بداية حركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس

ليس هناك تاريخ محدد لبداية حركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس أو غيره من العلوم الاجتماعية   لأسباب كثيرة، ولعل من أهمها:ترامي أطراف العالم الإسلامي، وصعوبة اطلاع الباحث في بلد إسلامي على ما كتب في هذا المجال لكُتّاب آخرين من خارج بلده، وضعف التواصل العلمي بين الباحثين المسلمين في كل تخصص، حيث لا تبادل للرسائل العلمية أو دوريات الجامعات، وكذلك فقدان الجمعيات المهنية على المستوى الإسلامي أو ضعف نشاطها إن وجدت ولا مؤتمرات أو ندوات على المستوى الإسلامي تعقد بشكل دوري لجمع شتاتهم، ولا مؤسسات نشر توزع النتاج العلمي في كل بلاد المسلمين، بل يكاد الباحث ينغلق على ما هو موجود في بلده وأحياناً في مؤسسته العلمية.

.يری الصنيع2007، أن تاريخ حركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس يمکن بشکل عام أن يقسم إلى ثلاث مراحل متتابعة، وهي:

  أ) المرحلة الأولى: مرحلة جهود الأفراد.

ب) المرحلة الثانية: جهود المؤسسات.

ج) المرحلة الثالثة: تراجع جهود المؤسسات.

أ) المرحلة الأولى: مرحلة جهود الأفراد: 

وهي البداية لحركة التأصيل الإسلامي لعلم النفس في  أربعينيات القرن العشرین، من عام 1942 م و هو العام الذي قدّم فيه محمد عثمان نجاتي رسالته للماجستير تحت عنوان «الإدراك الحسي عند ابن سينا» في كلية الآداب بجامعة القاهرة (جامعة فؤاد في ذلك الوقت)، ونشرت بعد ذلك في كتاب عام 1948.

أما حركة التأصيل الحقيقية بدأت في علم النفس لما نشر محمد قطب كتابه «الإنسان بين المادية والإسلام» عام1952 م، وهو أول من قام بنقد موضوعي وشامل لفرويد و المنهج التجريبي السلوکي في کتابه هذا. ثم في هذا المنحی في سبعينات القرن العشرين کتب مالک بدري مقالا بعنوان « علماء النفس المسلمون في جحر الضب» باللغة الإنجليزية، التي ترجمه إلی العربية و نشر في مجلة المسلم المعاصر عام 1398، و انتقد فيها علماء النفس المسلمين في تقليدهم لعلماء النفس الغربيين، کما انتقد مدرسة التحليل النفسي و بيّن خطرها علی الدين، ثم تحدث عن بعض تجاربه في العلاج النفسي.وبعد ذلک في عام1978م في مقالته الأخری المنشورة باللغة الإنجليزية تحت عنوان :«The Dilemma of Muslem Psychologists» أزمة علماء النفس المسلمين، رکز نقده علی فرويد و الاتجاه التحليلي من وجهة نظر العلم التجريبي و الطريقة العلمية.هکذا استمرت الجهود على شكل رسائل وكُتب تتناول موضوعات ذات علاقة بالتأصيل الإسلامي لعلم النفس.وأما من الكتب التي صدرت في الموضوع:

1- «الإدراك الحسي عند ابن سينا» لمحمد عثمان نجاتي صدر عام 1948.

2- «الإنسان بين المادية والإسلام» لمحمد قطب صدر عام1952.

3-« في النفس والعقل لفلاسفة الإغريق والإسلام» للدكتور محمود قاسم صدر عام1954.

4-«الدراسات النفسية عند علماء المسملين والغزالي بوجه خاص» لعبدالكريم العثمان عام1962م

5- «نحو علم نفس إسلامي» للدكتور حسن الشرقاوي صدر عام 1976. 

6- «التصوف النفسي» للدكتور عامر النجار صدر عام 1980 .

7- «ملامح علم النفس الإسلامي» للدكتور محمد ماهر محمود عمر صدر عام 1983. 

8- سلسلة «دراسات نفسية إسلامية» للدكتور سيد عبد الحميد مرسي صدر عام1983 . 

9- «الإسلام و قضايا علم النفس الحديث» للدكتور نبيل محمد توفيق السمالوطي صدر عام 1984 .

10- «الصحة النفسية في ضوء الإسلام و علم النفس» للدكتور محمود عودة محمد ، والدكتور كمال إبراهيم مرسي صدر عام 1986 .

11- «من علم النفس القرآني» للدكتور عدنان الشريف صدر عام1987 .

12- «القرآن وعلم النفس» للدكتور محمد عثمان نجاتي صدر عام 1981 .

13- «الحديث وعلم النفس» للدكتور محمد عثمان نجاتي صدر عام 1981 .

14- « المدخل إلی علم الصحة النفسية» للدکتور کمال إبراهيم مرسي صدر عام 1409 .

14-«القرآن و الصحة النفسية» للدکتورجمال ماضي أبو العزايم صدر عام 1414.

15- «الإيمان و الصحة النفسية»للدکتور سيد عبد الحميد مرسي صدر عام 1415.

ب) المرحلة الثانية: جهود المؤسسات:

وهي بداية إنشاء المعاهد والجمعيات والمنظمات والمؤتمرات الدائمة و المساهمة الجامعات في جهود التأصيل الاسلامي،  ويمكن القول أنها بدأت في  سبعينات القرن الماضی، ومن أوائل المؤسسات التي نشرت موضوعات التأصيل الإسلامي، «مؤسسة المسلم المعاصر» عن طريق مجلتها «مجلة المسلم المعاصر» والتي أسسها جمال‌الدين عطية وصدر عددها الأول في شوال 1394 ه‍ الموافق نوفمبر 1974 م و لا تزال تخدم في مجال قضايا الأسلمة و التأصيل الإسلامي للعلوم؛ ثم انتقل الاهتمام إلى المؤسسات الأكاديمية والجامعات الإسلامية ثم قيام ندوات ومؤتمرات لمسايرة هذا الموضوع.

