الشيخ عبدالرحمن پيراني
الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية

ملحوظة: شارک الشيخ عبدالرحمن پيراني الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية ضيفا لمناسبة المدينة المنورة.. عاصمة الثقافة الاسلامية 2013 وقدَم مقالا لأمانة المؤتمر تم قبوله ليتم طبعه في کتاب أعمال المؤتمر، نصه کما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی سيد المرسلين وعلی آله وصحبه أجمعين.

لقد جعل الله تعالى المدينة النبوية مُدخل صدق، وقدَّمها في الذكر، فقال جل شأنه:(وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً) (الإسراء:80).

كانت المدينة المنورة کبرى عواصم الثقافة الإسلامية وحواضرها المشهورة ومنتجتها بعد مکة المکرمة، فضلا عن أصالة تلك الثقافة ومكانتها وسرعة تأثيرها في العالم الإسلامي، وكذلك نوعها؛ إذ لا تشاركها فيها سوى مكة المكرمة، حيث ظلت للمدينة رسالتها وشخصيتها في هذا المجال، حتى إن عَمَلَ أهلِها في القرون المبكرة اعتُبر من مصادر التشريع الإسلامي حضارة وتطبيقا.

إنها المدينة النبوية التي أحبت رسول الله ، فأحبها رسول الله ، ودعا بتحبيبها، أفدى أهلها رسول الله  ففاداهم، وأشهد الله على حبهم، فلا يزال الخير فيها، والفضل فيها، جعل الهجرة إليها –قبل الفتح- واجبة، ثم المجاورة فيها بعد ذلك مطلوبة.

قال تعالی: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المدینة المنورة أحب بقاع الأرض إلی الله عزوجل بعد مکة المکرمة وبیت المقدس، لما خرج رسول الله  من مکة المکرمة دعا قائلاً:اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي، فِي أَحَبِّ الْبِلَادِ إلَيْكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مستدرکه. فأسکنه الله المدينة المنورة.

المدینة مهاجَر رسول الله، ومهوی قلوب المؤمنین، ومثوی نفوس المحبین، وهی واحة أرواحهم بعد لهث الحیاة وغثاء السفر، هي مراح الأشواق ووطن المعاني العذاب، کات مرکز الدولة الإسلامیة الأولی ومرکز شعاعها إلی العالم شرقاً وغرباً، و إلیها یأزر الإسلام في کل حین، کما قال الحبیب : إن الإيمانَ لَيَأْرِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا متفق علیه 

من هنا انطلقت أعظم حضارة بشرية تحمل أعظم رسالة سماوية لخير البشرية أجمع، من هنا أضاء شعاع النور على الارض يحمل إلی البشریة الرسالة الخالدة، كلمة عظمتها السموات والارض ومن فيها، كلمة حق هي لا اله الا الله.

من هنا انطلقت حضارة الاسلام حاملة دين الله الى الانسان، من هنا انطلقت ثقافة العدل والمساواة بين أجناس البشر وأعراقهم وألوانهم، من هنا انطلقت كرامة الانسان وكرامة المرأة، من هنا انطلقت ثقافة البناء والعطاء والعمل والبذل والحب في الله، من هنا وعلى هذا التراب المبارك مشى وسكن أشرف الخلق محمد  واصحابه الطاهرون رضوان الله عليهم. من هنا كُتب وجمع أعظم وأقدس كتاب عرفته البشرية، كتاب من الله محفوظ الى قيام الساعة، من هنا حدثت سِيَر وقصص وبطولات أثْرَت خزائن مكتبات العالم. هنا المدينة هنا قبة الاسلام ومنارته هنا عاصمة الثقافة الاسلامية الخالدة.

اذن بكل اعتزاز وتقدير لابد أن نحتفل بالمدينة المنورة عاصمة للثقافة الاسلامية. 

إن الاختيار الموفق للمدينة النبوية عاصمة للثقافة الإسلامية، يأتي تجسيدا لدورها الثقافي والأدبي خلال العصر الإسلامي و بعده، فقد تشرفت باحتضان دعوة المصطفى  وعلى أرضها مسجده الشريف الذي ضم العديد من العلوم الثقافية والإسلامية والاجتماعية والإنسانية وكانت ولا تزال منهلا عذبا لطالبي العلم من كافة أصقاع الأرض. وعلى أرضها وقعت أعظم الغزوات وعلى جبالها توجد المعالم التي تعكس مرحلة مهمة من مراحل تاريخ المدينة النبوية، فكل شبر فيها ينطق بإرث تاريخي عظيم، مستوعبةً كل الثقافات من خلال توافد المعتمرين والحجاج والزائرين، وهذا ما تزخر به طيبة الطيبة وأهمية نشر هذا الإرث التاريخي للعالم أجمع.

وفي الختام اسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفق القائمين على هذا المؤتمر المبارك وان ينفعنا واياكم لما فيه خير

هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.