المودودي: حياة عالم تعدى تأثيره الحدود الجغرافية للصحوة الإسلامية المعاصرة ..

قدم المفكر الإسلامي أبو زيد المقرئ الإدريسي بحثا قيما في الندوة التي نظمتها الحركة الإسلامية بباكستان حول الذكرى المئوية لميلاد الإمام المودودي، بلاهور دجنبر, 2003 تطرق فيه إلى مساهمة المودودي في فكر الصحوة الإسلامية المباركة وروادها في المشرق والمغرب، جناحي العالم الإسلامي.

وقال أبو زيد، عضو مجلس شورى حركة التوحيد والإصلاح المغربية، في تقديم ورقته العلمية حول مفكر إسلامي عظيم، تعدى أثره وجاوز صداه بلاد باكستان إلى كل أرجاء العالم الإسلامي، بل إلى العالم كله: ''إنه ليسعدني أن أمثل في هذا المحفل المهيب وطني الإسلامي بلاد المغرب، التي تمثل الجناح الغربي الأقصى لبلاد المسلمين، كما أنتم هنا تمثلون بداية الجناح الشرقي الأقصى لهذه البلاد، هذا الجناح الذي ينتهي عند مسلمي الفلبين وأندونيسيا. إننا معا جناحا هذا الكائن العظيم الذي يوجد قلبه في بلاد مكة، حيث يجتمع حجيج الرحمان في كل سنة في موسم الحج في هذا القلب نيابة عن الأمة الإسلامية قاطبة في مؤتمر حاشد يلتقي فيه الباكستاني بالمغربي مع ممثلين عن كل بلاد المسلمين. وإنني لأرجو الله أن يجعل مؤتمرنا هذا فرعا صغيرا من ذلك المؤتمر، ويجعل اجتماعنا استمرارا لروح ذلك الاجتماع، تحت ظل الجهاد والاجتهاد الذي خلده وخلد به الأولين والآخرين مولانا الداعية المفكر السياسي الفقيه المجاهد أبو الأعلى المودودي رحمه الله''. 

وفي ما يلي الجزء الأول من البحث الذي أوضح فيه إفادات المودودي في شتى المجالات. 

المودودي في العالم العربي:

بلغ صيت الإمام المودودي إلى بلاد العرب المسلمين مع انتشار ترجمة مؤلفاته من الأردية والإنجليزية، وانتشار الطباعة والنشر عبر مراكزها الكبرى في بلادهم، خصوصا بيروت والقاهرة ودمشق، وكان للمؤلفات المتميزة التي انتقيت بعناية من كتب الإمام المودودي وترجمت إلى العربية من الأردية مباشرة أو عبر الإنجليزية، صداها لدى المفكرين والدعاة وشباب الصحوة الإسلامية، فقد أقبل قطاع واسع من الأمة العربية على فكر الإمام المودودي، وعلى دراسة سيرته وتتبع جهاده، بل والتعلم من طريقته المتميزة في نصرة الإسلام وبعث مجده في شبه القارة الهندية، حتى أصبح عنده قرين سيد قطب، بل وصنو حسن البنا رحمهما الله، على مستوى الصدى الدعوي والأثر الحركي. 

أما على مستوى العمق الفكري والاجتهاد الفقهي وتغطية جميع مجالات الفكر الإسلامي بالبحث والدراسة، فإن كثيرا من المنصفين من أبناء الدعوة الإسلامية العرب، يقدمونه عليهما، بل وعلى جميع المفكرين والعلماء الدعاة المعاصرين للمودودي في البلاد العربية. 

لقد ترك الإمام المودودي أزيد من سبعين بحثا ورسالة ترجم منها إلى العربية حوالي خمسين، في سياق الترجمة الواسعة لفكره النير ومشروعه المبدع إلى حوالي عشرين لغة تمثل أهم لغات العالم الإسلامي وأغلب لغات التواصل في العالم المعاصر، وهذان الرقمان وحدهما يكفيان لبيان مدى وصول صوت الإمام المودودي إلى العالم الإسلامي وإلى أرجاء بقية العالم، وبالخصوص إلى العالم العربي، قلب الإسلام النابض، وموطن النبوة، وموئل الدعوة الإسلامية. 

لقد أنسانا شغفنا بالمودودي الحدود الجغرافية والخصوصيات التاريخية والثقافية، وعذرنا أن للمودودي تأثيره وسحره، وأن للأمة الإسلامية مشتركها ومتشابهها، ألم يقل شاعر الإسلام الكبير، أحمد شوقي رحمه الله: «... ولكن كلنا في الهم شرق!». 

ماذا تعلمنا من المودودي؟ 

بلغتنا مؤلفات وأصداء الإمام المودودي إلى أقصى غرب العالم العربي، نحن أبناء المغرب، فتشربت أرواحنا أفكاره وآراءه، وتلمسنا من ورائها جديته بل وحرقته على الإسلام، وكان مبلغ تأثرنا به، أن الحركة الإسلامية الوليدة آنذاك في بداية السبعينيات سارعت إلى اعتماد مؤلفاته ضمن برنامجها الفكري والتربوي، وما زلت أذكر وأنا تلميذ في الثانوية العامة أني اطلعت على كتابه القيم «المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم» وكتابه «مبادئ الإسلام» ولائحة هامة من كتبه القيمة ما زلت أذكر منها «الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية» و»الإسلام وتحديد النسل» و»حقوق الزوجين» و»الحجاب» و»الخلافة والملك» وغيرها. 

وكان ذلك، بالنسبة لي ولكثير من شباب الصحوة، سببا للإقبال على المودودي فكرا وسيرة ومواقف ومؤلفات واجتهادات، إقبال النهم المتعطش، فوجدنا فيه ضالتنا للإجابة عن كثير من الأسئلة المعلقة، وتفصيل كثير من الأمور المبتسرة أو الغامضة، حتى أصبحت أرواحنا تسافر هناك، وتحلق مع المسلمين في شبه القارة الهندية ـ من خلال أفكار المودودي ـ منغمسة في مشاكلهم وهمومهم وأحيانا في خصوصياتهم المحدودة بحدود وطنهم، متناسين للحظات أننا نعيش في المغرب. 

المشروع الإسلامي حرفة المودودي:

لقد علمتنا الرحلة الفكرية والسياحة الوجدانية مع فكر المودودي وسيرته دروسا كثيرة، علمنا المودودي أن المشروع الإسلامي أكبر وأجل من أن تصرف له فضول الأموال والأوقات، فهو يستحق التفرغ الكامل له، ويحتاج البذل الكامل في سبيله، لقد رفض المودودي منصب أستاذ جامعي، أو أن ينصرف للتجارة لتحسين وضعه الاجتماعي الصعب، وتفرغ للدعوة إلى الله جاعلا إياها حرفته وعمله اليومي إلى أن لقي الله تعالى، ومازال صوته عندما انتخبه إخوانه أميرا للجماعة الإسلامية في يوم 26/08/1941 مجلجلاً في آذاننا «إن هذه الحركة هي هدف حياتي الأساسي، حياتي ومماتي وقف على هذا الهدف النبيل».