أولاً: الندوات التي عقدت لمناقشة موضوع التأصيل الإسلامي للعلوم بشكل عام و العلوم الإنسانية ومنها علم النفس بشكل خاص:

1- الندوة الأولی عن‌ «الإسلام وعلم النفس» نظمتها جمعية علماء الاجتماع المسلمين في أنديانا بوليس بالولايات المتحدة ، من فاتح إلی رابع يوليو 1977 .

2- ندوة « علم النفس و الاسلام » عقدتها كلية التربية بجامعة الملك سعود الآن (الرياض سابقاً) من 12إلی 16 / 11 / 1398 ه‍ الموافق 14إلی 18 / 10/1978 م و دعي إليها عدد من الباحثين و المهتمين بموضوع التأصيل الإسلامي ، وقدم فيها ثلاث وعشرون دراسة في مجالات متعددة أهمهما ما يلي:

- علم النفس في القرآن و الحديث.

- علم النفس بين العلم الغربي و الإسلام.

- الأعمال النفسية للمفكرين المسلمين.

و ظهر في عدد من المجلات بحوث حول التأصيل الإسلامي لعلم النفس ، لعل من أشهرها مجلة المسلم المعاصر بدءاً من عددها الرابع الصادر في شوال 1395 ﻫ.

3- ملتقی الفكر الإسلامي في جزائر في سبتمبر 1986 خصص لموضوع «أسلمة العلوم الإنسانية».

4- ندوة « التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية » أقامتها جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية في الرياض عام 5-6/6/1407 ه‍. دعت إليها الأساتذة من فروع جامعة العلوم الاجتماعية لمناقشة الموضوع ، و قدم فيها أربع مذکرات و سبع عشرة ورقة عمل حول موضوعات التأصيل في التربية و علم النفس و علم الاجتماع ، و كان من نتائج هذه الندوة إنشاء اللجنة الدائمة للتأصيل الاسلامي للعلوم الاجتماعية بعمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض التي أوكل إليها متابعة بحث وتخطيط وتنفيذ توصيات الندوة ودعم وتنفيذ عملية التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية.

5- ندوة « التوجيه الإسلامي للعلوم » أقامتها جامعة الأزهر بمصرمع رابطة الجماعات الإسلامية عام 1413.

6- ندوة «العلوم السلوكية والتطور الحضاري في البيئة الإسلامية» نظمتها شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة محمد الخامس بالرباط بالتعاون مع شعبة الفلسفة و كلية الطب و كلية علوم التربية أيام 7 و 8 و 9 إبريل 1988 ، وقد شارك فيها خمسة و عشرون باحثًا من الكليات المذكورة وتناولت محاور ثلاثة:

الأول: العلوم السلوكية بين أصولها الإسلامية ومصادرها التراثية.

الثاني: العلوم السلوكية بين النظرية و التطبيق.

الثالث: آفاق تطور العلوم السلوكية ومدی تأثيرها في المجتمع الإسلامي.

7- ندوة «نحو علم نفس إسلامي» التي نظمتها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع الجمعية العربية للتربية الإسلامية بالقاهرة بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي في عام 1989، وقد شارك في هذه الندوة أربعة و ثلاثون بحثًا ، وقدم فيها اثنا عشر بحثًا ، تناولت موضوع الندوة بمختلف جوانبه ، وأصدرت مجموعة من التوصيات العلمية في قضايا المفاهيم والمصطلحات والمناهج والمقترحات العلمية .

8- ندوة « التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية »التي نظمتها المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع الجمعية العربية للتربية الإسلامية بالقاهرة بالتعاون مع العهد العالمي للفكر الإسلامي في في شهر أغسطس عام 1991 م.

9- الأسبوع الثقافي الأول لشعبة الدراسات الإسلامية بكليه الآداب بن مسيك جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء تحت عنوان : «التأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية » من 12 إلی 19 رجب 1410 ه‍ 8 إلي 15 فبراير 1990 ، وقد تناولت محاور الأسبوع: التأصيل الإسلامي لعلم النفس وعلم الاجتماع والأدب والاقتصاد واللغويات».

10- ندوة «الإسلام و القضايا الصحية» نظمتها شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بالرباط ، بالتعاون مع كلية الطب أيام 17 و 18 – 19 شعبان 1410 ه‍ الموافق 15 – 16 – 17 مارس 1990م ، وقد شارك في هذه الندوة أربعة و ثلاثون استاذًا و طبيبًا و كانت محاور الندوة:

أ – قضايا الطب المعاصر (موانع الحمل – الإجهاض – التلقيح الصناعي – جراحة التجميل والتقويم– مفطرات الصوم– التدخلين والمسكرات– التداوي بالمحرمات ، بنوك الحليب الصناعي- زرع الأعضاء).

ب– الوقائة الصحية (البعد الوقائي للتكاليف الشرعية – الحكمة الطبية من المحرمات – الصحة النفسية).

ج– الطب عند المسلمين(الطب النبوي – من عطاءات الأطباء المسلمين).

و من المعاهد والجمعيات والمنظمات والمؤتمرات الدائمة التي نشأت لهذا الغرض، فنذكر منها علی سبيل المثال:

1- جمعية علماء الاجتماعيين المسلمين:

أنشئت في بليفيلد بالولايات المتحدة الأمريكية من قبل اتحاد الطلبة المسلمين عام 1392 هـ - 1972 م. واهتمت بتوجيه علم النفس توجيهاً إسلامياً وأقامت عدداً من المؤتمرات حول موضوعات التأصيل للعلوم الاجتماعية، ولها مؤتمر سنوي التي يلقى فيها العديد من البحوث لهذا الغرض وتنشر في مجلتها فصلية بحوثاً في هذا المجال.

