هذه المقالة مهداة إلى الأستاذ الدكتور الفقيه صلاح سلطان، أحد معتقلي سجن العقرب المضربين عن الطعام، تقديراً لعلمه وجهاده، ولاقتباسنا معظم المقال من كتابه الرائع: "امتياز المرأة على الرجل في الميراث والنفقة"، (فك الله أسره، وأَسْر كل مسجون في مقبرة العقرب وغيره).
يحتفل العالم في الثامن من مارس/آذار كل عام بيوم المرأة، وقضية المرأة من أكثر القضايا إثارة في موقف الإسلام منها، حيث تُستغل وتُصوَّر على أن الإسلام عامل المرأة بمبدأ الحطِّ من قدرها، وجعلها في درجة ثانية بعد الرجل، وبخاصة في قضايا شهادة المرأة، وأنها نصف شهادة الرجل، وفي قضية الميراث، وأنه يعطيها نصف الرجل، وفي ذلك تحيُّز للرجل ضد المرأة، مستدلين بمقطع من آية من آيات القرآن الكريم تكلمت عن الميراث، ناسين أو جاهلين ببقية الآيات، وبقية الحالات، التي بتناولها تتضح رؤية الإسلام كاملة لميراث المرأة والرجل، والتي تناولها الإسلام في إطار نظام كبير يُسمَّى في الإسلام (بنظام النفقة والمواريث)، أو النظام المالي في الأسرة. فقضية شهادة المرأة، وأنها نصف شهادة الرجل، أمر غير صحيح، ويحتاج لتفصيل في مقال آخر، لكننا سنتناول اليوم قضية ميراث المرأة، وهل فعلاً نصيب المرأة نصف الرجل دائما في المواريث؟ إن المتأمل لأحكام المواريث بالنسبة للمرأة، سيجد لها حالات متعددة في الشرع الإسلامي، فتارة ترث المرأة نصف الرجل، وتارة أخرى ترث مثل الرجل تماماً، وتارة ثالثة ترث ضعف الرجل، وتارة رابعة ترث المرأة ولا يرث الرجل.
وفي نفس الآيات التي يستشهد بها من يزعم أن الإسلام ظلم المرأة، وأعطاها نصف الرجل، دلالة على أننا أحياناً تُلقى إلينا الشبهة عن الإسلام، فنستسلم لها، دون إعمال للفكر، والعقل، بميزان الشرع، وهذا بيان لهذه الحالات الأربع التي ذكرتها عن حالات ميراث المرأة مع الرجل:
1ـ حالات يأخذ فيه الذكر ضعف الأنثى: هناك حالة يأخذ فيه الرجل ضعف المرأة، وهي -كما هو واضح ومبين- عندما يتوفى رجل ويترك أولاداً ذكوراً وإناثاً، فنصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى، كما في قوله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" [النساء:11].
2ـ حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل: وهناك حالات تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الميراث، والعجيب في الأمر وهو ما يدل على جهل من يهاجمون الإسلام في اتهامه بإجحاف المرأة في الميراث، أن هذه الحالة التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث في نفس الآية التي يستشهدون بها، يقول تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس" [النساء:11].
فهذه حالة من الحالات التي تتساوى فيها المرأة بالرجل، وهي إذا ما مات إنسان وترك أباً وأُمًّا، فالأب والأمُّ هنا يتساويان تماماً في التركة، وهما رجل وامرأة في نفس درجة القرابة للميت، فكل منهما يرث سدس التركة. والحالة الثانية التي تتساوى فيها المرأة بالرجل في الميراث، إذا ما مات إنسان ولم يكن له أبناء، ولا أب أو أم، وترك أخاً وأختاً، أو إخوة وأخوات، فعندئذ يتساوى الإخوة والأخوات رجالاً ونساءً في الإرث، يقول الله تعالى: "وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فكل واحد منهما السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك هم شركاء في الثلث" [النساء:12].
3ـ حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل: فمثلاً لو ماتت امرأة وتركت زوجاً وأبوين وبنتين، يكون توزيع التركة كتالي: الزوج (وهو رجل) الربع، والأب السدس (وهو رجل) والأم السدس، وللبنتين الثلثان، أي أن نصيب كل بنت من البنتين أكثر من نصيب الأب وهو رجل، وأكبر من نصيب الجد وهو رجل. ولو كانت البنتان هنا بنتا واحدة، لأخذت النصف، ولأخذت بالطبع ضعف الأب وهو رجل، وأكثر من الجد وهو رجل.
4ـ حالات ترث المرأة ولا يرث الرجل: وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث الرجل، وهما متساويان في درجة القرابة للميت، وهي في حالات وجود جدة لأب مع جد لأم مع وجود وارثين آخرين، ترث الجدة لأب وهي امرأة، ولا يرث الجد لأم وهو رجل. هذه حالات مختصرة، ولم أرد الإسهاب في النقل، وذلك للشرح والتقريب فقط، فلو أضفنا كل ما سبق إلى أن الإسلام ترك أمر النفقة في البيت، والمهر، وتكاليف الحياة للرجل، وكلفه بها، فعندئذ سنجد الإسلام كان مميزاً للمرأة ولم يكن متحاملاً عليها، كما يشيع المغرضون، وهو مجال سبق به الإسلام كل التشريعات، ويحتاج إلى أن نفرده بمقال وحده.
إن فقه المرأة وأحكامها، يحتاج إلى تجديد وإظهار عظمة التشريع الإسلامي في نظرته للمرأة، وأن نتخلى عن أفكارنا المتوارثة عن المرأة، والتي عند الدراسة والتأمل نجدها تبتعد كثيراً عن تشريعنا الإسلامي الحنيف، كقضايا ميراث المرأة، وشهادة المرأة، ودية المرأة، وأن كل هذه القضايا لا ينتقص الإسلام فيها من إنسانية المرأة، وكمال عقلها، وأهليتها لكل ما هي أهل له، ولعل في مساحات أخرى نبين بعض هذه القضايا الشائكة، من خلال رؤية الإسلام لها.
الآراء