء على هذا الاتفاق، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مؤتمر صحفي بعد اجتماع لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي يوم الجمعة 27 أبريل، بالقول إن الإدارة الأمريكية ستنسحب من الاتفاق النووي في حال عدم تعديله. على أرض الواقع لم ترفع العقوبات، وحتى المرفوعة منها ظلت في جوهرها، ومن جهة أخرى، الحرب النفسية التي تشنها واشنطن على هذا الاتفاق حالت دون تدفق استثمارات أجنبية تذكر إلى إيران. كما أن التصريحات التي خرجت عن اجتماعات الزائرين الأوروبيين في واشنطن، ترجح وجود تفاهمات سرية بين الأوروبيين والأمريكان حول مصير الاتفاق النووي، ستكشف عنها الأيام والأسابيع التي تلي يوم السبت 12 مايو. طبعا تلك التفاهمات إن حصلت بالفعل تؤكد أن الهدف من هذه الزيارات لم تكن إقناع دونالد ترامب بالإبقاء على الاتفاق النووي لصعوبة ذلك على ما يبدو أو لأسباب أخرى، وإنما استهدفت وضع اللمسات الأخيرة على ما يجري سرا بين الجانبين وفق مبدأ توزيع الأدوار. ما يدفع إلى هذه القناعة هو الموقف الأوروبي الضعيف من سياسة إدارة ترامب تجاه الاتفاق النووي، وعدم قيام الأوروبيين بعمل كاف للحفاظ على هذا الاتفاق وتنفيذه بالكامل من قبل واشنطن، فضلا عن العزوف عن الوقوف الفعلي ضد ممارساتها للانقضاض عليه. فعلى سبيل المثال مازالت ترفض البنوك الأوروبية الكبرى التعامل مع المصارف الإيرانية بعد رفع العقوبات منذ يناير 2016، موعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ. ناهيكم عن امتناع أوروبا عن القيام بما يلزم لوقف المحاولات الأمريكية التي حدت إلى حد كبير من المكاسب الاقتصادية التي كانت تتوخاها طهران من هذا الاتفاق. فمن جهة، وعلى أرض الواقع لم ترفع العقوبات، وحتى المرفوعة منها ظلت في جوهرها، ومن جهة أخرى، الحرب النفسية التي تشنها واشنطن على هذا الاتفاق حالت دون تدفق استثمارات أجنبية تذكر إلى إيران. بناء على ما سبق، المرجح أن يحدث أحد السيناريوهات الثلاثة التالية يوم 12 مايو القادم: السيناريو الأول: الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي دون أن تستأنف فورا العقوبات التي رفعت بموجب الاتفاق، أو اذا استأنفت ستكون عقوبات جزئية ومرحلية. السيناريو الثاني: تمديد المهلة لفترة محددة أخرى أي أن يقبل الرئيس دونالد ترامب بعد زيارة ماكرون وميركل بتمديد المهلة الممنوحة لفترة أخرى لإعطاء مزيد من الفرصة للأوروبيين للتفاوض مع طهران حول الاتفاق التكميلي الذي ظلت ترفضه. السيناريو الثالث: أن تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، وفي الوقت نفسه تعيد فورا فرض جميع العقوبات على طهران دفعة واحدة. هذا الاحتمال هو الأكثر خطورة، يدمر الاتفاق النووي تدميرا مرة واحدة دون التقسيط، فحال لجأت واشنطن إلى هذا السيناريو ورضخت أوروبا له من خلال استئناف العقوبات على طهران، سيدفع ذلك الجمهورية الإسلامية إلى ردة فعل سريعة عبر استئناف أنشطتها النووية التي أوقفتها بفعل الاتفاق النووي. اليوم الكرة في ملعب الأوروبيين، فهم إن أرادوا ولم يرضخوا للأمريكان بمقدورهم إنقاذ الاتفاق النووي، حتى وإن خرجت