2- المعهد العالمي للفكر الإسلامي:

و قد أنشيء هذا المعهد رسمياً وسجل في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1401ﻫ -1981 لخدمة قضايا الأسلمة و التأصيل الإسلامي للعلوم و خصوصاً العلوم الإنسانية. ورفع المعهد شعار الأسامة، کما جاء في غلاف كل مطبوعة من مطبوعات المعهد:

 « أسس للعمل من أجل تجنيد جهود العلماء و المشفقين المسلمين لإعادة صياغة مناهج الفكر الإسلامي المعاصر في مجال العلوم و الدراسات الإنسانية و الاجتماعية ؛ ليعمل علی استعادة الأمة لعافيتها و دورها الحضاري الخير الرائد ، مهتدية برسالتها الإسلامية الخالدة ».وتحت عنوان «الأسلمة» قدم المعهد جهوداً کبيرة منذ عام 1404 ﻫ- 1984 حول التأصيل الإسلامي لفروع العلوم الاجتماعية ، منها عقد المعهد العديد من الندوات ، کما أشرنا سابقا،و إصدار مجلات متخصصة المهتمة بهذا الموضوع مثل مجلة المسلم المعاصر ( التي سبق الحديث عنها )،و نشر العديد من الكتب و الرسائل الجامعية في هذا المجال.

وأما من المؤتمرات العالمية التي عقد بعد إنشاء المعهد، فنذکر منها: 

أ- انعقاد المؤتمر العالمية الأولى للفكر الإسلامي في لوجانو بسويسرا عام 1397 ه‍ - 1977م. فأجمع المشاركون فيها بعد أسبوع من البحث والمناقشات على أن الأزمة الراهنة في العام الإسلامي هي أزمة فكرية، وأن العلاج يجب أن يبدأ بهذه الأزمة. انتهت أعمال الندوة إلى الدعوة لإنشاء «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» لقيادة جهود أسلمة المعرفة والعلوم الإنسانية خاصة.

ب- المؤتمر العالمي الثاني للفكر الإسلامي تحت عنوان «إسلامية المعرفة» المنعقدة في إسلام آباد باكستان عام 1402 هـ - 1982 بالتعاون مع الجامعة الإسلامية، وأثمرت بحوثها ومداولاتها الاتفاق على «خطة العمل» التي حررها ونشرها بالإنجليزية الدكتور إسماعيل الفاروقي تحت عنوان «إسلامية المعرفة» ونشرت مجلة المسلم المعاصر ترجمتها العربية في عددها الثاني والثلاثين الصادر في عام 1401 هـ - 1982 م. وبعد ذلك بأربعة أعوام نشر المعهد كتاب «إسلامية المعرفة: المبادئ – خطة العمل – الإنجازات» في عام 1406 هـ - 1986 م. الذي أعده بالإنجليزية الدكتور إسماعيل الفاروقي، وأعاد الدكتور عبدالحميد أبوسليمان تحرير الكتاب مع إضافات عديدة باللغة العربية في عام 1406 هـ - 1986 واعتبر منذ ذلك الحين خطة ودليل لمشروع إسلامية المعرفة.

ج- انعقاد المؤتمر العالمي الثالث في 27 شوال 1404 هـ في كوالالامبور باستضافة من وزارة الثقافة والشباب الماليزية، وللإعداد لهذه الندوة أرسل المعهد إلى خمسة آلاف عالم ومفكر ومؤسسة علمية في العام ورقة عمل تبين وتحلل واقع الفكر الإسلامي وأزمته وضرورة إعادة النظر في كثير من القضايا للبدء بوضع فكر الأمة على المسار الصحيح. وخلال هذا العام بدأ المعهد برنامجه للحلقات الدراسية في إسلامية العلوم الاجتماعية، وكانت الحلقة الأولى في إسلامية التربية للفترة (3 و 4 نوفمبر 1984) والثانية في إسلامية العلوم السياسية للفترة (9 و 10 فبراير 1985) والحلقة الثالثة في إسلامية العلوم السلوكية للفترة من 2 – 5/8/1985م، والحلقة الرابعة للفترة من 26 – 29/9/1985 م. 

د- انعقاد المؤتمر العالمي الرابع للفكر الإسلامي لإسلامية المعرفة تحت عنوان «المنهجية الإسلامية والعلوم السلوكية، في الخرطوم بالسودان، بالتعاون مع جامعة الخرطوم في عام 1404 هـ1987 م.

هـ - المؤتمر عن الحضارة الإسلامية في مايو 1984في ماليزيا والذي قدمت فيه البحوث المتخصصة في موضوع الحضارة الإسلامية وتأثيرها في منطقة شرق أسيا وذلك ضمن خطة الحكومة الماليزية التي تستهدف توعية الشعب الماليزي إسلامياً وتعريف الأمة وشبابها بالإسلام وتشويقهم لحضارته.

وللمعهد مشاريع في طور التنفيذ نحو تحقيق خطة عمل المعهد وخدمة إسلامية المعرفة:

1- مشروع دراسة الفكر الحضاري ونقده:

أخذ المعهد على عاتقه إصدار سلسلة من الكتب توضح بشمولية واعية ناقدة جوانب الحضارة الغربية.

2- مشروع إحياه التراث الإسلامي : هذه هي الخطوة الثانية الموازية لخطوة دراسة الفكر الغربي ونقده في سبيل العمل على استكمال قدرات المثقف والعالم المسلم وأدواته العلمية.

3- مشروع المنح: يقوم المعهد بتقديم المنح إلى الطلاب المسلمين النابهين وغير القادرين والراغبين في الانضمام إلى المعهد الإسلامي للدراسات العليا بغرض إعداد الكوادر الإسلامية العلمية في بحال   «إسلامية المعرفة».

