قد تبني المعهد العالمي للفكر الاسلامي مصطلح أسلمة المعرفة فی عام1986 و أصدر کتاباً بعنوان« إسلامية المعرفة– المبادئ العامة – خطة العمل – الإنجازات» و قام بشرح هذا المصطلح فيه و بعد ذلك استخدم هذا مصطلح من قبل بعض الباحثين لأسلمة المعرفة في مختلف فروع العلوم و الدراسات الإنسانية و الاجتماعية. و قدم المعهد خطة تشتمل علی أولويات عمل للأمة في إنجاز خطة إسلامية المعرفة بحيث أوضح أن إسلامية المعرفة في مسيرة حياة الأمة تمر بمرحلتين أساسيتين علی نحو التالي:
أ - المرحلة الأولی:
أولاً : إتقان العلوم الحديثة:
و يعني أن الدارسين المسلمين للعلوم الحديثة يجب أن يتقنوا هذه العلوم في قضاياها و مناهجها ، و أن تقدم إليهم بشكل شمولي يدركون به غايات هذه العلوم و ظروف نشأتها و تطورها و نموها التاريخي و وجه النقد التحليلي الموضوعي لهذه العلوم في إطارها الغربي وفقاً للمنظور الإسلامي الصحيح.
ثانياً : التمكن من التراث الإسلامي:
لابد للدراس من أن يتمكن من أصول الاسلام الإساسية و هي القرآن و السنة ، بأن يحيط بسائر النصوص المتعلقة بتخصصه ثم التمكن من التراث الإسلامي و ذلك بعد غربلة هذا التراث و استخلاص الصحيح المفيد من عيونه و ما يحتويه من الفكر الذي صدر عن روح الإسلام و غاياته لا عن الخرافات أو انحرافات أو السفسطات الوافدة او الإعراض و الأمراض التي ألمت بروح الأمة و فكرها علي مر العصور ، و يتحقق التمكن باستخلاص المختارات التراثية في كل مجالات العلوم و الفنون و القضايا الحياتية المعاصرة ، و تيسير هذه المختارات و تحليلها ليتمكن الباحثون من إدراك و فهم أفضل لرؤية السلف الإسلامية ، و كيف حرك ذلك الفهم نفوسهم فحولوا تلك الرؤية إلي مناهج قويمة قادرة تنعكس في الأفعال و في السلوك ، مكنتهم من حل ماواجههم من قضايا و صعوبات حياتية ، و فتحوا بها للحضارة و الإعمار البشري علی عصورهم آفاقاً جديدة و مجالات واسعة.
ب - المرحلة الثانية:
أولاً : تحديد المشاكل الهامة:
يجب علی العقل المسلم و المفكر المسلم ؛ حتی يتمكن من الإبداع و المبادرة و العطاء ، أن يحدد في مطالع مسيرته طبيعة المشاكل و القضايا و التحديات التي تواجهها الأمة أو التي تواجهها البشرية و يطمع العقل الإسلامي في التصدي لها و حل معضلتها .و حتی يتم إطلاق عقال الإبداع الإسلامي علی هدی يجب أن يبدأ العقل المسلم بتحديد قضايا الأمة و أوليات هذه القضايا حتی تعطي رؤيه ثمارها الصحيحة، و من المهم أن يدرك العقل الاسلامي أن مشاكل الأمة الاقتصاديه و الاجتماعية و السياسية – و هي مشاكل هامة بكل المقاييس – ليست في الحقيقة إلا نتيجة و إلا جانباً يسيراً لمرض الأمة الكامن و هو غبش الرؤية الإسلامية المعاصرة و ضمور أسس الفكر الاسلامي و تدهور مناهجه و ما ترتب علی كل ذلك من أمراض و من فساد و انحطاط و ضعف في أداء الأنظمة و تأثير التربية و التزام الأخلاق.
ثانياً :الإبداع و المبادرة الإسلامية:
الإبداع الاسلامي و المبادرة الإسلامية أو تحقق « الإسلامية » في كيان الأمة و مسيرتها الحضارية في صورته الكاملة إنما هو ثمره التمكن و الإتقان للاصول والتراث و العلوم الحديثة بمنهج علمي تحليلي ناقد متكامل يقيم العلاقة الخاصة الصحيحة بين الرؤية الإسلامية و المنطلقات الإسلامية الصحيحة ، و بين الواقع الحياتي المعاصر بكل قضاياه و مشاكله التي حددها الفكر الإسلامي هدفاً لجهوده و مسيرته في الإصلاح والإعمار.
