لقد وصلتِ الأمَّة إلى حالة أصبح فيها إزهاق النَّفس البشريَّة ضربًا من اللَّهو، أو نوعًا من التَّرف الدُّنيويّ، وتعلو الأصوات بالتَّكبير والتَّهليل عليها، وكأنَّ فتحًا عظيمًا قد جنته الأمَّة في ذلك، متستِّرين بالدِّين، في محاولة لاستغلال العاطفة البشريَّة التي جُبلتْ على التَّعلُّق بخالقها وبارئها، وهو ما درج عليه السَّاسة العرب خاصَّة من أجل التّمسُّك بالسُّلطة، وإخضاع الشُّعوب تحت مسمَّى «الدِّين».

لكنَّ حقيقة الأمر هم يقودون «الأمَّة» إلى هلاكها، سواء من خلال الاقتتال الحاصل بين «طوائف الأمَّة» التي كثرت فيها المسمَّيات، وتعدَّدت المشارب، وتنوَّعت المسالك، وكلٌّ يزعمُ أنَّه قد جاوز القنطرة، وأنَّه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأنَّ مفاتيح أبواب الجنَّة بين يديه، يدخل فيها من يشاء، ويحرمها من يشاء، تعالى الله عمَّا يقولون علوًا كبيرًا. أو من خلال الخلاف «الفقهيّ المذهبيّ».

بل إنَّ الديِّن الإسلاميّ، الذي هو دين الله في الأرض، بريء من أفعالهم، وأقوالهم، وما وصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا من خلال الفهم الخاطئ للدِّين، وهو ما أسميناه في أكثر من موضع بــ«تحريف القرآن بالتَّأويل»، وأيُّ تحريف أعظم من الاستهانة بقتل النَّفس البشرية بغير وجه حقٍّ؟

ولو عدنا إلى كتاب الله سبحانه وتعالى الذي قال عنه «الحكيم» جلَّ وعلا: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}فصلت42، لوجدنا حقيقة ثابتة، لا محيد عنها، في احترام النَّفس الإنسانيَّة التي كرَّمها الله على جميع خلقه، حيث قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}الإسراء70.

إنَّ «القرآن الكريم» لم يترك إزهاق «النَّفس البشريَّة» رهنًا باجتهاد «إمام»، أو استنباط حكم من قبل «عالم»؛ بل حدَّد ضوابطها، وبيَّن مسلكها، فكانت واضحةً وضوح الشَّمس في رابعة النَّهار، لا يماري فيها إلا جاهل، أو مجادل، أو معاند لكتاب الله وآياته العظيمة.

لقد ذكر «القرآن الكريم» آيةً غاية في الدِّقَة والوضوح في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}الأنعام151، وفي موضع آخر قال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ}الإسراء33.

ولا شكَّ أنَّها قد وضعتْ منهجًا بيِّنًا لـ«لنَّفس البشريَّة»، ولا يجوز إزهاقها إلا بـ«الحقّ»، لكن ما هو «الحقّ» الذي من أجله قد يلجأ صاحب الشَّأن لإزهاقها؟ مع الإشارة إلى استخدام لفظ «النَّفس» مما يدلُّ على إرادة مطلقة لـ«لنَّفس»، دون تقييدها بمعتقد، أو مذهب، أو طائفة! ولمعرفة ذلك، كان لزامًا علينا العودة إلى ما ذكرته كتب «التَّفسير» في ذلك، لنقف على ما أوروده في تفسيرها، ثمَّ نبيِّن القول الصَّائب فيها بإذن الله.

فها هو «الطَّبري» في «جامع البيان» يقول عند تفسيرها: «يعني بالنّفس التي حرّم الله قتلها، نفس مؤمن أو معاهد وقوله: (إلا بالحق)، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسا فتقتل قودا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، أو ترتد عن دينها الحق فتقتل. فذلك (الحقّ) الذي أباح الله جلَّ ثناؤه قتل النّفس التي حرّم على المؤمنين قتلها به».

والظَّاهر أنَّ «الطَّبريِّ» يجتهد في تفسيرها برأيه؛ لأنَّه لم يجرِ على عادته في ذكر أقوال أهل الأثر في تفسيرها، ويرى أنَّ هناك ثلاثة أسباب للقتْل:

الأوَّل: قتل النَّفس بالنَّفس.

الثَّاني: الرَّجم حتى الموت في حالة زنى المحصن.

الثالث: الارتداد عن الدِّين.

ولم يحتجَّ «الطَّبريُّ» لما قاله بأدلَّة تثبت صحَّة دعواه، لكنَّنا سنجدها عند غيره من أهل «التَّفسير»، كـ«البغويّ» في تفسيره حيث يقول: «حرّم الله تعالى قتل المؤمن والمعاهد إلا بالحقّ، إلا بما يبيح قتله من ردة، أو قصاص، أو زنا يوجب الرَّجم.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، ثنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، ثنا حاجب بن أحمد الطوسي، ثنا محمد بن حماد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزَّاني، والنَّفس بالنّفس، والتّارك لدينه، المفارق للجَماعة».

