الحمد لله رب العالمین أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلی صراط ربه؛ أسأله تعالی أن یهدینا الصراط المستقیم صراط الذین أنعم علیهم من النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین وبعد؛ فإن المسلمین الیوم في أمسّ حاجة إلی الاجتماع علی هدي خاتم النبیین ولا یمکن أن یحصل لهم ذلک إلا إذا اجتمعت کلمتهم علی الکتاب والسنة عقیدة وتشریعا وسلوکا وإن السعی في سبیل تحقیق تعارف وتفاهم بین العلماء والمفکرین والقادة الإسلامیین في المجالات العقائدیة والفقهیة والاجتماعیة والسیاسیة من أهم رسائل العلماء خاصة في هذا العصر ولئن کانت المذهبیة تخلق تمایزا في بعض الأحکام الفرعیة، فإننا لا نری مشروعا سنیا وآخر شیعیا في حقل الاقتصاد الإسلامي ونظام العلاقات السیاسیة والنظام الاجتماعي والنظام القضائي و...
و إذا کان التعصب المذهبي قد امتدت آثاره حتی الآن والأمة الإسلامیة تعاني من هذا التعصب فإن علی العلماء وأهل الذکر أن یعملوا في أدب وإخلاص حتی تتخلص الأمة من تلک الآثار أو ما بقي منها. فالتقارب إذن وسیلة لجمع الشمل ورأب التصدع وتبادل حسن الظن والتقدیر من أجل صیانة وحدة الأمة.
ولا یعني التقارب إلغاء المذاهب أو دمج بعضها في بعض أو تغلیب مذهب علی آخر؛ فهذا ما لا سبیل إلیه ولا جدوی منه. لأن بقاء المذاهب في إطار المفهوم الإسلامي للاختلاف في الرأي من عوامل ازدهار الحیاة الفقهیة ونموها. کل یؤخذ من کلامه ویترک إلا المعصوم علیه الصلاة والسلام؛ وکل ما جاء عن السلف موافقا للکتاب والسنة قبلناه وإلا فکتاب الله وسنة رسوله أولی بالاتباع ولکنا لا نعرض الأشخاص فیما اختلفوا فیه بطعن أو تجریح ونکِلهم إلی نیاتهم وقد أفضوا إلی ما قدموا:
• أخرجوا الکفر من قلوبکم یخرج من دیارکم وأقیموا دولة القرآن في صدورکم تقم علی أرضکم.
• ما زلنا نختلف علی غسل القدم أو مسح القدم (غسل القدمین أو مسحهما) حتی أصبحنا لا نملک من وجه الأرض موطئ قدم.
• ما زلنا نختلف ونتنازع حبل الخلافة حتی أصبح خلیفتنا المفوض الغرب التبشیري.
ولحصول الانتصار علی الکفر العالمي لابد للعالم الإسلامي أن یقتدي بمنهج القائد الأعظم محمد بن عبد الله علیه الصلاة والسلام یوم صنع أصحابه صورا حیا من إیمانه یوم صاغ من کلم منهم قرآنا حیا یدبّ علی الأرض. یوم جعل من کل فرد نموذجا مجسما للإسلام یراه الناس فیرون الإسلام. إن النصوص وحدها لا تصنع شیئا وإن المصحف وحده لا یعمل حتی یکون رجلا ومن ثم جعل النبي هدفه الأول أن یصنع رجالا لا أن یلقی مواعظ وأن یصوغ ضمائر لا أن یدبج خطبا وأن یبني أمة لا أن یقیم فلسفة.
رسالة العلماء والمفکرین الإسلامیین حول الوحدة والتقریب وفي نطاق تطبیق الشریعة الإسلامیة
أ: في مجال الفکر والعلم:
1- الحاجة إلی فقه جدید قرآني الحق أن العالم الإسلامي لیستحق به أن یکون ممن وصفه الله بأنهم "قوم یفقهون" في حاجة إلی فقه جدید فلیس المراد بالفقه العلم المعروف الذي تعرف الأحکام الشرعیة الجزئیة من أدلتها التفصیلیة مثل أحکام الطهارة والعبادات والمعاملات و... بل الفقه في لغة القرآن هو فقه في آیات الله وفي سننه في الکون والحیاة والمجتمع. حتی إن التفقه في الدین الذي ورد في سورة التوبة "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" ﴿التوبة: ١٢٢﴾ لا یقصد به الفقه التقلیدي: فإن هذا الفقه لا یثمر إنذارا یترتب علیه حذرا وخشیة بل هو أبعد شیء عن أداء هذه الوظیفة التي هي وظیفة الدعوة ومثله قوله علیه الصلاة والسلام "من یرد الله به خیرا یفقهه في الدین"[متفق علیه].