منه الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تفعيل قانون Blocking Regulation الذي يمنع الشركات الأوروبية من التماشي مع أي عقوبات أمريكية فيما يتصل برجحان حدوث أي من الاحتمالات الثلاث، يمكن القول أن الثلاثة غير مستبعدة وواردة، أما الأول يظل هو الأكثر ترجيحا، وقوعه سيؤكد وجود تلك التفاهمات السرية بين الأمريكان والأوروبيين وفق مبدأ توزيع الأدوار. فعدم استئناف العقوبات وفق هذا السيناريو بالرغم من الانسحاب الأمريكي تستهدف تحقيق عدة أمور، أولا، توجيه مزيد من الضغط على إيران تحت طائلة التهديد باستئناف العقوبات، وثانيا، إعطاء مزيد من الوقت للأوروبيين للضغط على طهران لدفعها نحو التفاوض لتعديل الاتفاق النووي. وثالثا، لكي لا تقوم إيران بردة فعل قوية من خلال الخروج من الاتفاق واستئناف أنشطتها النووية، تخرج البرنامج النووي الإيراني من الرقابة المشددة للمنظمة الدولية للطاقة الذرية. هذا السيناريو يحقق للرئيس دونالد ترامب ما وعد أو توعد به منذ توليه الرئاسة من جهة، ويرضي الأوروبيين من جهة أخرى من خلال عدم إعادة فورية للعقوبات، ما لا يؤدي إلى انهيار الاتفاق، ويسمح لهم بمواصلة العمل مع الإيرانيين لإقناعهم بالجلوس على طاولة التفاوض. بالمجمل اليوم الكرة في ملعب الأوروبيين، فهم إن أرادوا ولم يرضخوا للأمريكان بمقدورهم إنقاذ الاتفاق النووي، حتى وإن خرجت منه الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من خلال تفعيل قانون Blocking Regulation الذي يمنع الشركات الأوروبية من التماشي مع أي عقوبات أمريكية. وكذلك العمل مع بقية شركاء الاتفاق أي الصينيين والروس للحفاظ على هذ الاتفاق. أما بطبيعة الحال، ثمة عوامل تمنع أوروبا من التضحية بمصالحها المتداخلة مع الأمريكان والدخول في مواجهة صعبة ومباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي مع طهران. الخلاصة أن واشنطن تريد من خلال موقفها الرافض للاتفاق النووي الذي تعتبره سداً أمام محاولاتها الرامية إلى إرغام طهران لتقديم تنازلات مؤلمة في الملفات الخلافية معها، تريد إجبار إيران على التفاوض للتوصل إلى اتفاق شامل يعالج تلك الملفات كافة، بما فيها الموقف من "إسرائيل" في نهاية المطاف. فما لم يتحقق هذا الهدف إلا بانهيار هذا الاتفاق من خلال الانسحاب وإعادة فرض العقوبات مجددا، فستفعل إدارة ترامب ذلك دون تردد. أما شركاء الاتفاق النووي الأوروبيين، رغم أنهم يريدون أيضا الوصول إلى تلك النتيجة أي الاتفاق الشامل، لكنهم يرفضون أن يكون ذلك على حساب الاتفاق النووي وانهياره، لأن العقبة الكؤود أمامهم هو انعدام بديل منطقي للاتفاق النووي يعالج البرنامج النووي الإيراني على حد تعبيرهم، هذا ما أكد عليه ماكرون في تغريدة له قبيل زيارة لواشنطن، بقوله إنه لا يوجد أي بديل، إلا اذا تفكر واشنطن بالخيار العسكري كبديل، وهذا مستبعد في الوقت الحاضر. وعليه، على الأغلب ناقش الجانبان الأوروبي والأمريكي خلال زيارة ماكرون وميركل الأخيرة سبل دفع إيران إلى اتفاق شامل دون انهيار الاتفاق النووي، سواء عبر الآلية التي تم شرحها وفق السيناريو الأول أو آليات أخرى متفقة عليها.