4- مشروع التعاون بين المعهد وجامعات أخرى: يقوم المعهد بالتعاون مع بعض الجامعات من أجل التأصيل طلبة الدراسات الاجتماعية الإسلامية في الجامعة بتدريس وجهة النظر الإسلامية السلیمة وتوجيه دراسات طلاب الدراسات العليا ورسائلهم العلمية لخدمة قضايا الأمة.

5- مشروع دراسة العلاقات الدولية في الإسلام: يقوم المعهد بالاتصال بالعلماء والمؤسسات العلمية لإرساء نظام الحلقات الدراسية في مجالات إسلامية المعرفة في مختلف الحواضر العلمية في أنحاء العالم الإسلامي لتمثل قواعد للعمل والتعاون والانطلاق العلمي للعلماء والفكرين والمثقفين المسلمين ومجالات لتبادل الخبرة والنقد النباء.

3- الجمعية السعودية للعلوم التربوية و النفسية: 

و قد أنشئت هذه الجمعية عام 1406 ﻫ - و من أهداف إنشائها المساهمة في جهود التأصيل الإسلامي للعلوم التربوية و النفسية ، و قد خصصت لقاءها السنوي الخامس لموضوع التأصيل الإسلامي للتربية و علم النفس و قد حالت بعض الظروف دون انعقاد اللقاء ، و لكن الجمعية بصدد إصدار البحوث التي وصلتها لهذا اللقاء بعد تحكيمها في مجلتها العلمية رسالة التربية و علم النفس.

4 - الجمعية الإسلامية العالمية للصحة النفسية:

وقد أنشئت فی مطلع القرن الخامس عشر في سنة 1983 ومقرها بالقاهرة ، ورئيسها الدكتور جمال ماضي أبو العزائم، لهذه الجمعية مجلة شهرية بعنوان «النفس المطمئنة».کما کل سنتین لها مؤتمر  عاما . وقد عقدت الجمعية مؤتمرها الأول في لاهور بباكستان سنة 1985 وكان موضوعه : دور المسجد في الإسلام.

5 - المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (الإسيسكو):

وهي منظمة تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، ومقرها بالرباط (المغرب) وصلتها بمشروع التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية يتمثل في اهتمام المنظمة بالواقع التعليمي في مختلف مراحل التعليم ، وإجراء دراسات علمية لمناهجه ، ووضع استراتيجية للثقافة الإسلامية ، فقد جاء في ورقة قدمتها المنظمة للندوه التي عقدتها بالرباط أيام 28 – 29 – 30 مايو 1988 في إطار برنامج جعل الثقافة الإسلامية محور مناهج التعليم بالدول الأعضاء: 

أ – الاهتمام في ميدان الثقافة بجهود وإسهامات العلماء المسلمين في كل جوانب المعرفة الإنسانية قديمًا وحديثًا. 

ب – التركيز علی هادفية العلم في الإسلام ، ومساهمته في تنمية المجتمع.

ج – تدريس نظريات علماء المسلمين في مختلف العلوم وإبراز دورهم في تأسيس الفكر العلمي التجربيي ، ودورهم في تطوير العلوم.

وللمنظمة مجلة دورية تصدر كل ستة أشهر بالعربية والفرنسية والإنجليزية تحمل اسم «الإسلام اليوم» وتفتح صفحاتها للأبحاث المتعلقة بالتأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية.

6- مركز التربية العربي لدول الخليج

ومقره بالرياض بالمملكة العربية السعودية ، ويهتم المكتب بأحد المجالات التطبيقية لعلم النفس وهو التربية والتعليم ، وقد عقد عدة ندوات وأصدر عدة كتب و دراسات في مجاله ، وأهم مشروع يضطلع به : هو إنجاز موسوعی في الفكر التربوي العربي الإسلامي ، بتعاون مع المجمع الملكي الأردني لبحوث الحضارة (مؤسسة آل البيت) والمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (الألسكو) ، فقد تم الاتفاق بين المؤسسات الثلاث بتاريخ 28 ذي‌القعده 1402 ه‍ الموافق 16 سبتمبر 1982 علی التعاون لإنجاز هذه الموسوعة ، وقد أصدرت (الألسكو) المجلد الأول من هذه السلسلة تحت عنوان «من أعلام التربية الإسلامية» طبع المكتب 1409 ه‍ = 1988.

کما تولي عدد من الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي التأصيلَ الإسلامي اهتماماً كبيراً و نذکر منها:

1 – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية:

تعتبر الجامعة من الجامعات الرائدة في دعم جهود التأصيل حيث يُدّرس في قسم علم النفس في الجامعة مقرران أحدهما حول التراث النفسي لدی علماء المسلمين و الأخری حول التوجية الإسلامي لعلم النفس.

2 – جامعة الملك سعود: تساهم أيضاً قسم علم النفس بكلية التربية بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقاً) في هذه الموضوعات حيث يُدّرس في قسم علم النفس بالجامعة مقرران أحدهما حول التراث النفسي لدی علماء المسلمين و الأخری حول التوجية الإسلامي لعلم النفس . ومنذ إنشاء عمادة البحث العلمي بالجامعة في عام 1404 – 1405 ﻫ - انتعشت حركة التأصيل الإسلامي وقامت الجامعة بعملية التأصيل و الإسهام فيها بشكل بارز وملموس وذلک عن طريق إقامة ندوات حول موضوع التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية و بالتنسيق مع أقسام كليات العلوم الاجتماعية بالجامعة .

کما تهتم بعض الأقسام في الجامعات المصرية ، و الجامعة الإسلامية في باكستان ، و الجامعة الإسلامية في ماليزيا ، و بعض الجامعات السودانية بموضوع التأصيل الإسلامي اهتماماً كبيراً.

و هناک دوريات علمية  التي تساهم في دعم المشروع و لعل أبرزها:

1- مجلة المسلم المعاصر – القاهرة.