والمعنی أن ینیر الله بصیرته فیتعمق في فهم حقائق الدین وأسراره ومقاصده ولا یقف عند ألفاظه وظواهره. أنواع الفقه الذي ننشده:
1- فقه المقاصد هو الذي لا یقف عند جزئیات الشریعة ومفرادتها وحدها بل ینفذ منها إلی کلیاتها وأهدافها في کل جوانب الحیاة.
2- فقه الأولویات ومراتب الأعمال فنعني به وضع کل شيء في مرتبته فلا یؤخر ما حقه التقدیم أو یقدم ما حقه التأخیر ولا یصغر الأمر الکبیر ولا یکبر الأمر الصغیر هذا ما تقضي به القوانین الکون وما تأمر به أحکام الشرع.
3- فقه الموازنة بین المصالح والمفاسد وهو مبنی علی فقه الواقع ودراسته علمیة مبنیة علی ما یسّره لنا عصرنا من معلومات وإمکانات.
4- فقه السنن أعني القوانین الکونیة والاجتماعیة التي أقام علیها عالمنا هذا وقضی بأنها لا تتبدل ولا تتحول مثل سنن التغییر والنصر والتدریج و...
5- فقه الاختلاف الذي عرفه خیر قرون الأمة من الصحابة والتابعین وأئمة الهدی فلم یضرهم الاختلاف العلمي شیئا وجهلناه فأصبحنا یعادي بعضها بعضا بسبب مسائل یسیرة أو بغیر سبب.
والذي أرکز هنا علی من هذه الأنواع اثنان: هما فقه الموازنات و فقه الأولویات.
الأول: فقه الموازنات ونعني به الأمور التالیة:
1- الموازنة بین المصالح بعضها وبعض من حیث حجمها وسعتها وعمقها وتأثیرها وبقائها ودوامها و...
2- الموازنة بین المفاسد بعضها وبعض من حیث المصالح وأیها یجب تقدیمه وأیها یجب تأخیره أو إسقاطه.
3- الموازنة بین المفاسد والمصالح إذا تعارضتا بحیث نعرف متی نقدم درء المفسدة علی جلب المصلحة ومتی تغتفر المفسدة من أجل المصلحة وفي هذا المقام نحتاج إلی مستویین:
فقه الشرع وفقه الواقع.
الأول فقه الشرع وهو یقوم علی فهم عمیق لنصوص الشرع ومقاصده حتی یسلم بصحة مبدء الموازنات المذکور ویعرف الأدلة علیه وهو واضحة لمن استقرأ الأحکام والنصوص وغاض في أسرار الشریعة.
الثاني فقه الواقع وهو مبنی علی دراسة الواقع المعیش دراسته دقیقة مستوعبة لکل جوانب الموضوع متعمدة علی أصح المعلومات وأدق البیانات والاحصائات مع التحذیر هنا من تضلیل الأرقام غیر الحقیقیة المستندة إلی المنشورات الدعائیة والمعلومات الناقصة والبیانات غیرالمستوفیة.
ولابد أن یتکامل فقه الشرع وفقه الواقع حتی یمکن الوصول إلی الموازنة العلمیة السلیمة البعیدة عن الغلو والتفریط. إن المصالح إذا تعارضت فوّتت المصلحة الدنیا في سبیل المصلحة العلیا وضحّي بالمصلحة الخاصة من أجل المصلحة العامة ویعوض صاحب المصلحة الخاصة عما ضاع من مصالحه أو ما نزل به من ضرر وألغیت المصلحة الطارئة لتحصیل الدائمة أو الطویلة المدی وأهملت المصلحة الشکلیة لتحقیق المصحلة الجوهریة وغلبت المصلحة المتیقنة علی المظنونة أو الموهونة.