ونلاحظ أنَّ «البغويّ» قد ذكر الأسباب الثَّلاثة ذاتها التي ذكرها «الطَّبريّ»، إلا أنَّه قد جاء بـ«حديث» يثبت ما ذكره، لكن عند متابعة ثلَّة من العلماء الآخرين من المفسِّرين، نجد أنَّ هذه الأسباب الثلاثة المتعلِّقة بقوله تعالى: «الحقّ»، قد زيد عليها، وأصبحت خمسة أو ستَّة أو أكثر، ممَّا يشير والله أعلم إلى أمرين:

الأوَّل: أنَّ هناك إدراجًا واجتهادًا حدث في مرحلة متأخِّرة، وتطوِّرًا دينيًا وفقهيًا أدَّى إلى إيجاد هذه الزِّيادة، إذ لو كانت موجودة لذكرها «الطَّبري»، وهو أوَّل «تفسير بالمأثور» قد وصل إلينا.

الثَّاني: أنَّ ثمَّة أقوالاً مأثورة، أشارت إليها، ولم تصل إلى «الطَّبريّ» وغيره، فلم يذكرها، وهو بعيد، والأوَّل أقرب إلى الصَّواب وهو ما نرجِّحه ونميل إليه.

ومن هذه الزِّيادة ما وجدناه عن «القرطبيّ» مثلا، حيث يقول:

«وهذه الآية نهي عن قتل النَّفس المحرّمة، مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحقّ الذي يوجب قتلها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم ماله ونفسه إلا بحقّه، وحسابهم على الله»

ثم يبيِّن «القرطبي» رحمه الله معنى الحقّ فيقول: «وهذا الحقّ أمور: منها منع الزكاة، وترك الصلاة; وقد قاتل الصِّديق مانعي الزكاة. وفي التّنزيل: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم). وهذا بيِّن. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزَّاني، والنَّفس بالنّفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة. وقال عليه السَّلام: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما. أخرجه مسلم. وروى أبو داود عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. وسيأتي بيان هذا في (الأعراف)، وفي التّنزيل: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتَّلوا). الآية . وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا). الآية. وكذلك من شقَّ عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم وفرَّق كلمتهم وسعى في الأرض فسادًا بانتهاب الأهل والمال والبغي على السُّلطان، والامتناع من حكمه يُقتل. فهذا معنى قوله: (إلا بالحق). وقال عليه السَّلام: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين. . وروى أبو داود والنسائي عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قتل معاهدًا في غير كنهه، حرَّم الله عليه الجنة».

والظَّاهر أنَّ «القرطبيّ» إضافة إلى ما ذكره «الطَّبريّ» و«البغويّ» قد أورد حالات جديدة، وأسبابًا أخرى تحت معنى «الحقّ»، فذكر قتل الخليفة الثَّاني إذا بويع لأحدهما، وما ندري من الذي على صواب، حتى يُقتل الآخر؟ وذكر «اللوطيّ»، وذكر «المحاربين لله ورسوله»، و«المفسدين في الأرض». وذكر «السَّاعي إلى شقِّ عصا المسلمين»، المخالف لإمام جماعتهم، والباغي على السُّلطان.

والذي أراه في بعض هذه الحالات أنَّها ذات منشأ سياسيّ، له علاقة مباشرة بـ«الإمامة»، و«الخلافة»، كما هو ظاهر من معناها، إذ تتعلَّق بالخروج على طاعة «الإمام»، ولا شكَّ أنَّ الظُّروف السِّياسيّة في تلك المرحلة جعلت «العلماء» يتجهون مثل هذه الاتجاهات، خاصَّة أنَّه قد ذكر «أحاديث» منسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشير إلى هذه الحالات، ولم نجد لها ذكرًا في «الطَّبريّ» أو «البغويّ» على سبيل المثال، لذلك نرى ضرورة البحث في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة لعصر «المفسِّر» حتى تتجلَّى لنا كثير من التَّناقضات التي نراها حاليًا.

ويؤكِّدُ ذلك أنَّ «القرطبيّ» نفسه قد أشار في موضع آخر من تفسيره إلى ثلاثة فقط، فقال: «وقد حرَّم الله القتل في جميع الشّرائع، إلا بثلاث خصال: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس ظلمًا وتعديًا. أو فساد في الأرض، أي: شرك، وقيل: قطع طريق».

في حين لا نجد «ابن كثير» قد ذكر إلا ما وجدناه عند «الطَّبريّ»، حيث يقول: «فقد جاء في الصّحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحلُّ دم امرئ مُسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيِّب الزَّاني، والنَّفس بالنّفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة».