إن علی العقل المسلم المبدع و المفكر المسلم الأصيل أن يستحث خطوات إعداده ، لكي يقوم بسد الفجوة التي ألمت بالبناء الحضاري الإسلامي عبر قرون التخلف . و لكي يدفع بالعلوم و المعارف و الإعمار والحضارة إلي آفاق أبعد و أرحب مما بلغته الإنسانية و المعارف الحديثة حتي اليوم . علي العقل المسلم أن يقدم الحلول و البدائل المبدعة و أن يحدد المعايير الصحيحة التي تعبر عن الإسلام في شريعته و أخلاقه و ثقافته و روحه و مقاصده ، وأن يمتلك العقل المسلم و المفكر الوسائل التي تناسب كفاءة تلك المعايير في أداء المهام و أن يمارس استخدامها فلا يرتد الفکر الإسلامي انطوائياً خيالياً عشوائياً لا يملک القدرة الصحيحة علی حل المشاکل و التصدي للتحديات و ربط القيم و الغايات الإسلامية بالواقع و الممارسات و الإمکانيات الحياتية.
تهدف خطة عمل العهد الإسلامية المعرفة إلی العمل علی تحقيق الأهداف العامة التالية:
أ – توعية الأمة علی الأزمة الفکرية : توعية الأمة علی موقع أزمة الفکر الإسلامي و منهجيته من أزمة وجود الأمة الثقافي و الحضاري.
ب – تحديد معالم العلاقة بين قصور الفکر الإسلامي وقصور منهجيته من ناحية و بين غايب الأمة و موسساتها و نظمها و تخلفها وعلمياً و ثقافياً و حضارياً من ناحية ثانية ، و بين ذلک القصور ، و بين ضعف الأمة و فشل جهودها في التحرر و التقدم من ناحية أخری .
ج – تفهم طبيعة أزمة الفکر الإسلامي المعاصر و أسبابها والسبل والوسائل المطلوبة لمواجهتها والتغلب عليها و علی آثارها.
د – العمل علی تجديد فکر الأمة ، و تجديد طاقاته و تطوير مناهجه وبلورة منطلقاته ، و ربطه بمقاصده الإسلامية الأصلية.
هـ - العمل علی تأصيل شمولية المنهج الإسلامي في ميدان الدراسات الاجتماعية و الإنسانية وتأصيل الدراسات العلمية و الإسلامية في ميدان الواقع الحياتي والفطرة الإنسانية و الجتماعية.
و – البدء بأعمال تمکين الفکر الإسلامي والثقافة الإسلامية المعاصرة من استيعاب الأصول الإسلامية و التراث الإسلامي ومن العلوم و المعارف الحديثة و تيسيرهما للدارسين المسلمين.
ز – العمل علی تقديم الأبحاث و الدراسات و الکتب والمنهجية بقصد بلورة المفاهيم والمنطلقات الإسلامية وإرساء أسس العلوم الاجتماعية والإنسانية الإسلامية.
ح – إعداد الکوادر العلمية اللازمة لزيادة مجالات إسلامية المعرفة و ذلک من خلال برامج المنح الدراسية و الإشراف العلمي و البرامج الدراسية في مجالات العلوم الاجتماعية و الإنسانية المعاصرة کافة.
3 - التوجيه الإسلامي لعلم النفس:
يعتبرمصطلح « التوجيه الإسلامى لعلم النفس » من المصطلحات المتداولة بين الباحثين في هذا المجال، فيما يبدو أول من استخدم هذا المصطلح هو الدكتور فؤاد أبوحطب في ندوة علم النفس و الإسلام المنعقد بجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية فى عام 1978م.ولکن لم يتلق بالقبول يومئذ،ثم اقترحه فی ندوه التأصيل الإسلامی لعلم النفس التی عقدت في جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1407 فی الرياض فقبل، و هو يقصد بالتوجيه الإسلامى لعلم النفس، بناء علم النفس علی أسس المبادئ الكلية العامة للإسلام، وعن تصور الإسلام للإنسان و الكون.