وإذا تعارضت المفاسد والمضار ولم یکن بد من بعضها فمن المقرر أن یرتکب أخف المفسدتین وأهون الضررین وقرّر الفقهاء الأصول التالیة:
- الضرر یزال بقدر الإمکان. - إن الضرر لا یزال بضرر مثله أو أکبر منه.
- أنه یتحمل الضرر الأدنی لدفع الضرر الأعلی.
- یتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام. - تغتفر المفسدة الیسیرة لجلب المصلحة الکبیرة.
- تفتغر المفسدة المؤقتة لجلب المصلحة الدائمة أو الطویلة المدی.
- في الحالات المعتادة یقدم درء المفسدة علی جلب المصلحة.
الثاني فقه الأولویات وهو کما قلنا وضع کل شيء في مرتبته من المقرر فقها:
إن النافلة لا یجوز تقدیمها علی الفریضة وإن الفرض العیني مقدم علی فرض الکفایة وإن فرض الکفایة الذي لم یقم به أحد أو عدد یکفي مقدم علی فرض الکفایة الذي قام به من یکفي ویسد الثغرة وإن فرض العین المتعلق بالجماعة والأمة مقدم علی فرض العین المتعلق بحقوق الأفراد وأن الواجب المحدد الوقت والذي جاء وقته بالفعل مقدم علی الواجب الموسع في وقته.
ومن المقرر کذلک أن المصالح المقررة شرعا متفاوتة فیما بینها؛ فالمصالح الضروریة مقدمة علی الحاجیة التحسینیة والمصالح الحاجیة مقدمة علی التحسینیة والمصالح الأمة وحاجاتها أولی بالرعایة من المصالح المتعلقة بالأفراد عند التعارض وهنا نجد فقه الموازنات یلتقي بفقه الأولویات.
غیاب فقه الأولویات عند کثیر من العلماء إن آفة کثیر من العلماء ودعاة الإسلام هي غیاب فقه الأولویات فکثیرا ما یهتم العالم بالفروع قبل الأصول وبالجزئیات قبل الکلیات وبالمختلف قبل المتفق علیه "ویسأل عن دم البعوض ودم الحسین مهراق" ویثیر معرکة من أجل نافلة وقد ضیع الناس الفرائض من أجل الشکل أو هیئة دون اعتبار للمضمون. ومن فقه الأولویات أن نعرف أي القضایا أولی بالاهتمام فتعطی الجهد والوقت أکثر مما یعطی غیرها ومن فقه الأولویات أن یعرف أي الأعداء أولی بتوجیه قوانا الضاربة إلیه وترکیز الهجوم علیه وأي المعارک أولی بالبدء فالناس في نظر الإسلام أنواع: المسلمون والکفار والمنافقون.
والمسلمون منهم الجهلة ومنهم الخونة والکفار منهم المسالمون ومنهم المحاربون ومنهم الذین کفروا فقط ومنهم الذین کفروا وصدوا عن سبیل الله والمنافقون منهم ذووا النفاق الأصغر ومنهم أهل النفاق الأکبر فبمن نبدأ؟ وأي الجهات أولی بالعمل؟ وأي الأمور أولی بالرعایة؟
ب: رسالة العلماء والدعاة في مجال الدعوة وتثقیب العام
فرغم انتشار الصحوة بین المثقفین من الشباب فلا زالت هناک مجموعات کبیرة تجهل بالإسلام أو تفهمه فهما مبتورا أو مشوشا أو مشوها نتیجة للرواسب القدیمة من عصور التخلف أو المشوهات الجدیدة من آثار الغزو الفکري. ومازال بعضهم – رغم ثقافته الجامعیة – یؤمن بالخرافات ویستسلم للمشعوذین ویدخل علیه الشرک في عقیدته والابتداع في عبادته والاضطراب في سلوکه وهو یحسب أنه متدین. ومازال بعض المثقفین یجهل عناصر الخلود وجوانب القوة والعظمة في الإسلام فلا یکاد یعرف شیئا من خصائصه أو مقوماته وهو یأخذ الإسلام من المستشرقین والمبشرین أو یأخذه من واقع المسلمین فهو یظن أن ما علیه الناس من حوله هو الإسلام فیحمل تأخر الناس وفسادهم وجهلهم علی الإسلام والإسلام براء من هذا کله.
