لن یحدث انقلاب عسکري علی الشرعیة و إرادة الشعب إلا وقد سبقته انقلابات أخری علی القیم التي تسود المجتمع؛ واختلّت الموازین في مجالات شتّی؛ و عندئذ لایُوزن الناس بموازینهم و لاتُوضع الأشیاء والأمور في مواضعها فیحدث الظلم و القهر والطغیان . في مثل هذه الحالات یکون دعاة الشر و الفتنة ، متحدثین باسم الدیمقراطیة و حقوق الناس ، ویصبح القتلةُ المجرمون المدافعینَ عن الوطن، ویصیر العملاء الذین لا یتحرکون شبرا واحدا إلا بالتحکم عن البعد من قبل أسیادهم، جبهةَ الإنقاذ التي لا تعرف إلا التدمیر والخراب ... فالنموذج المصری أحد مسارح هذه الانقلابات التي ماتزال أصداء أحداثها تدوِّی في العالم . و بما أن الموازین قد انقلبت فیها فإن ثورة 25 ینایر التي أصبحت معلّمةً لجمیع الثورات في التاریخ، تلیها ثورة مزوَّرة مموّلة مدعومة من قبل الطغاة و المجرمین و الخونة دولیاً و إقلیمیاً . إذن فلا نستغرب إذا حدث انقلاب عسکري علی الشرعیة لأن هناک انقلابات أخری التي تمهّد الأرضیة لانقلاب عسکري بغیض؛ لکن یمرّ الناس علیها صمّاً و عُمیانا و یبحثون عن تفسیرات و حلول أخری لا تمتّ بأي صلة بما حدث و یحدث في الساحة .
عندما تصل الأوضاع إلی هذه النقطة یتذکر الإنسان قول الرسول (ص) حیث یقول : سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُصَدَّقُ فِيهِ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهِ الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهِ الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، وَتَنْطِقُ فِيهِ الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : السَّفِيهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " . ها نحن نعیش في ذلک العصر الذي تنبأ به رسول الله (ص) منذ أکثر من أربعة عشر قرناً . إن انقلاب الموازین في «أم الدنیا» کثیرة لا تعدّ ولا تحصی ؛ و فیما یلي نذکر بعضا منها علی سبیل المثال لا الحصر کي نکون بذلک قد ألقینا الضوء علی حقیقة ما یجري في مصر العزیزة :
1. هناک رجل قد نصّبه الرئیسُ المخلوع حسني مبارک کشیخ للأزهر ، المؤسسة التي کانت و لا تزال منارة للعالم الإسلامي؛ و عندما یأتي رئیس جدید و منتخب یؤتیه صلاحیات منقطعة النظیر، لکن بین لیلة و ضحاها یظهر علی شاشات القنوات الفضائیة مع جمع من القادة العسکریین الانقلابیین و یعلن تأییده لعزل رئیس متنتخب و شرعي و یزعم ذلک « أخفَّ الضررینِ » للمصریین ! یا شیخ الأزهر إنک لاتمثل الشعب المصري ، حتی القریة التي سقط رأسک فیها تبرأ أهالیها منک و من أفعالک الشنیعة فکیف أوُتیت هذه الصلاحیة أن تتحدث باسم هذه المؤسسة التي فیها علماء أجلاء ؟!.... ألیس هذا انقلاباً للموازین ؟!
2. في جلسة العسکریین تصدر زعیم الأقباط المصریة « تواضروس »الذي تکلم عن تأییده لهذا الانقلاب و وقف موقفا معادیاً لکل المسیحیین الأحرار في العالم و داس إرادة الشعب المصري في انتخاب رئیس لهم و احتمی بطغمة فاقدة الصلاحیة ، في حین قد تمتع هو و قبیلُه من جمیع الحقوق اللازمة بعد انتصار الثورة المصریة ، لکن أُشرب في قلبه حبّ مبارک الطاغیة فلم یُطق أن یری المصر حرة أبیة یعیش فیها المسلم و المسیحي یبنون بلدهم متآخین متعاونین ، ألیس هذا انقلابا للموازین ؟!