2- دراسات تربوية – رابطة التربية الحديثة – القاهرة.

3- علم النفس – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة.

4- المجلة الاجتماعية القومية – المركز القومي للبحوث – القاهرة.

5- رسالة الخليج العربي – مكتب التربية العربي لدول الخليج.

6- مجلة النفس المطمئنة – القاهرة.

7-المجلة الأمريکية للعلوم الاجتماعية الإسلامية الصادرة عن جميعة علماء الاجتماع المسلمين بالولايات المتحدة بالتعاون مع المعهد العالمي للفكر الاسلامي.

ج) المرحلة الثالثة: تراجع جهود المؤسسات:

من منتصف العقد الثاني من القرن الخامس عشر الهجري (منتصف التسعينات الميلادية تقريباً) تراجعت جهود المؤسسات في عقد ندوات أو مؤتمرات حول موضوعات التأصيل، وکذلک استمرار الجهود الفردية ومن ذلك رسالة الدكتوراه للأستاذ محمد عزالدين توفيق بعنوان «التأصيل الإسلامي للدراسات النفسية: البحث في النفس الإنسانية والمنظور الإسلامي» تحت إشراف الأستاذ الدكتور المهدي بن عبود، وذلك من كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط بالمغرب ونشرت في كتاب طبعته الأولی عام 1998 م و طبعته الثانية عام 2003. وهناك العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي قدمت إلى الجامعات العربية والإسلامية، خصوصاً في السعودية ومصر، التي تناولت موضوعات التأصيل الإسلامي لعلم النفس. 

المصطلحات ومفهومها

إن إسلامية المعرفة قضية تعبر عن رسالة فكرية جليلة ، تمثل واحدة من السمات و الثوابت الأصيلة فى حضارتنا الإسلامية منذ ظهر الإسلام، و تشمل المعرفة جميع المعارف والعلوم الإنسانيه و الطبيعية .و علی ذلک، فهذا المصطلح يتضمن إسلامية علم النفس، باعتبار أن علم النفس أحد فروع العلوم الإنسانية. وأما أسلمة المعرفة أو العلوم الاجتماعية و الإنسانية و الطبيعية أسماء عديدة برزت في مسيرة التأصيل الاسلامي للعلوم . في ما يلي عرض لأهم هذه المصطلحات و هي أربعة:

1 - علم النفس الإسلامي :

لقد كان الأستاذ الدكتور محمد عثمان نجاتي،فيما يبدو أول من استخدم هذا المصطلح في كتابه  تحت عنوان « الإدراك الحسي عند ابن سينا » الذي نشر عام 1948 م . و كان يعنی هذا المصطلح ، التراث النفسي في الاسلام؛ وهو معني يختلف أساسا" عن المعني الذي استخدمه في كتاب« مدخل إلی علم النفس الإسلامي» الذي صدرت طبعته الأولي في عام 2001م و المقصود بهذا المصطلح فيه هو « علم النفس القائم علی أساس التصور الإسلامي للإنسان، وعلی أساس مبادئ الاسلام  وحقائق الشريعة الإسلامية » الذی صدرت طبعته الأولی عام 2001م.

و كذلك استخدم هذا المصطلح الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد الأهواني عام1962 عندما كتب مقدمة لكتاب « الدراسات النفسية عند علماء المسلمين و الغزالي بوجه خاص » تحت مسمی علم النفس الإسلامي للأستاذ عبدالكريم العثمان.

ويری مرسي1411ﻫ:أن هذا المصطلح استخدم من قبل ثلاث فرق بطرق و تعريفات مختلفة هي:

1 – الفريق الأول استخدم مصطلح علم النفس الإسلامي بمعني علم نفس ديني إسلامي ، و هذا ما طرحه الدكتور أحمد فؤاد الأهواني عام 1962 م ، عندما كتب ما يلي : «  مادمنا أفسحنا مجال دراسة الظواهر الدينية نفسانياً ، فلا غرابة أن نقول بوجود علم نفس إسلامي ، كمال نقول بوجود علم نفس بوذي أو نصراني ، لاختلاف خصائص كل دين من هذه الأديان ». ويعلق نجاتیعلی هذا التعريف حيث يقول لم يلق هذا التعريف لهذا المصطلح قبولاً بين علماء النفس المهتمين بالتأصيل الإسلامی لعلم النفس، ولم يستخدم أحد آخر بهذا المعنی.

ويعلق الصنيع2007، علی رأي هذا الفريق حيث يقول أن علم النفس الإسلامي من وجهة نظر هؤلاء فرع من فروع علم النفس، يختص بدراسة الخبرة الدينية لدی المسلمين ، و هو يقابل ما يعرف بعلم النفس الديني في علم النفس . لذلک طرح هذا الفريق لم يجد قبولاً من الباحثين : لأن دين الإسلام يختلف عن غيره من الأديان و المذاهب ، فهو دين شمول و كمال يدخل تحت مظلته كل ما سواه ، و هو لا يمكن أن يكون جزءاً من أي مصطلح آخر مهما كان ؛ لذا خبأ هذا الطرح و ظهرت طروحات أخری غيره.