ومفهوم الوجهة عند أبوحطب،1989مرادف للمصطلح الإنجليزیparadigm، التي اقترحه « توماس کون » أحد فلاسفة العلم المعاصرين بمعنی وجهة النظر التی يشارک معظم العلماء فی اعتناقها.
و كذلك استخدم هذا المصطلح مرسى1411ﻫ و هو يقصد بالتوجيه الإسلامى لعلم النفس : « إيجاد وجهة علمية لهذا العلم فى البلاد الإسلامية ، مستمدة من منهج حياتها ، توجه علماء النفس المسلمين فى نظرتهم إلي الإنسان و فى تفسير سلوكه ، و فى وضع برامج تنمية صحته النفسية ، و وقايته من الانحراف و علاج انحرافاته ، و فى اختيار موضوعات البحوث ، و تفسير نتائجها ، و فى إعداد المقالات و تأليف الكتب ، و فى تدريس فروع علم النفس فى الجامعات و المعاهد » . فأما عند رجب،1992 يعرف « التوجيه الإسلامى للعلوم الاجتماعية » بأنه : « بلورة أبعاد التصور الإسلامى للإنسان و المجتمع و الكون ، و استخدام هذا التصور كأساس معرفى تنطلق منه العلوم الاجتماعية ليكون موجها لنظرياتها و تفسيرا لحقائقها و مشاهداتها التى تثبت صحتها بالتجربة أو الدليل العلمى المحقق » . وأما عند القطان،1992،إن مفهوم التوجيه الإسلام للعلوم هو : « إعادة النظر فى البرامج التعليمية بمراحل التعليم المختلفة لانتقاء الصالح منها و تجريده من الآثار الاعتقادية و التصورات البيئية ، ثم يكون السير قدما للبناء علي هذا الإرث العلمى وفق مفاهيم الإسلام الصحيحة ، و قيمه السامقة والاستفادة من كل علم نافع مفيد . . » و عند محمد زرزو،1992« إن مفهوم التوجيه الإسلامى للعلوم يقوم علي دعامتين رئيستين، يمکن أن يوضعا فی إطار بعض الأفکار والمفاهيم هما:
1- إعادة صياغة هذه العلوم علی النحو الذى يخلصها مما يمكن تسميته بالروح العلمانية السائده أو التي تسرت اليها عبر الترجمه و النقل، من جهة و علی النحو الذى يعيد صلتها بالخالق أو الذی يخدم أغراض الثقافه الإسلامية، و ينسجم مع أصولها الإيمانية و العقدية، و مع فروعها أو مکوناتها، من جهة أخری.
2- أسلمة الأعراض و الوظائف و الضوابط و الأخلاقيات ، بمعني وجوب التركيز علي عدم استخدام هذه العلوم فى الظلم أو العدوان علي الدماء و الأموال و الأعراض . . ».
و يری خمساوى1992 أن لمفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم ثلاثة معان فيقول : « التوجيه قد يقصد به الإسلامى للعلوم فقد يكون المقصود بها أن تكون غاية العلوم غاية إسلامية تتفق مع مبادئ و قواعد الإسلام ، أو تخدم القضايا الإسلامية.
و يتم التوجيه باستبعاد الغايات التى لا تتفق مع مبادئ و قواعد الإسلام . وقد يكون المقصود بها أن يكون منهج العلوم منهجا إسلامياً ، أى بالطريقة التى رسمها الإسلام ، مثل علم الاقتصاد ، فهو و إن كان علما ذا غاية تتفق و مبادئ الاسلام ، إلا أنه قد يأخذ لذلك أسلوبا و منهجا غير إسلامي فى بعض فروعه أو أسسه كالأخذ بنظام الفوائد الربوية لرأس المال . و قد يكون المقصود بها مساعدة العلوم بإمدادها بموضوعات أو شواهد أو معينات فكرية إسلامية كإمداد علوم الطب بمعارف إسلامية من القرآن الكريم و السنة النبوية عن نمو الجنين داخل الرحم ، أو فوائد عسل النحل » .