والواجب أن یعرف هؤلاء من أین یؤخذ الإسلام وما مصادره التي تستسقی منها تعالیمه وأن الإسلام حجة علی المسلمین ولیس المسلمون حجة علی الإسلام. کیف یتعامل العلماء من المثقفین؟ وعمل العالم الإسلامي مع المثقفین یأخذ طریقین:
الطریق العلاجي والطریق الوقائي.
فالعلاجي یکون بتصحیح الأفهام الخاطئة عند المثقفین وإقناعهم بالأدلة العلمیة الموضوعیة الهادئة لا بالشتائم ولا المهاترات ولا الأقوال الخطابیة ودلالتهم علی المصادر الموثقة لیعرفوا منها ما یجب أن یعرفوه عن الإسلام کتابه ورسوله وعقیدته وشریعته وتاریخه وحضارته.
ونعني بالطریق الوقائي وضع ثقافة صحیحة موثقة عن الإسلام تجمع بین الدقة والموضوع البیاني؛ من رسالة العالم الإسلامي التبصیر بالحقائق لا التحذیر بالأحکام.
إن علی العلماء والدعاة الإسلامیین أن یصارحوا الأمة بأمراضها ولا یکتموها عنها کما یفعل الناس في مجتمعاتنا مع ذوي الأمراض الخطیرة وأن یبصروا الشعوب بالحقائق وإن کانت مرة لا أن یحذروها بالأحکام الوردیة دون أن یسلکوا لتحقیقها أي سبیل. ومن رسالتهم أیضا تصحیح المفاهیم المغلوطة: بأن یصححوا المفاهیم الإسلامیة المغلوطة عند الجماهیر المسلمة حتی یکونوا عامل بناء لا عامل هدم وحافز تقدم لا داعي تخلف؛ لقد فهم کثیر من المتدینین بعض القیم الدینیة الکبیرة فهما مغلوطا وذلک مثل قیم الإیمان والتقوی والصلاح والاستقامة و...
ج: معالم العالم الإسلامي نحو القضایا والمسائل العلمیة
للروح العلمیة سمات لابد للعالم الإسلامي أن یعتنی بها ومن أبرزها:
1- النظرة الموضوعیة إلی المواقف والأشیاء والأقوال بغض النظر عن الأشخاص کما قال علي بن أبي طالب رضی الله عنه: "لا تعرف الحق بالرجال إعرف الحق تعرف أهله".
2- احترام الاختصاصات کما قال القرآن الکریم: "فاسألوا أهل الذکر" [النحل: 43] "فسأل به خبیرا" [الفرقان: 59] "ولا ینبئک مثل خبیر" [فاطر: 14]. فللدین أهله وللاقتصاد أهله وللعسکریة أهلها ولکل فن رجاله وخاصة في عصرنا عصر التخصص الدقیق؛ أما الذي یعرف في الدین والسیاسة والفنون والشؤون الاقتصادیة والعسکریة ویفتي في کل شيء فهو في حقیقته لا یعرف شیئا.
3- القدرة علی نقد الذات والاعتراف بالخطأ وتقویم تجارب الماضي تقویما عادلا بعیدا عن النظرة "المنقبیة" التي تنظر إلی الماضي کأنه کله مناقب وأمجادا.
4- استخدام أحدث الأسالیب وأقدرها علی تحقیق الغایة والاستفادة من تجارب الغیر حتی من الخصوم؛ "فالحکمة ضالة المؤمن أنی وجدها فهو أحق الناس بها".
5- إخضاع کل شيء – فیما عدا المسلمات الدینیة والعقلیة – للفحص والاختبار والرضا بالنتائج کانت للانسان أو علیه.
6- عدم التعجیل في إصدار الأحکام والقرارات وتبني المواقف إلا بعد دراسة متأنیة مبنیة علی الاستقراء والإحصاء وبعد حوار بناء تظهر معه المزایا وتنکشف المآخذ والعیوب.
7- تقدیر وجهات النظر الأخری واحترام آراء المخالفین وفي القضایا ذات الوجوه المتعددة في الفقه وغیره ما دام لکل دلیله ووجهته وما دامت المسألة لم یثبت فیها نص قاطع یحسم النزاع ومن المقرر عند علمائنا: أن لا إنکار في المسائل الاجتهادیة إذ لا فضل لمجتهد علی آخر ولا یمنع هذا من الحوار البناء والتحقیق العلمي النزیه في ظل التسامح والحب.