والسُّؤال المطروح هنا: أين «الأحاديث» التي أوردها «القرطبيّ» في ذلك؟ لمَ أغلفها «ابن كثير» في تفسيره؟ ولا حجَّة لمن يرى أنَّ «ابن كثير»كان متابعًا لـ«لطَّبري» في تفسيره على أنَّه تفسير بالمأثور؛ لأنَّ «ابن كثير» قد أورد «الحديث» الذي يثبت صحَّة دعواه، وهو ما لم نجده عند «الطَّبريّ»، ولا شكَّ أنَّه في عودته لـ«لحديث» قد وقع على «الأحاديث» الأخرى التي رأيناها عند «القرطبيّ».

وبعد هذا العرض لما أوردته بعض كتب «التَّفسير» لمعنى «الحقّ» الذي يوجب قتل «النَّفس البشريَّة»، وما أوردوه من أدلَّة على ذلك، نسأل أنفسنا: هل كان ما ذهبوا إليه صوابًا؟ وهل كان اجتهادهم في تفسير ذلك حقًّا؟

والذي نراه والله أعلم، وباعتماد منهج «تفسير القرآن بالقرآن» أنّ اجتهادهم كان بعيدًا، ولم يكونوا مصيبين في ذلك، لسببين:

الأوَّل: الزَّيادة التي طرأت على الحالات التي توجب فيها إزهاق «النَّفس البشريَّة، حيث كان ثلاثة عند «الطَّبريّ» لتصل إلى أكثر من خمسة عند «القرطبيّ»، مما يشير إلى أنَّه لا مقياس واضحًا في معرفة ذلك.

الثَّاني: أنَّ «القرآن الكريم» قد قطع الطَّريق على هؤلاء، إذ لا يمكن لـه كما أشرنا أن يترك «النَّفس البشريّة» رهينة اجتهاد «المجتهدين»، يُحلِّون قتلها متى شاؤوا، ويتركونها متى شاؤوا، وقد بيَّن «القرآن» نفسه هذا «الحقِّ» الذي اختلفوا فيه، وأوضح بما لا يدع مجالاً للشكَّ أنَّ «القتْل» لا يكون إلا في حالٍ واحدة فقط، لا ثانية له، وهي في قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}المائدة32.

وقد بيَّن في مواضع أخرى حكم «القاتل»، كقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}المائدة45، وقوله أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }البقرة178.

ولمعترض أن يقول: إذا كان «الحقّ» كما أشرتم محصورًا بقتل «النَّفس» فقط، وهو «القصاص»، فما تفسيركم لقوله تعالى في الآية نفسها {أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ}المائدة32. أليس فيه عطف على الأولى، وهي حالة ثانية؟

نقول: ليست حالا ثانية، ولا تدخل ضمن «الحقِّ» الذي هو «القصاص»، ويدلَّ على صحَّة مذهبنا هذا أمران:

الأوَّل: احتمال أن تكون «أو» بمعنى «التَّفصيل»، وأيُّ فساد في الأرض أعظم من قتل «النَّفس البشريَّة»؟ خاصَّة أنَّهم اختلفوا في تفسير الفساد، فمنهم من ذهب إلى أنَّه الشِّرك بالله، بينما ذهب آخرون إلى أنَّه قطع الطِّريق.

الثَّاني: أنَّ «القرآن» نفسه قد بيَّن أن حَّد «المفسد في الأرض» لا ينحصر في قتله؛ بل هناك حدود أخرى له، كـ«قطع أطرافه»، أو «نفيه من الأرض»، فقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}المائدة33.

والظَّاهر من هذه الآية أيضًا أنَّ ما ذهبوا إليه ومنهم «القرطبيُّ» من أنَّ «المحارب لدين الله ورسوله» يُقتل على إطلاقه ليس بصحيح،  فلا ينحصر الحدُّ في قتله فقط، وليس هو «القصاص» الوحيد، أو الحدِّ الفريد، وإنَّما ذكره «القرآن» هنا، وذكر «الإفساد» للتَّبيين، فإنْ كان «المحارب» أو «المفسد» قد أوصله الأمر إلى قَتْل «نفس بشريَّة» فهو داخل في حدِّ «القصاص»، وراجعٌ إلى حكم «الحقِّ» الذي هو «قتل النَّفس». وإن كان غير ذلك، فله حدود ثانية اشتملت عليها الآية.

وبالتَّالي فإنَّ جميع ما ذكروه من حالات توجب قتل «النَّفس البشرية» «بغير نفسٍ» كـ«الرِّدة»، أو «منع الزَّكاة»، أو «الفساد في الأرض» غير المقترن بـ«قتل النَّفس»، أو «الرَّجم» غير صحيح، ومجانب للصَّواب، وما ورد من أحاديث منسوبة إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك نراها تخالف النَّصَّ الصَّريح لـ«لقرآن الكريم»، فلا يُلتفت إليها. والله تعالى أعلم.