أسس التوجيه الاسلامي :
يقوم التوجيه الإسلامي لعلم النفس علی الأسس الآتية:
1 – كل متخصص في علم النفس مسئول أمام الله عن الدعوة إلی منهج الله في الحياة و هو الإسلام ، و عن مساعدة الناس علی التزام به قولاً و عملاً؛ ليسعدوا في الدنيا ، و يفوزوا في الآخرة. و عليه – أي المتخصص– تبني الوجهة الإسلامية لعلم النفس و رفض كل وجهة تصطدم بالإسلام.
2 – تبني علماء النفس المسلمين للتوجية الإسلامي لعلم النفس يجعل وجهتهم العلمية « وجهة إسلامية » و يجعل علم النفس مناسباً للمجتمعات الإسلامية و متميزاً عن علم النفس في المجتمعات غير الإسلامية.
3 – كل مجتمع مسلم مسئول أمام الله عن تنشئة الباحثين في علم النفس علی الوجهة الإسلامية ، و تشجعيهم علی الانتساب إليها و بناء أمجادهم العلمية علی أساسها ؛ حتی ينصاعوا لها عن طيب خاطر ، و يقتنعوا بأفضليتها علی غيرها من الوجهات.
4 – التوجيه الإسلامي لعلم النفس مسئولية علماء النفس المسلمين الذين امتلکوا ناصية علومه و تدربوا علی مناهجة ، و استوعبوا نظرياته و قوانينه و أهدافه و موضوعاته و فلسفاته ، فهم أهل الاختصاص والدراية ، القادرون علي التطوير و التنقيح و الإبداع فيه.
5 – تقويم اجتهادات علماء النفس في التوجيه الإسلامي مسئولية المتخصصين في العلوم الشرعية ؛ فهم أهل الاختصاص و الدراية في الحكم علي ما يطابق الشرع و مالا يطابقه من هذه الاجتهادات ؛ فيجيزوا المطايق منها للشريعة الإسلامية ، و يعيدوا المخالف إلي علماء النفس ليعدلوه و ينقحوه ، فمهمة الاحكام الشرعية ، فما واقفها من النظم مضي ، و ما خالفها يعاد إلی أهل الاختصاص ».
و من الخطأ وضع عبء التوجيه الإسلامي لعلم النفس أو أي علم من العلوم علی عاتق علماء الشريعة ؛ لأن المسئولية يجب أن تقع علي المتخصصين في هذه العلوم».
أهداف التوجيه الإسلامي للعلوم:
و يذكر عبدالرحيم1992عدة أهداف للتوجيه الإسلامي للعلوم هى:
1ـ محاربة الاغتراب عن الدين ..
2 ـ إعادة رسم الصورة المشرقة للإسلام . .
3ـ العمل علي إعادة بناء الذات المتكاملة الجامعة بين العلم و الإيمان و الموازنة بين مطالب الروح و الجسد
4ـ إعادة الصيغة الدينية للعلوم و المعارف المادية ...
5ـ إثراء هذه العلوم بكل ما يتضمنه الكتاب من هدايات فيها .. مع توجيهها نحو الغايات السامية و الأهداف النبيلة التى أراد الله من الإنسان أن يسمو إليها ..
6ـ الكشف عن كثير من وجوه إعجاز القران الكريم .. و بيان ما تتضمنه آياته من سبق علمى.
7ـ العمل علي توحيد المعارف و الثقافة الإسلامية ، و الاهتمام و التوجه نحو القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة ليتلمسوا منها مفاتيح العلم و الهداية ..
8ـ ربط حاضر الأمة بماضيها فى إعادة الأصالة فى البحث العلمى القائم علی التحقيق في ضوء أصـول الإسلام العامة..»
4 - التأصيل الإسلامى لعلم النفس (أو للعلوم الاجتماعية):
تبنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مصطلح التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ، حيث قامت الجامعة بعقد الندوة حول مناقشة موضوع التأصيل الاسلامي للعلوم الاجتماعية في يومي الخامس و السادس من شهر جمادي الآخرة فى عام 1407هـ / 1987م لمناقشة موضوع التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية و قد أسفرت ندوة " التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية " في جامعة الأمام محمد بن مسعود الإسلامية في عام 1987ص31-30 عن الاتفاق علی المفهوم التالي:
التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية يعني عودة إلی اصول الشريعة الإسلامية ، باعتبارها المنهج الرئيسي و المعيار الأساسي الذي تستمد منه هذه العلوم اسمها و منطلقاتها ، بحيث ينقي من خلال عملية التأصيل تلك ما علق بهذه العلوم من شوائب نظرية و افكار غربیة أو شرقية لا تتفق مع الإسلام منهجا و غاية و مسارا و بالتالي فإن عملية التأصيل بدعوتها إلي السر علي اُسس المنهج الإسلامي تساند و تشجع أي تقدم علمي أو تطور منهجي في هذه العلوم يتفق و اُسس هذا المنهج علي أساس أن الإسلام دعا إلي العلم و حث عليه و نادی بطلبه و جعله فريضة علی كل مسلم ».