8- إهالة التراب علی المشکلات التاریخیة التي شغلت الفکر الإسلامي في وقت من الأوقات لأن هذا جدل لا ضرورة له الیوم.
مناهج الفقهاء والدعاة المخلصین في الاجتهاد والدعوة:
1- الاحتکام للنصوص المعصومة لا لأقوال الرجال.
2- رد المتشابهات إلی المحکمات والظنیات إلی القطعیات.
3- فهم الفروع والجزئیات في ضوء الأصول والکلیات. 4- الدعوة إلی الاجتهاد والتجدید وذم الجمود والتقلید.
5- الدعوة إلی التیسیر لا التعسیر في مجال الفقه.
6- الدعوة إلی التبشیر لا التنفیر في مجال التوجیه.
7- الدعوة بغرس الیقین لا بالجدل في مجال العقیدة.
8- العنایة بالروح لا بالشکل في مجال العبادة.
9- الدعوة إلی الاتباع في أمور الدین والاختراع في أمور الدنیا.
10- ضرورة تجدید الوسائل والاجتهاد لفهم مقاصد الشارع في المسایل الفقهیة والأخلاقیة.
11- الاهتمام بأن الإسلام فکر وسطي بعید عن الغلو والتقصیر.
وأعني بوسطیة الفکر الإسلامي في الموارد التالیة:
أ: وسط بین الدعاة المذهبیة الضیقة ودعاة اللامذهبیة المنفرطة.
ب: وسط بین اتباع التصوف وإن انحرف وابتلع وأعداء التصوف وإن التزم واتبع.
ج: وسط بین دعاة الانفتاح علی العالم بلا ضوابط ودعاة الانغلاق علی النفس بلا مبرر.
د: وسط بین المقدِسین للتراث وإن بدا فیه قصور البشر والمغلقین للتراث وإن تجلّت فیه روائع الهدایة.
هـ: وسط بین المستغرقین في السیاسة علی حساب التربیة والمهملین للسیاسة کلیة بدعوی التربیة.
و: وسط بین الغلاة في طاعة الفرد للشیخ والقائد کأنه المیت بین یدي الغاسل والمسرفین في تحریره کأنه لیس عضوا في جماعة.
ز: وسط بین المغالین في التحریم کأنه لا یوجد في الدنیا شيء حلال والمبالغین في التحلیل کأنه لا یوجد في الدین شيء حرام.
ح: وسط بین الدعاة إلی العالمیة دون رعایة للظروف والملابسات المحلیة والدعاة إلی الإقلیمیة الضیقة دون أنی ارتباط بالحرکة العالمیة.
الدعائم الفکریة في فقه الاختلاف الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة یجب أن یعلم الذین یریدون جمع الناس علی رأی واحد في أحکام العبادات والمعاملات ونحوها من فروع الدین: أنهم یریدون ما لا یمکن وقوعه وإن الاختلاف في فهم الأحکام الشرعیة غیر الأساسیة ضرورة لابد منها. وإنما أوجب هذه الضرورة طبیعة الدین وطبیعة اللغة وطبیعة البشر وطبیعة الکون والحیاة.
طبیعة الدین فأما طبیعة الدین فقد أراد الله تعالی أن یکون في أحکامه المنصوص علیه والمسکوت عنه وأن یکون في المنصوص علیه المحکمات المتشابهات والقطعیات والظنیات والصریح المؤول لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط فیما یقبل الاجتهاد والاستنباط وتسلم فیما لا یقبل ذلک؛ إیمانا بالغیب وتصدیقا بالحق وبهذا یتحقق الابتلاء الذي بنی الله علیه خلق الإنسان: "إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتلیه" [الإنسان: 2].
طبیعة اللغة لا شک إن مقاصد الدین الذي یرجع إلیه ویستدل به القرآن والسنة وهما نصوص قولیة لفظیة یجري علیهما ما یجري علی کل نص لغوي عند فهمه وتفسیره؛ لأن في المفردات والتراکیب اللفظ المشترک الذي یحتمل أکثر من معنی وفیها ما یحتمل الحقیقة والمجاز والمنطوق والمفهوم والعام والخاص والمطلق والمقید و...
