بعد مضي عام واحد على وصول أول رئيس مدني إلى سدة الحكم في مصر، إختاره الشعب المصري في انتخابات حرة ونزيهة، توقف المسار الديمقراطي في هذا البلد، إثر إنقلاب الجيش وتعليق الدستور الذي أفرزته إرادة غالبية المصريين. هذا الحدث المؤلم نال من آمال متزايدة علّقت على انطلاق مرحلة تحول إيجابي في أهم دولة عربية وأكثرها حساسية، والتي كانت بمقدورها إحداث تغييرات وتحولات جذرية في العالم العربي برمته. وفي هذا الشأن نؤكد على التالي: 1ـ اللجوء للقوة لتغيير موازين القوة والإلتفاف على إرادة الشعب المصري لايمكن تبريره بأي منطق أو حجة، بالتالي فإن جميع أبناء البشر المتحضرين والأحرار يرفضون هذا الإنقلاب الغاشم وينددون به. 2ـ تحدث الإنقلابيون في أول إعلانهم عن التزامهم بالحفاظ على حقوق المواطنين كحرية التعبير، وحرية التجمع والإحتجاج، وعدم تبني أي توجه سياسي محدد على حساب بقية القوى السياسية، لكنهم نكثوا بوعودهم في الدقائق الأولى من خلال إعتقال واسع لقادة حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق القنوات الفضائية الإسلامية وصحيفة الحزب الحاكم أمام مرأى ومسمع العالم، ثم وصلت إجراءاتهم التعسفية والقمعية ذروتها بعد ارتكابهم مجزرة وحشية بحق المصلين خلال صلاة الفجر، والتي استشهد فيها حتى الآن 80 شخصاً. 3ـ يعلم القاصي والداني أن الرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي تولى السلطة في ظروف مستعصية، قزّم الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره الجيش المصري أنذاک من معظم صلاحیاته، لذلك كان عليه قيادة هذه المرحلة الصعبة في تاريخ مصر في ظل هذه القيود والعراقيل الكثيرة التی فرضت عليه. فمن جهة، انعدام ثقافة المعارضة الديمقراطية في صف المعارضين والعراقيل المتعددة التي وضعوها علانية لإسقاط حكم الرئيس وخطة إفشاله، ومن جهة أخرى، الواقع الإقتصادي المتردي في مصر زاد من تعقيدات الحكم وصعوبات المرحلة. مجموعة هذه العوامل أدت إلى فشل الحكومة في التغلب على المشاكل المتراكمة الناتجة عن عقود من سلطة العسكريين. 4ـ التدخل المالي والسياسي المباشر والمعلن لزعماء الدول العربية الثرية والضوء الأخضر الغربي، لايبقي أي مجال للشك في التحالف الوطيد بين المتشدقين بالديمقراطية والحضارة، والزعماء الرجعيين لبعض دول المنطقة، مما يكشف عن زيف القول بوجود تحالف بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية أكثر من قبل. 5ـ بالرغم من وجود بعض الأخطاء والإخفاقات التي أشار إليها الدكتور محمد مرسي في خطابه الأخير، إلا أن أبرز مواطن قوة تجربة الإسلاميين في الحكم خلال عام واحد، يكمن في عدم لجوءهم لسياسة قمع وإقصاء معارضيهم، وإحترام حرياتهم على صعيدي الإعلام والتظاهر، وإختيار شخصيات مستقلة لاتنتمي للإخوان المسلمين في المناصب الحساسة والمفصلية، هذا ما يؤكد عليه معظم المراقبين المنصفين، وعلى رأسهم الصحفي المصري الشهير محمد حسنين هيكل. حرية وسائل الإعلام خلال هذه الفترة تجاوزت كل الحدود، مما كان يتعرض الرئيس المنتخب وقادة الأحزاب الإسلامية لأشد الحملات وأسوء الإهانات، وفي المقابل، نرى كيف يرفع الإنقلابيون اليوم دعوى قضائية ضد الرئيس مرسي بتهمة إهانة السلطة القضائية. 6ـ تثبت تجربة الإنقلابات وحملات القمع في التاريخ المعاصر أن هذه الأحداث بالرغم من مرارتها وأضرارها، لن تدم طويلاً، إذ ستنتصر في نهاية المطاف إرادة الشعوب وإصالة الحق وصمود أنصاره على الباطل وأعوانه. (...كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ)[رعد:17] جماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية 10 يوليو 2013 الموافق أول رمضان المبارك 1434