کما أصدر أعمال ندوة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فی عام 1414 التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية بأنه : « إبزار الأسس الإسلامية التى تقوم عليها هذه العلوم، من خلال جمعها أو استنباطها من مصادر الشريعة و قواعدها الكلية و ضوابطها العامة ، و دراسة هذه العلوم من حيث موضوعاتها و مناهجها دراسة تقوم علي هذه الأسس ، و تستفيد مما توصل إليه العلماء المسلمون و غيرهم فيما لا يتعارض مع تلك الأسس ».
و عرف نجاتى،1989 التأصيل الإسلامى لعلم النفس بأنه : « إقامة هذا العلم علی أساس التصور الإسلامى للإنسان ، و علی أساس مبادئ الإسلام و حقائق الشريعة الإسلامية،بحيث تصبح موضوعات هذا العلم وما يتضمنه من مفاهيم و نظريات متفقة مع مبادئ الإسلام أو علی الأقل غير متعارضة معها » .
وعرف إبراهيم عبدالرحمن رجب،1991 التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية يعني: « . . بلورة أبعاد التصور الإسلامى للإنسان و المجتمع و الكون ، و استخدام هذا التصور كأساس معرفى تنطلق منه العلوم الاجتماعية ليكون موجـها لنظرياتها و مفسرا لحقائقهـا ومشاهداتهـا التى ثبتت صحتها بالتجربة ، أو الدليل العلمى المحـقق » . وأما فی كتابه أصدره فی 1996م بعنوان « التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية ـ المفهوم ـ المنهج ـ المداخل ـ التطبيقات » يقول : « التأصيل الإسلامى للعلوم الاجتماعية عبارة عن عملية إعادة بناء العلوم الاجتماعية فى ضوء التصور الإسلامي للإنسان و المجتمع و الوجود . و ذلك باستخدام منهج يتكامل فيه الوحى الصحيح مع الواقع المشاهد كمصادر للمعرفة ، بحيث يستخدم ذلك التصور الإسلامي كإطار نظرى لتفسير المشاهدات الجزئية المحققة و التعميمات أمبيريقية (الواقعية ) و فى بناء النظريات فى تلك العلوم بصفة عامة ».
و يعرف الصبيح2007 أن التأصيل الإسلامي لعلم النفس هو إعادة بناء علم النفس وفقاً للتصور المعرفي الإسلامي.
فالتأصيل إذن إعادة بناء، وليس إلغاء لعلم النفس وهجرا له كما قد يتصور بعض الباحثين. وعملية إعادة البناء هذه تقتضي منا أن نخلص علم النفس من الانحرافات التي علقت به، سواء كانت في جانب التصورات والمفاهيم أو في جانب الممارسة والتطبيق. كما تقتضي منا وضع نظرية إسلامية مستقلة معتمدة أساسا على التصورات الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة. ومما يهدف إليه التوجية الإسلامي إزالة الفصام النکد بين الدين والعلم، ومن ثم تطوير مفهوم العلم ليشمل كل ما ثبت بدليل، سواء كان هذا الدليل خبريا ثابتا في القرآن والسنة، أو حسيا تجريبياً.
"فإعادة البناء"إذن عملية تتضمن ثلاث عمليات فرعية هي: وضع الأسس ثم الهدم ثم البناء:
فالأولى: هي التأسيس أو صياغة الإطار المعرفي الإسلامي أو الأساس الذي يبنى عليه علم النفس الإسلامي وينقد في ضوئه علم النفس الغربي.