طبیعة البشر وأما طبیعة البشر فقد خلقهم الله تعالی مختلفین فکل إنسان له شخصیته مستقلة والتفکیر المتفرد والطابع المتمیز یبدو ذلک في مظهره المادي کما في مخبره المعنوي؛ کما ینفرد کل إنسان بصورة وجهة ونبرة صوته وبصمة بنانه ینفرد کذلک بلون تفکیره ومیوله وذوقه ونظرته إلی الأشیاء والأشخاص والمواقف والأعمال. وإن من العبث کل العبث أن یراد صبّ الناس کلهم في قالب واحد في کل شيء فهذا غیر ممکن وإن هذا الاختلاف إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد والتنوع دائما مصدر ثراء وخصوبة فمن الناس من یمیل إلی التشدید ومنهم من یمیل إلی التیسیر؛ منهم من یأخذ بظاهر النص ومنهم من یأخذ بفحواه وروحه؛ منهم ذوا الطبیعة المرحة المنبسطة ومنهم ذوا الطبیعة الانطوائیة المنکمشة؛ وهذا الاختلاف في صفات البشر والتجاهاتهم النفسیة یترتب علیه اختلافهم في الحکم علی الأشیاء والمواقف والأعمال یظهر ذلک في مجال الفقه والسیاسة وفي مجالات السلوک الیومي للناس. ربما یعین علی الاجتماع والائتلاف ویبعد عن الفرقة والاختلاف:
1- الترکیز علی اتباع المحکمات وعدم الرکض وراء المتشابهات؛ فاتباع المحکمات واتخاذها الأصل والقاعدة في التفکیر من شأن الراسخین في العلم واتباع المتشابهات من شأن الذین في قلوبهم زیغ ودغل کما جاء في آیة 7 من سورة آل عمران.
2- تجنب القطع والإنکار في المسائل الاجتهادیة ومما یقرب المسافة بین العلماء في الأمور الخلافیة: تجنب القطع في المسائل الاجتهادیة التي تحتمل وجهین أو رأیین أو أکثر؛ وکذلک تجنب الإنکار فیها علی الآخرین. ولهذا قرر علماؤنا: أنه لابد إنکار من أحد علی أحد في المسائل الاجتهادیة؛ فالمجتهد لا ینکر علی المجتهد مثله والمقلد لا ینکر علی مقلد مثله کذلک بله أن ینکر المجتهد علی مجتهد.
3- ضرورة الاطلاع علی اختلاف العلماء ومما یساعدنا علی التسامح وتبادل العذر فیما اختلف فیه الاطلاع علی اختلاف العلماء لیعرف منه تعدد المذاهب وتنوع المآخذ والمشارب؛ وأن لکل فهم وجهته وأدلته التي یستند إلیها ویعول علیها وکلهم یغترف من بحر الشریعة وما أوسعه وقالوا: من لم یعرف اختلاف العلماء فلیس بعالم.
وآفة کثیر من الدخلاء علی العلم أنهم لا یعرفون إلا رأیا واحدا ووجهة واحدة أخذوا من شیخ واحد أو انحصروا في مدرسة واحدة ولم یتیحوا لأنفسهم أن یسمعوا رأیا آخر أو یناقشوا وجهة نظر مخالفة أو یحیلوا أنظارهم في أفکار المدارس الأخری. والعجیب من أمر هؤلاء أنهم ینهون عن التقلید وهم في الواقع مقلدون رفضوا تقلید الأئمة القدامی وقلدوا بعض المعاصرین وأنهم ینکرون المذاهب وقد جعلوا من آرائهم مذهبا خاصا یقاتلون دونه وینکرون علی من خالفه!
4- التعاون في المتفق علیه.
5- شغل المسلم بهموم أمته الکبری.
ختاما فلیتحد کل خطي العلماء العاملین علی مکافحة البدع والتفرق في أمتنا الإسلامیة علی هدي من القرآن والسنة وفهم حضاري عمیق للإسلام ولیکن أسلوبهم الحکمة والموعظة الحسنة.
"قل اعملوا فسیری الله عملکم ورسوله والمؤمنون"
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین؛
الآراء