2 – فريق ثان استخدام مصطلح علم النفس الإسلامي علی أنه مقابل أو بديل لعلم النفس الحديث الغربي ، و يعتمد في دراسته للإنسان علی المعارف الواردة في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة،و ما قدمه علماء المسلمين من اجتهادات لشرح الآيات و الأحاديث و الاستنباط منها . و يقول محمد حسن الشرقاوی فی مقدمة کتابه نحو علم النفس الإسلامی « و هذا الکتاب محاولة السير فی الاتجاه الصحيح فی دراسة النفس و اختيار المنهج السليم فی تفهم الدوافع النفسانية .. و قد استفينا مادته الأصلية من القران الکريم .. و السنة المحمدية ، و اجتهادات الأئمة ، و إجماع علماء الأمة»  و أما محمد رشاد خليل أخذ موقفاً  يشبه موقف محمد حسن الشرقاوی، بل أکثر متطرفاً بنسبة رفض علم النفس  حيث يقول: « علم النفس من أوسع علوم الإسلام ، احتل مساحة كبيرة في الكتاب و السنة ، و أولاه الفقهاء عناية شديدة ، و هو ركن أساسي من مباحث أصل الدين و الاعتقاد ، و قد ضمنه الفقهاء كتب التفسير و شروح الحديث و علومه ، و كتب الفقه و التراجم و كتب الدعوة و الإرشاد و السلوك ، ففي هذه الكتب أضخم موسوعة في علم النفس مستمدة من القرآن و السنة » ثم يقول  « حين نقول بعلم النفس الإسلامی،فإنا لا نتکلم عن علم هو مجرد آراء وظنون و وجهات نظر خاصة خاضعة لظروف خاصة لعلم نفس الرجل الأبيض؛ وإنما نتکلم عن علم تأسس أولاً علی خبر الوحی الصادق من خالق النفس ، ثم اتسق بالاجتهاد عبر القرون  علی أسس علمية منهجية أرسی قواعدها الوحی الإلهي ،حيث تجمعت عند المسلمين أضخم موسوعة  فی علم النفس فی التاريخ العام .. ومصادر علم النفس الإسلامی ثلاثه هی الکتاب و السنة و الفقه » ، ورأي هذا الفريق و إن كان أفضل من الفريق الأول إلا أنه حرم نفسه مما يمكن أن يكون في علم النفس الغربي من الحق و الحكمة التي لا يمنع الإسلام من الاستفادة منها مادامت لا تعارض المسلمات الإسلامية العامة المستقرة لدي المسلمين ، و لذا لم تتسع مساحة التأييد لهذا الرأي بل مهدت الطريق لبروز رأي الفريق الثالث.

3 – الفريق الثالث و الذي تجنب المزالق التي وقع فيها من سبقهم و حاولوا الاستفادة من كل ما هو متاح و يخدم الهدف الذي يسعون لتحقيقة ، لذا عرف هذا الفريق علم النفس الاسلامي علی أنه« العلم الذي يبحث في طبيعة الإنسان و غايته و أهدافه و علاقاته بربه و بالناس و الكون ، و في النفس و ماهيتها و أحوالها و مكوناتها ، و عوامل صلاحها و فسادها ، و علامات سوائها و انحرافاتها ، و أساليب تزكيتها و وقايتها و علاجها ، و ما يسعدها و يشقيها ، يبحث أيضاً في علاقة النفس بالجسم و الروح و القلب و الفؤاد و التكامل بينها ، و في سلوك الإنسان و دوافعه و أهدافه ، و في قيمه و عاداته و اتجاهانة و أفكاره و وساوسه ، و علاقة كل هذا بسعیه في الحياة و ايمانه بالله و توافقه النفسي و الاجتماعي في الدنيا و مصيره في الآخرة » . و يعتبر الدكتور فؤاد أبوحطب من رواد هذا الفريق و قد طرح رأيه في« ندوة علم النفس و الإسلام» في عام 1989 م ، في القاهرة تحت عنوان «نحو وجهة إسلامية لعلم النفس »و قال: «...إننا کعلماء نفس مسلمين مطالبون بالنظر إلی علم النفس من منظور شمولية الإسلام ، ليصبح هذا العلم الذی يشمل مختلف جوانب سلوک الإنسان الدينية و الدنيوية موجهة إسلامية» و يقصد بالتوجيه الإسلامي لعلم النفس بناء علم النفس علی أسس المبادئ الكلية العامة للإسلام، و عن تصور الإسلام للإنسان و الكون.

2- أسلمة علم النفس ( أسلمة المعرفة ) :

أول من طرح هذا المصطلح ، علی حسب ما يذکر الصنيع2007،هو إسماعیل الفاروقي ، في الندوة التي عقدها المعهد العالمي للفکر الإسلامي في مدینة إسلام آباد بباکستان بالتعاون مع« الجامعة الإسلامية فى اسلام‌آباد» ،في عام  1982، حیث عرف الفاروقي  الأسلمة المعرفة بما يلي « إعادة تعريف المعلومات و تنسيقها وإعادة ‌التكفير فى المقدمات والنتائج المتحصلة منها ، و أن يقوم من جديد ما انتهي إليه من استنتاجات ، و أن يعاد تحديد الأهداف . . . علی أن يتم كل ذلك بحيث يجعل تلك العلوم تثرى التصور الإسلامى و تخدم قضية الإسلام‌ ». ثم يقول« و لتحقيق هذا الهدف لابد من أن تحل التصورات المنهجية للإسلام  و أعني بها وحدة الحقيقة و وحدة المعرفة و وحدة الإنسانية و وحدة الحياة و الطبيعة الغائية للخلق و تسخير الكون للإنسان ، و عبودية الإنسان منه أن تحل هذه محل التصورات الغربية ، و أن يتحدد علي أساسها إدراك الحقيقة و تنظيمها . كذلك لابد للقيم الإسلامية و أعنى بها أثر المعرفة فى تحقيق السعادة للإنسان و تفتح ملكاته و إعادة النظر فى المخلوقات بحيث تجسد السنن الإلهية و بناء الثقافة و الحضارة ، و إقامة معالم الإنسانية بارزة فى المعرفة و الحكمة و البطولة و الفضيلة و التقوي و الورع ـ لابد لهذه القيم من أن تحل محل القيم الغربية ، و أن توجه نشاط التعليم فى كل المجالات ».