والثانية: هي النقد أو الهدم لتخليص علم النفس من الزيف الذي لحق به وتبين الحق منه من أجل تضمينه في البناء الجديد.
والثالثة: هي بناء النظرية الإسلامية وإعادة ترتيب الحقائق التي توصل إليها علم النفس في صياغته الغربية على أصل إسلامي. وهذه العمليات الثلاث يمكن أن نسميها بعمليات التأصيل الإسلامي.
و انطلاقاً من مفهوم التأصيل الإسلامى لعلم النفس التى أسفر عنه ندوة التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية « في جامعة الأمام محمد بن مسعود الإسلامية في عام(5-6/6/1407ﻫ) حددت الندوة العناصر التالية لإجداء مفهوم التأصيل الإسلامي نظرياً و تطبيقاً.
1- وضع تصور إسلامي متكامل عن الإنسان و المجتمع و الثقافة بحيث يمثل ذلك التصور الإطار الفكري العام لدراسة القضايا و الموضوعات المطروحة في مجال العلوم الاجتماعية سواء استندت إلي اُصول الشريعة أم كانت قضايا تقريرية حضارية مستخدمة تتعلق بسلوك الإنسان و مجتمعه و ثقافته و تحتاج إلي تقويمها في ضوء النهج الإسلامي.
2- من خلال هذا التصور ينبغي التركيز علي دراسة واقع العالم الإسلامي في ضوء قربه أو بعده عن الشريعة الإسلاميه لتتضح الرؤي الاجتماعية الموضوعة لتفسير هذا العالم.
3- في إطار تلك الدارسة للواقع الإسلامي ينبغي التأكيد علي نظرة المقارنة بين هذا الواقع الراهن و الماضي التاريخي له ، مع تجلية دور المفكرين المسلمين الثقاة في قضايا العلوم الإنسانية و التجريبية علي أساس أنها كانت بداية و منطلقا لانفتاح الفكر الأروبي و تطوره ، بهذا يكون للتأصيل خلفيته التاريخية الواضحة في هذا العلوم.
4- إن دراسة العلوم الاجتماعية برمّتها في ضوء هذا التصور الإسلامي الشامل يوجب الرد الموضوعي الهادف علي القضايا و التعميمات التي لا تتفق مع جوهر الإسلام شرقية أو غربية بيمينه أم يساريه لبيان زيفها.
5- البحث في سنن القرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف و التي تحكم توجيه الإنسان و المجتمع لاستخلاص المعايير الإلهية و السنن السلوكية و الاجتماعية التي توجه البشر لتكون أساساً و منطلقاً لدارسة العلوم الاجتماعية.
6- إن عملية التأصيل – في إطار هذا التصور – لايمكن أن تتم إلا من خلال منهج خاص يقترح أن يسمي " المنهج الإسلامي للعلوم الاجتماعية » و هو منهج قياسي استقرائي يمزج بين فهم الشريعة للإنسان و تقويمها له كفرد و كعضو في مجتمع ، و بين ما يطرح علي ساحة الفكر الاجتماعي العالمي من قضايا و نظريات و اتجاهات في مجال العلوم الاجتماعية.
و قد حددت الندوة – أيضاً – من خلال أعمالها الأهداف الأساسيه لعملية التأصیل الإسلامي للعلوم الاجتماعية في الأمور التالية:
1- الاستناد إلی مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا للإرشاد الفردي و التوجيه التربوي و الضبط الاجتماعي من خلال إرسائها لقواعد التعامل بين الإنسان و نفسه ، و الإنسان و أخيه الإنسان و الإنسان و موقفه من الكائنات الاُخري و من الخالق جل و علا.
2- تجلية ما في الشريعة الإسلامية بعامة ، و القرآن الكريم و الحديث الشريف بخاصة من سنن و قضايا الاجتماع لتكون معياراً و منهجا لنظرة إسلامية ناقدة يقوم علی أساسها من يعهد إليه بعملية التأصيل كل ما يظهر علي ساحة الفكر الأجنبي تقويماً يعتمد علي هذه النظرة الإسلامية الناقدة.
3- إعادة صياغة العلوم الاجتماعية في إطار مدرسة إسلامية يقترح تسميتها « المدرسة الإسلامية في العلوم الاجتماعية» بحيث تكون لها مقوماتها و أسسها و معاييرها و مناهجها و أهدافها الخاصة بها.
