"علاقة " النفس بالصدر و القلب و الفؤاد و العقل و اللب و غیرها من القوی و المدرکات الأساسیة في الإنسان.

مقدمة:

لقد أخبرنا القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من قبضة طين و نفخة من روح الله تعالي. فالإنسان بفطرته هو مزاج مترابط من الجسد و الروح، فالطين يمثل الجانب المادي من الإنسان وهو مصدر الدوافع السلوكية والعزيزية وله صفاته الخاصة به؛ أما الروح فهو الجانب الروحاني للإنسان و هو سر من أسرار الله تعالى ولا أحد سواه يعرف كنهها وحقيقتها؛ فتمثل كل النشاطات المعنوية التي يمارسها الإنسان في حياته اليومية ولها صفاتها الخاصة كذلك. و أما النفس تنشأ من التقاء الروح بالجسد، فعندما يتخلق الإنسان  جنيناً في رحم أمه، تدب فيه الروح بعد أربعة أشهر ، ومن اتصالها بالبدن تتولد النفس..إذ أن الروح أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن، فهي هي من وجه لا من كل الوجوه. فالجسد وحده ليس فيه نفس، والروح وحدها ليس فيها النفس كذلك، إنما النفس تتولد من التقاء الروح والجسد 

معاً. فالروح والجسد متکاملان يمثلان معاً الذات الإنسانية.

الذات الإنسانية:

إذن، الذات الإنسانية تمثل النفس بمعنی العام، الذي يشمل الإنسان بكليته؛ جسمه و روحه، و يدخل فيها جميع مفاهيم: الصدروالقلب والفؤاد والفكروالعقل واللب، التي استعملها القرآن الكريم في مواضع مختلفة، فتتصل النفس من جانب الصدر بقوي الغرائز و دوافع الحياة الجسدية ، و تتصل من جانب القلب و الفؤاد و اللب بالعمليات العليا في الإنسان التي تمثل الجانب الروحي المتميز للإنسان. حيث لا يعتبرأحد هذه الأجزاء منفصلة بعضهاعن بعض، رغم أنه يجعل كلاً منها يختلف في مدلوله عن الأخر. فكلها تعمل بترابط وامتزاج في كيان الإنسان. فجملة هذه العناصر في حالة انفرادها تدل علی ذات الإنسانية،و أن هذه الذات الإنسانية أو النفس بمعنی العام لايمکن لها أن تتعدد بأي صورة من الصور وبأي حالة من الحالات، لأنها ذات واحد يتکون من هذه أجزاء متکاملة و مترابطة التي بینها علاقة متبادلة و اعتماد متبادل و عدم استقلالية، فهي إنسان واحد في جميع الحالات.

من هذا المنطق أن النفس أعم من الصدر، والصدر أعم من القلب والقلب أعم من الفؤاد. وإلى جانب آخر، اللب يدخل في دائرة العقل، و العقل يدخل في دائرة الفکر، فالفکر أعم من العقل والعقل أعم من اللب. لذلک النفس من أعلى مستوياتها تتناول الجانب الروحى والعقلي والسلوك الإنساني والأخلاقي. ومن أدنی مستوياتها تتناول الجانب الفسيولوجي والدوافع الغريزية والنشاط الحيوي فيها. هذا  ما يبينه لنا عبد الرحمان حبنکة الميداني عن علاقة هذه العناصر فيما بينها و تعامل بعضها مع بعض بالأخذ و العطاء  و يمثلها ضمن دوائر متداخلة فکل له أعماله و وظائفه حيث إحديها تدخل عن الأخرى و لذلک کلها تکون ضمن دائرة النفس الکبري ، فيقول: " الذي يظهر من دراسة الدلالات القرآنية من النفس و الصدر و القلب و الفؤاد ، أن هذه الأربعة بمثابة دوائر أربع ، الأولي کبري ، وهي تمثل النفس ، و الثانية أصغر منها في داخلها ، و هي تمثل الصدر، الثالثة أصغر من الثانية وهي في داخلها القلب ، و فيه يکون العقل الإرادي ، والرابعة هي الدائرة الصغري و هي في داخل الثالثة و هي تمثل الفؤاد.

و أما الفکر فله دائرة خاصة ضمن دائرة النفس الکبري ، و هذه الدائرة التي للفکر تتعامل مع الدوائر الأخري بالأخذ والعطاء و التأثير و التأثر ، فتتعامل مع دائرة النفس باعتبار أنها جزء منها ، و تتعامل مع دوائر الصدر و القلب والفؤاد أيضاً باعتبار أنها أجزاء ضمن وحدة دائرة الفکر تقع في دائرة اللب ، و يطلق عليه النهي و الحجر ، و في دائرة اللب يکون العقل العلمي. ويظهر من الدلالات القرآنية أنّ لكلّ دائرة من دوائر النفس المتسلسلة في التضاغر إلى نقطة مركزها أموراً مشتركة عامة، وأموراً هي من قبيل الاختصاصات، ومن هذه الاختصاصات ما هو اختصاص انفراد، ومنها ما هو اختصاص تركيز واهتمام، وهذا الثاني لا يمنع من مشاركة جميع أو بعض الدوائر الأخرى، نظراً إلى أنها جميعاً جزء من وحدة النفس. فإذا أطلق لفظ النفس، أو وصفت النفس بوصف، أو أسند إليها شيء، فقد يكون المراد عامة النفس، فيدخل بذلك دوائرها جميعاً، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة الصدر، أو بدائرة القلب، أو بدائرة الفؤاد، أو بدائرة الفكر، أو بدائرة اللب، أو بما بقي تحت عنوان النفس فقط من وراء هذه الدوائر، وهي دائرة سطح النفس. وإذا أطلق لفظ الصدر، أو وصف الصدر بوصف، أو أسند إليه شيء، فقد يكون المراد عامة الصدر، فيدخل بذلك دائرة القلب، ودائرة الفؤاد، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة القلب، أو بدائرة الفؤاد، أو بما بقي تحت عنوان الصدر فقط من وراء دائرة القلب. وإذا أطلق لفظ القلب أو وصف القلب بوصف، أو أسند إليه شيء، فقد يكون المراد عامة القلب، فيدخل بذلك دائرة الفؤاد، وقد يكون المراد ما يختص بدائرة الفؤاد. ولقائل أن يقول: قد يطلق لفظ القلب ويراد منه اللب، مركز العقل العلمي، وعلى هذا فلدائرة الفكر قلب يكون فيه القلب العلمي، ولدائرة الصدر قلب يكون فيه العقل الإرادي، والله أعلم. وحينما يدعو القرآن إلى التفكير فالظاهر أن المراد إعمال دائرة الفكر عامة، في الموضوع الذي وجه له القرآن، وتثبيت النتائج التي يتوصل إليها وعَقْلُها في دائرة اللب، والقيام بما يرشد إليه ما استقر في اللب والعقل العلمي من معرفة وهداية.

وينبغي أن لا يفوتنا أن الدلالات القرآنية إذا ذكرت بعض أفراد نوع من الأنواع فهي تنبه بذكره على سائر أفراد النوع. فإذا ذكرت مثلاً طائفة من العواطف أو الانفعالات وجعلتها من صفات دائرة من دوائر النفس، فإن العواطف أو الانفعالات الأخرى التي تدخل في نوع هذه الطائفة هي أيضاً مثلها، ولا يشترط ذكرها على وجه الخصوص. رسم إيضاحی للنفس بوجه عام و أجزائها کما يراها الميدانی.