وعرف إدریس ،1988« إسلامية المعرفة » بأنها: « الدعوة إلی إسلامية العلوم هى إذن دعوة إلی تأكيد الموضوعیة لا إلی التخلّي عنها ،لأنها دعوة إلى أن يكون إطارها الفلسفى نفسه قائما علي حقائق موضوعيّة ، إنها دعوة إلي أن يفكر العالم و يشاهد و يجرب و يستنتج و هو مؤمن بالله ، و بأن محمداً رسول‌الله ، و أن القرآن الكريم كلام‌ الله ، لأن هذه نفسها حقائق موضوعية عنده دليل عقلى علي صحتها ، إنها لیست دعوی اعتقاديّة بل هي إيمان یقوم علی علم (فاعلم أنه لا إله إلا الله) . بل إن إیمانه بها و إعلانه هذا الإیمان و هو يبحث و يفكر و يجرب و يكتب و يناقش سيكون من أقوي الأدلة علي أنه لا تناقض بين البحث العلمي و الاعتقاد الدينى الإسلامي ، بل إن ما ينتج عن‌ التزام بهذا الإطار من ثمار واقعیّة  ونظریّة  سیکون هو نفسه من أقوی الأدلة علی فضله و تفوقه علي الإطار الإلحادى المادى... و حين يبين المنظّر أو الفيلسوف المسلم فضل الإطار الإسلامى علي غيره فإنه لا يتحدث لإخوانه المسلمين فحسب ، و لا يقول إن الإطار الإسلامى صالح لعلم دون علم ، أو لأمة دون أخري ، بل إن هدفه أن يبين صلاحية هذا الإطار للبحث العلمى أيّاً كان و للباحث أيا ًكان».

و عرف خليل 1992 « إسلامية المعرفة» أو « أسلمة المعرفة» بأنها : ممارسة النشاط المعرفى كشفاً و تجميعاً و توصيلاً و نثراً من زاوية التصور الإسلامى للكون و الحياة و الإنسان ... » ثم يبين « أن النشاط المعرفی هو إضافه أو تسليط العقل البشری، أو بعباره أدق القدرات العقليه البشرية، علی الظواهر المادية و الحيوية و الروحية و الإنسانية فی مدی الکون و العالم و الحياة...  إن هذه « إسلامية » لا تنسحب فقط علي ما يسمي بالعلوم الصرفة «المحضة» و التطبيقية فى التعامل مع الوجود ، و انما تمتد بالضرورة إلی ما يعرف بدائرة العلوم الإنسانية ، بل إنها فى هذه أشد ضرورة لأنها المعينة بترتيب وضع الإنسان فى العالم و تنظيم حياتة بما يجعله قادرا علي تحقيق مهمته فى العالم. وذلک من أجل أن تصبح الحياة البشرية، بمختلف أنشطتها و صيغها، إسلامية التوجه، إسلامية الممارسة، إسلامية المفردات... إن « إسلامية المعرفة » ها هنا لا تعنى فقط الدعوة لتحقيق الوفاق بين متطلبات العلوم الإنسانية و بين المطالب الدينية علی مستوي التطبيق ، و إنما تعني ، قبل هذا و بعده، احتواء کافة الأنشطة المعرفية علي المستويين النظرى و التطبيقى معاً، من أجل جعلها تتحقق فى دائرة القناعات الإيمانية ، و تتشكل وفق مطالبها و تصوراتها الشاملة أسوة بالعلوم الأخری.

و عرف عمارة،1992إسلامية المعرفة بأنها: « المذهب القائل بوجود علاقة بين الإسلام ، و بين المعارف الإنسانية ، و الرافض لجعل الواقع و الوجود وحده المصدر الوحيد للعلم الإنسانى و المعرفة الإنسانية . هى المذهب الذى يقيم المعرفة علی ساقين اثنين : الوحى و علومه ، و الكون و علومه ، و ليس علي ساق واحدة هى الوجود».

ثم یقول :« إسلامية المعرفة أو التأصيل الإسلامى للمعرفة، فى أدق و أبسط و أوفي التعريفات هى : الإيمان بوجود علاقة بين المعارف و العلوم التي يكتسبها الإنسان و بين الإسلام الذى يدين به هذا الإنسان، الذي يكتسب هذه المعارف و يحصل هذه العلوم . و ذلك انطلاقا من تأثيرات عقائد الدين و أحكام شريعته و معايير التدين به علي العادات و التقاليد و الأعراف و المواريث و الآداب و الفنون التى صاغت و تصوغ ( النموذج الثقافى ) لهذا الإنسان الذى يخوض ميادين البحث و الاكتساب للمعارف و العلوم ».

يعتبر الأستاذ  أبو القاسم حاج حمد،2003 في تعريفها : أسلمة المعرفة:« تعني فک الارتباط بين الإنجاز العلمي الحضاري البشري والإحالات الفلسفية الوضعية بأشکالها الختلفة ، وإعادة توظيف هذه العلوم ضمن نظام منهجي ديني غير وضعي ، وهي تعني فيما تعنيه أسلمة العلم التطبيقي والقواعد العلمية أيضاً ، و ذلک بفهم التماثل بين قوانين العلوم الطبيعية و قوانين الوجود التي رکبت علی أساسها القيم الدينية نفسها ، ولذلک تتم أسلمة الإحالات الفلسفية للنظريات العلمية بحيث تنفي عنها البعد الوضعي ، وتعيد صيغتها ضمن بعدها الکنوني الذي يتضمن الغائية الإلهية فی الوجود و الحرکة »  . ويؤكد حاج حمد أن « إسلامية المعرفة لا تعني بحال مجرد إضافة عبارات دينية إلی مباحث العلوم الاجتماعية والإنسانية باستمداد آيات قرآنية ملائمة لموضوعات العلم المقصود أسلمته ، بل هي إعادة صياغة منهجية و معرفية للعلوم و قوانينها ، کما لا تعني مجرد سحب الانتماء الذاتي للدين علی کافة الموضوعات لإضفاء الشرعیة الدينية علی الإنجاز الحضاري البشري واستلابه دينياً بمنطق الاحتواء اللاهوتي واللفظي ». و  يعرف فتاح،1995،أسلمة المعرفة بإنها أسلمة: « عنوان لنهج فکري في التثاقف الحضاري ، ذي بعدين أو معنيين متضايفين : الأول منهما :و يراد به جهد الفکر الإسلامي المعاصر ، وسعيه الحثيث من أجل هضم جميع ما أنجزه الفکر الغربي وتمثله في بعديه : الحضاري المادي ، و الثقافي المعنوي . أما الثاني : ففيه التنبيه علی تحرير تلک المنجزات التي نشأت ضمن مفاهيم فلسفية ،لا دينية ، و مادية و إلحادية ، و ذلک بإعادة تفسيرها، و ربطها بإطار قيمي إسلامي ، موصول ومتصل بالهدی الإلهي، الذي بلغ کماله و ختامه  بالإسلام».