4- بث الوعي الاجتماعي الإسلامي بعامة و طلاب الجامعات بخاصة ، حتي يستطيعوا استيعاب علوم العصر مهما تعددت اتجاهاتها و تباينت منعطفاتها في إطار رؤية إسلامية ناقدة تقيهم من الانزلاق في مهاوي الفكر المضلل ، أو الغزو الأيديولوجي المنحرف ، و حتي يؤدي هذا الوعي إلي وضوح رؤية إسلامية هادية تتأصل في وجدان الإنسان المسلم ، و تحدد فكره و سلوك في علاقته بالله وبالناس و بالمجتمع.
5- الاستفادة من تراث المفكرين الاجتماعيين المسلمين الرواد و إبزار أصالتهم في الفكر المنهجي باعتباره قاعدة لمنهج المفكرين المحدثين و المعاصرين.
6- إبداع الباحث المسلم من خلال رؤيته الإسلامية الناقدة للفكر الاجتماعي المعاصر لقضايا و تعميمات تعبر عن المجتمع الإسلامي و واقعه بحيث تكون لها صفة الجدة و الابتكار ، بعيدة التقليد و المحاكاة و التبعية.
7- الإفادة من عملية التأصيل في مجال الدعوة الإسلامية ، و ذلك في إطار نظرة إاسلامية ذاتية ، لاشرقية و لاغربية ، نظرة قوامها الحكمة و الموغظة الحسنة ، حتي يكون للإعلام الإسلامي طبيعته المميزة ، و نظرته القيمية الثابتة.
الأهداف العامة لإسلامية المعرفة:
و قد حدد المعهد خطة لإسلامية المعرفة إلی العمل علی تحقيق مجموعة من الأهداف العامة لإسلامية المعرفة فيما يلي:
أ – توعية الأمة علی الأزمة الفکرية : توعية الأمة علی موقع أزمة الفکر الإسلامي و منهجيته من أزمة وجود الأمة الثقافي و الحضاري.
ب – تحديد معالم العلاقة بين قصور الفکر الإسلامي وقصور منهجيته من ناحية و بين غايب الأمة و موسساتها و نظمها و تخلفها وعلمياً و ثقافياً و حضارياً من ناحية ثانية ، و بين ذلک القصور ، و بين ضعف الأمة و فشل جهودها في التحرر و التقدم من ناحية أخری .
ج – تفهم طبيعة أزمة الفکر الإسلامي المعاصر و أسبابها والسبل والوسائل المطلوبة لمواجهتها والتغلب عليها و علی آثارها .
د – العمل علی تجديد فکر الأمة ، و تجديد طاقاته و تطوير مناهجه وبلورة منطلقاته ، و ربطه بمقاصده الإسلامية الأصلية .
هـ - العمل علی تأصيل شمولية المنهج الإسلامي في ميدان الدراسات الاجتماعية و الإنسانية وتأصيل الدراسات العلمية و الإسلامية في ميدان الواقع الحياتي والفطرة الإنسانية و الاجتماعية.
و – البدء بأعمال تمکين الفکر الإسلامي والثقافة الإسلامية المعاصرة من استيعاب الأصول الإسلامية و التراث الإسلامي ومن العلوم و المعارف الحديثة و تيسيرهما للدارسين المسلمين.
ز – العمل علی تقديم الأبحاث و الدراسات و الکتب والمنهجية بقصد بلورة المفاهيم والمنطلقات الإسلامية وإرساء أسس العلوم الاجتماعية والإنسانية الإسلامية.
ح – إعداد الکوادر العلمية اللازمة لزيادة مجالات إسلامية المعرفة و ذلک من خلال برامج المنح الدراسية و الإشراف العلمي و البرامج الدراسية في مجالات العلوم الاجتماعية و الإنسانية المعاصرة کافة.
أهداف إسلامية المعرفة في علم النفس:
و أما أهداف إسلامية المعرفة في علم النفس تتلخص في الآتي:
1- ربط بین علم النفس بالإسلام.
2- تبني التصور الإسلامي لطبیعية الإنسان وغایاته و أهدافه في الحیاة.
3- الالتزام بتوجیه الوحي مع عدم تعطیل العقل.