3. کان من بین المتآمرین علی إرادة الشعب ، رئیس حزب النور السلفي حیث قبع خلف « تواضروس » القبطي الذي یراه خارجاً عن کل الدیانات لکن تعاونا معاً لإفشال الثورة المصریة . یا برهامي ! إنک لما تفهم معنی « الولاء » و « البراء » و إن تجربتک التي لم تمر علیها عام واحد من العمل السیاسي لا تؤهّلک للخوض في هذا المضمار . کیف خُنتَ الأمانة و نکثت العهد مع رئیس انتخبته بنفسک ثم تنضم ّ إلی معسکر الفلول و الانقلابیین ؟! ربّما أُشرب في قلبک حبّ الفلول و لا تنوي نزعه من قلبک ، ألیس هذا انقلابا للموازین ؟!
4. في اتصال هاتفي لقناة الجزیرة الأخباریة مع « شعبان عبدالعلیم» أحد قیادي حزب النور السلفي ، عندما سُئل عن هذا الموقف المزري لحزبه أجاب قائلاً : إننا في حزب النور السلفي لم نُرِد أن نکون متفرجین علی الأحداث؛ بل أردنا أن نکون « حمامة سلام» و قمنا بما قمنا لحقن دماء المصریین!  یا سلام!! یا حمامة السلام! طیري و حلّقي في أجواء کل مکان یسود فیه الفوضی و الاضطرابات حتی تحلّ فیه السلم و السلام ! إذا کان التحالف مع الانقلابیین من أعمال حمامة السلام ، فقبحاً لک و  لسلامک الذي تحلّه بین الناس ! ألیس هذه التناقضات في الأعمال و الأقوال انقلاباً للموازین ؟!
5. تُعطی جائزةُ نوبل لمحمد البرادعي الأمین العام السابق لوکالة الطاقة الذریة لما قام به من خیانات عظمی ضد إیران و شهادته الزورلامتلاک العراق أسلحةَ الدمار الشامل مما أدی إلی تجییش الدول الغربیة و احتلال العراق و تدمیرها و قتل الملایین !! ثم یأتي بعد ذلک مشارکاً في الثورة المصریة و رافعاً رایة الدیمقراطیة ، لکن عندما یُنتخب رئیس شرعي و دستور یستفتی علیه ، یرفض جمیعَ النتائج التي أعلنت و یصرّ علی عزل الرئیس و في نهایة المطاف یکون « مُذَمَّمُ البرادعي » في زمرة الانقلابیین علی الرئیس المنتخب و یسافر إلی إسرائیل لتقدیم الشکر الجزیل للصهاینة و استشارتهم في تنفیذ خارطة الطریق التي رسمها له أسیاده في تل أبیب ! ألیس هذا انقلاباً للموازین؟!
6. قرّرت جبهة الإنقاذ 30 یونیو للإطاحة بعزل مرسي و قبل أیام من ذلک التاریخ ، احتشد ملایین من المؤیدین لمرسي في شتی میادین مصر، فجاء السیسي مهدداً الرئیسَ المنتخب بإمهاله ثماني وأربعین ساعة لتحقق مطالب الشعب ( المحتشدین في میدان التحریر!! الذین یظنهم السیسي غالبیةَ الشعب المصري)  مع أنهم کانوا قلة قلیلة بالنسبة إلی المحتشدین في میدان رابعة العدویة ، و الإحصائیات التي أعلنت عدد المتظاهرین ضد مرسي تبیّن فیما بعد أنها کانت عاریة من الصحة ، ألیست موالاة السیسي لقلة قلیلة أمام جماهیر حاشدة و ملیونیة انقلاباً للموازین ؟!
7. ما إن أُعلن عزل مرسي و تنصیب رئیس المحکمة الدستورية رئیسا لمصرحتی هنأته السعودیة و الإمارات؛ وأغدقوا علی مصر ملیارات الدولارات، في حین لم تهنئ هذه الدول انتصار ثورة 25 ینایر و بخلت بما لدیها للرئیس المنتخب و حکومته و أنفقت الملایین من الدولارات لإفشال نجاحه ، ألیس هذا انقلاباً للموازین ؟!
