لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة والمرحمة، ولم لا، وقد قال الله تعالى في حقه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء الآية (107)). فـ"العالمين" تشمل هنا كل المخلوقات من الإنس والجن والحيوانات والطيور، وهذه رحمة عامة للجميع.

وهناك رحمة خاصة، منحها الله نبيه للمؤمنين فقط، فقد أعطاه اسمين من أسمائه، قال تعالي: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) (التوبة الآية (128).)، ومع ذلك لم تكن رحمته خاصة لأصحابه فقط، ولا للمسلمين فقط، ولا للعرب فقط، وإنما كانت رحمته تمتد للعالم أجمع، وللمخلوقات كلها.

1- الرحمة مع المدعوين من غير المسلمين:

فحينما ذهب إلي الطائف للدعوة خارج مكة، آذاه بعض المشركين في الطائف، فسلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم، فضربوه بالحجارة حتى دميت قدماه، فأرسل الله إليه ملك الجبال، ليأخذ منه إذنًا بأن يطبق عليهم الجبلين، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا" (أخرجه الإمام البخاري (3231) عن عائشة- رضي الله عنها)، وقال: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" (ذكره الإمام البيهقي في شعب الإيمان 2/622 عن عبد الله بن عبيد بن عمير- رضي الله عنه).

ولما آذى كثير من المشركين الصحابة واضطهدوهم وعذبوهم فطلب بعضهم من الرسول أن يدعو عليهم فقال: "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" (أخرجه الإمام مسلم (2599) عن أبى هريرة-رضي الله عنه).

وأوصى بغير المسلمين الذين يعيشون في بلاد الإسلام خيرًا، وجعل نفسه خصيمًا لمن آذاهم بدون وجه حق، فقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا) (أخرجه الإمام البخاري (6914) عن عمرو بن العاص-رضي الله عنه).

2- الرحمة بالنساء:

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للنساء؛ حيث كانت المرأة قبل الإسلام شيئًا مهملاً، لا قيمة لها في المجتمع الجاهلي؛ فكان بعضهم يقتلها في مهدها، أو يدفنها في التراب، وهي على قيد الحياة؛ لأنها لون من العار، وفي الحقيقة لا ذنب لها في ذلك كله إلا لكونها أنثى فقط.

فلما بعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أعطى المرأة حقها المسلوب، فقال: "إنما النساء شقائق الرجال" (أخرجه الإمام أبو داود (236) عن عائشة-رضي الله عنها)، ثم كانت وصيته بحسن معاملتها وصحبتها؛ حيث جاءه سائل فقال: "من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أبوك" (أخرجه الإمام البخاري (5971) عن أبى هريرة-رضي الله عنه)، فأعطى المرأة ثلاثة حقوق وللرجال حقًّا واحدًّا؛ لأن المرأة هي التي حملت وولدت وأرضعت وربت وتعبت، فاستحقت التكريم والتقدير والشكر.

3- الرحمة بالأيتام والأطفال:

كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للأيتام والضعفاء والصغار، فأوصى بحسن رعايتهم، وتربيتهم، وكفالتهم، وجعل من يقوم على كفالة اليتيم رفيقه في الجنة، فقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى" (أخرجه الإمام البخاري (5304) عن سهل بن سعد الساعدى-رضي الله عنه).

وفي يوم ما لقي الحسن والحسين، وهما سبطاه، فقبلهما وضمهما إلى صدره، ولاعبهما، وأجلسهما على فخذيه، فقال له رجل حديث عهد بالإسلام، يسمى الأقرع بن حابس: "إنكم تقبلون صبيانكم فوالله إن لي عشرًا من الأولاد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يرحم" (أخرجه الإمام البخاري (5997) عن أبى هريرة-رضي الله عنه)، ولعلكم تذكرون أنه كان يطيل السجود في صلاته، والحسن والحسين فوق ظهره، حتى يشبعا من اللعب، ثم يرفع حتى لا يحرمهما من متعة اللعب.. قال شوقي رحمه الله:

وإذا رحمت فأنت أم وأب هذان في الدنيا هما الرحماء

4- الرحمة بالحيوانات:

حيث كانت تعاليمه صلى الله عليه وسلم تعنى بالرحمة بالحيوانات التي لا تتكلم؛ حيث أوصى بحسن التعامل معها بإعطائها حقها من الطعام والشراب وعدم تعذيبها، وذلك قبل أن تظهر جمعيات حقوق الحيوان في العالم بأربعة عشر قرنًا من الزمان.

فقال صلى الله عليه وسلم: "دخل رجل الجنة في كلب، فبينما كان يمشي في طريق فاشتد به العطش فوجد بئرًا فنزل فشرب ثم وجد كلبًا يلهث في الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر وملأ خفه، وسقى الكلب، فغفر الله له وشكر له" (أخرجه الإمام البخاري (6009) عن أبى هريرة-رضي الله عنه).

وذكر أيضًا: "أن امرأة زانية سقت كلبًا عطشانًا فغفر الله لها" (عن أبي هريرة رضي الله عنه الحديث ذكره ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ 1/537)، وفي الجانب الآخر ذكر "أن امرأة دخلت النار في هرة، حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، فماتت فدخلت النار" (أخرجه الإمام مسلم (2619) عن أبى هريرة-رضي الله عنه).

فهذا عمل يدل على القسوة؛ حيث من لا يرحم الحيوان فكيف يرحم الأيتام والضعفاء والصغار؟!

فلنتعلم الرحمة في التعامل مع الآخرين منه صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالي في حقه صلى الله عليه وسلم: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) (آل عمران الآية (159).)

فنسأل الله أن يجعلنا من الرحماء.

وأن يرحمنا برحمته في الدنيا والآخرة.