4- الاستفادة من المعارف النفسية في القرآن الکریم و السنة الشریفة، و ماخلفه علماء المسلمین من تراث علمي استفادت منه علم النفس الغربي في بدایة نشأته.
5- تمحیص نظریات و قوانین علم النفس الحدیث، و أخذ ما یتفق منها مع الإسلام و ترک ما یعارضه منها.
6- ممارسة الإرشاد و العلاج النفسي بأهداف و أسالیب و أخلاقیات إسلامية.
***
إن اختلاف المصطلحات التي يستخدمها الباحثون المعبر عن حركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس تدور جميعها حول الهدف الواحد وهو تكوين علم النفس قائما على مبادئ وأسس الإسلام. حيث في ساحة البحثية، تدل مفهوم «علم النفس الإسلامي» أو مفهوم «أسلمة علم النفس» أو مفهوم «التوجيه الإسلامي لعلم النفس» بنفس المعنى الذي يقصد به مفهوم «التأصيل الإسلامي لعلم النفس» من وجهة نظر الباحث المسلم الذي يستخدمه في هذا المجال، في المراحل الأولى المبكرة من تكوين هذا العلم. أما في الآونة الأخيرة وصل العلماء المسلمون إلى مرحلة يوشك أن يتحقق فيها الاجتماع حول المفهوم الواحد وأن تتوحد فيها هذه المصطلحات وهي اصطلاح «التأصيل الإسلامي لعلم النفس» حيث أصبح هذا المفهوم قبولاً عاماً لدى غالبية الباحثين في الساحة البحثية واستخدمه الباحثون بدلالة المفهوم على نطاق واسع في هذا الموضوع. لأجل هذا فإن الندوة المنعقدة في القاهرة في عام 1989 اقترح استعمال «التأصيل الإسلامي لعلم النفس» بدل مفهوم «علم النفس الإسلامي» كما جاء في توصية الندوة: «ترى الندوة أن استعمال مصطلح «علم النفس الإسلامي» يوحي أنه أحد فروع علم النفس الذي يدرس الإسلام (سيكولوجية التدين)، في حين أن هذا ليس مقصود جهود العلماء في هذا المجال؛ لذلك نقترح مصطلح «التأصيل الإسلامي لعلم النفس»، على أساس أنه يعتبر الإسلام المصدر الذي نستمد منه المسلمات التي توجه البحث في علم النفس، بديلا عن المسلمات التي يقوم عليها علم النفس الغربى».
والخلاصة هي أنه بالرغم من أنه لازال بين الباحثين جدل حول اسم هذه الحركة، إلا أن ملامحها العامة بدأت تتضح وتصبح موضع قبول عند كثير منهم. إن علم النفس الإسلامي ليس فرعا من فروع علم النفس الديني، وموضوعه ليس فقط دراسة السلوك الديني عند المسلمين أو التراث النفسي في الحضارة الإسلامية، وليس مجرد تفسير الآيات والأحاديث التي لها علاقة بالنفس، ولا هو أيضا رفض كل ما هو موجود في علم النفس المعاصر. إن الواضح من التعاريف التي سلفت هو أن علم النفس الإسلامي أو التأصيل الإسلامي عملية لا تعني إلغاء علم النفس أو العلوم الاجتماعية، وإنما تعني إعادة بنائها وفقا للتصور الإسلامي، كما تعني أيضا التزام الخلق الإسلامي في البحث وفي مسار العلم فلا يوجه وجهة تخالف الشريعة أو تضر بالمجتمع بأي وجه من الوجوه. وهذا القيد لايقل في أهميته عن القيد الأول، وإذا كان القيد الأول يعنى بالأصول النظرية للعلم، فإن هذا يعنى بتطبيقات العلم. هذا فيما يتعلق بالمحتوى، أما فيما يتعلق بالاسم فأي اسم اتسعت له اللغة وكان معبرا عن أهداف حركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس يجوز استخدامه ولامشاحة في الاصطلاح. وعلى هذا يرى الباحث أن مصطلحات علم النفس الإسلامي أو التأصيل الإسلامي أو التوجيه الإسلامي كلها مصطلحات جائزة ممكنة الاستخدام من ناحية اللغة ومن ناحية المعنى، ولاحرج في استخدام أي منها.
الآراء