و یری العلواني 1994،أن إسلامية المعرفة هى « رؤية منهجية معرفية ، و ليست حقلاً علميا ًدراسياً أو تخصصاً أو أيديولوجية أو نحلة جديدة ، و لذلك فهى تسعي دائما في قضايا المعرفة و المنهج إلي التجدد و التبلور . . إن إدراك حقيقتها يتوقف علي النظر إليها علي أنها منهج فى التعامل مع المعرفة و مصادرها ، أو منظور معرفى فى طور البناء . . إن قضية إسلامية المعرفة . . قضية منهجية تقوم علی اكتشاف العلاقة المنهجية بين الوحى و الكون وهى علاقة تداخل و تكامل منهجى تكشف عن استيعاب منهجية القرآن العظيم للكون و سننه و قوانين حركته . كما أن فهم السنن الكونية و القوانين الطبيعية تساعد علی فهم و اكتشاف قواعد منهجية المعرفية،كما تساعد علي فهم نظم  القرآن القديم المتسق مع التركيب الالهي العجيب للكون و الإنسان المستخلف فيه الذى يمثل كونا صغيراً . إن مهمة إسلامية – المعرفة – لا يستطيع القيام بها إلا من أوتی القرآن و حظاً وافراً من العلوم و المعارف الاجتماعية و الإنسانية المعاصرة و المتوارثة بشکل کاف لاکتشاف ذلک التداخل المنهجی بين القرآن والکون والإنسان و لذلك فإن إسلامية المعرفة يمكن أن تتضح أفكارها و تظهر معالمها المنهجية فى إطار المحاور الستة التالية وهى : المحور الأول : بناء النظام المعرفى الإسلامى . المحور الثاني : بناء المنهجية المعرفية القرآنية . المحور الثالث : بناء منهج التعامل مع القرآن العظيم . المحور الرابع : بناء مناهج التعامل مع السنة النبوية المطهرة . المحور الخامس : قراءة التراث الإسلامى قراءة سليمة . المحور السادس : التعامل مع التراث الغربى . ثم يقول: « تلك هى إسلامية المعرفة كما نفهمها فى طورها هذا ، و فى مرحلة نموها الحالية تدعو لاستنفار ثقافى إسلامي عالمى باتجاه رؤية عالمية شاملة لبناء حضارة الإنسان و تعمير الأرض و تحقيق السعادة لجميع البشر . . » .

و قام عيسی،1986 بشرح « أسلمة علم النفس » فذکر أنها« ..اشتقاق الأسس الشرعية، و الاستفادة مما توصل إليه علماء الغرب من نتائج مادية تساهم فی عماره الأرض، وقيام الإنسان بوظيفته المرتضاة له ديناً، و توجيه هذه النتائج فی سبيل تحقيق الغاية من هذا الوجود تحت اسم« أسلمة المعرفة». ولم يقف هذا الاتجاه عند « المناداة» و إنما تخطی ذلک إلی تصور المبادئ العامة و خطة العمل. و سعی لإقامة علم النفس فی ضوء مبادئ الإسلام وذلک اعتماداً علی ثلاث مصادر أساسية وهي: الوحى ، و الحكمة (الفلسفة)، و نتائج الأبحاث . حيث يقول: « إن طبیعة الإنسان المعقدة من الجسم و روح و عقل و إرادة تتحکم مكوناتها علاقات متداخلة و حاجات و رغبات متبانية تحتاج إلي التوازن الدقيق لكى يغيب فيه تعارض هذه الحاجات و تلك الرغبات ، و تستقيم من خلاله العلاقات بينها . هذه طبيعة تحتم أن يكون لما يتصل به من علوم جانبية أساسان : الجانب المعيارى و الجانب الواقعى . و لا تستقيم أية رؤية دون وضع هذين الجانبين فى الأساس ، و لايمكن لأحد من البشر مهما عظم قدره ، أو تعاظمت قدرته أن يضع المعيار الصحيح الكامل الذى يحيط بطبيعة الإنسان ، بل إن محاولة تحقيق مثل هذا الهدف يعتبر عبثاً . ومن ثم وجب التسليم بأن المصدر الأسمی و المهيمن للجانب المعيارى هو الوحى ، فهو وحده الذى يتوجه إلی النفس كلها مقدما لها الزاد المتكامل ، منهج من خلقَ لمن خُلِق . ولما كان الجانب الواقعى مرتبطاً بقدرات الإنسان الحسية المتمثلة فى الخلق و الحس ، كانت الأصول الفلسفية بمفهومها الصحيح من الحكمة  و نتائج الأبحاث و الدراسات التجريبية و غير التجريبية ، و التى نتوصل إليها في إطار هيمنة المعيار الشرعى ، منبعاً لاطمئنان القلب و تثبيت الفؤاد تجاه ما نتوصل إليه منها ... و هكذا تكون المصادر التى نلجأ إلیها في رسم هذه الرؤية هى : (1) الوحى ، (2) الحكمة ( الفلسفة ) ، (3) نتائج البحوث »  .    یتبع .......