8. کان الانفلات الأمني سمة بارزة في المجتمع المصري بعد ثورة 25 ینایر، لکن متزامناً مع إعلان الانقلاب العسکري حلّت جمیع المشاکل الأمنیة وأزمة الکهرباء والسولار بعد یومین و استتبّ الأمن في البلاد ؛ ألیس هذا انقلاباً للموازین ؟!
9. بعد الانقلاب العسکري تخارس الإعلام العالمي الظالم تجاه إرادة الشعب المصري و أبی أن یسمّي الخیانةَ العظمی بمصر انقلاباً و تبعته في ذلک کثیر من المنظمات الحقوقیة التي تقیم الدنیا و لا تقعدها إذا قُتل جندي من جیش الاحتلال الإسرائیلي ، ألیس هذا انقلاباً للموازین؟!
10.إن المقارنة بین المؤیدین لمرسي و معارضیه في المظاهرات التي تجوب شوارع مصر و میادینها لیست نتائجها خافیة علی أحد ، لکن وسائل الإعلام العالمي بما فیها بي بي سي و قناة العربیة تکذب في نقل الأحداث و تقول : مئات المتظاهرین من أنصار مرسي و ملایین من المعارضین لمرسي ، ألیس هذا الکذب البواح انقلاباً للموازین ؟!
11. إن ما یسود في میادین احتشد فيها أنصار مرسي ، من نظام و اخلاق أثار إعجاب العالم ، و ما یحدث في میدان التحریر الذي اجتمع فیه الفلول و الأقباط من تحرشات جنسیة وصمة عار علی جبين جبهة الخراب ، لکن یسمون أعمالهم الشنیعة دیمقراطیةً و أعمالَ أنصار مرسي رجعیة و مناوئة للدیمقراطیة، ألیس هذا انقلاباً للموازین ؟!
12 . بعد الانقلاب العسکري احتشد آلاف من المصریین أمام دار الحرس الجمهوری تأییدا لشرعیة مرسی؛ ولما لم تنجح محاولات الانقلابیین لفضّ اعتصام المتظاهرین قامت الشبیحة والقوات الأمنیة والجیش بمجزرة مروّعة یندی لها الجبین حیث استشهد أکثر من مأة رجل وامرأة وطفل وأصیب أکثر من ألف شخص وهم ساجدون راکعون لصلاة الفجر ؛ وبذلک بیّض السیسي و أعوانه الخونة وجهَ « باروخ جولدشتاین »الصهیوني الذي أطلق النار علی المصلین في المسجد الإبراهیمي أثناء أدائهم  صلاة الفجر وقتل 59 فلسطینیا في 25 فبرایر 1994.  
وعندما ارتکب السیسي والمجرمون المؤیدون له هذه المجزرة ؛ اتهموا المصلین العُزَّل بإطلاق النار علی جنود الحرس الجمهوري ! یا للعار! ثمّ یأتي الخائن بعد أیام و یطلب من المصریین أن ینزلوا إلی الشوارع والمیادین في أنحاء مصر و یمنحوا الجیش والشرطة تفویضا للقضاء علی العنف والإرهاب ! ألیس هذا انقلابا للموازین؟!
 و في الختام إن أنس لا أنس ذلک المشهد المضحک المبکي الذي مضی علیه أکثر من أربعین عاماً عندما جاء المجرمون القتلةُ بذلك الشيخ الذي أراد أن یلقّن الأستاذ الشهید سید قطب الشهادةَ عندما وضع على حبل المشنقة حتی لا یموت کافراً !! فأجابه الشهید : « أنت تأكل منها و أنا أموت من أجلها !! » 
ألم يكن ذلك انقلابا للموازين ؟!
یا مصر العزیزة! کنت و ما تزالین بلد الانقلابات ! کوني واثقة بأن السحر ینقلب علی الساحر وإنّ النصر لآتٍ بإذن الله ، وإنما النصر صبر ساعة و سوف یُؤخذ المجرمون بالنواصي و الأقدام إلی مزبلة التاریخ !