العلمانية قد تبهر بعض الذين يشتاقون للحرية والديمقراطية والمساواة حيث تعوّد الذين نشأوا فى بلاد العرب خصوصاً على الاستبداد وتكميم الأفواه ، لذلك حينما يرحل بعض الناس إلي الغرب ويجد حرية الصحافة والإعلام عموماً والتعامل الراقي مع الإنسان بإعطائه حقوقه قبل الالتزام بواجباته مع حرية العبادة والمساواة بين الناس فى كافة مجالات الحياة - وطبعاً هذا على سبيل الإجمال وإلا فهناك تحيزاً ضد المسلمين فى أماكن كثيرة - فيظن الظانّ أن العلمانية هى الحل الوحيد أو الأول لمشاكلنا المستعصية والتي نقابلها فى كل صغير وكبير فى مجتمعاتنا العربية خاصة والإسلامية عامّة ، وفى نفس الوقت لم ينتبه هؤلاء إلي المعضلات الكبري الناتجة عن العلمنة ، فهو كالمستجير بالرمضاء من النار ! ولكن يكفى فقط أن العلمانية تؤصل لمبدأ حرية الكفر ، وكذلك كانت سبباً رئيسياً فى التفكك الأسري والانحطاط الأخلاقي فى الغرب والشرق ، وعن طريقها - لأنها خالفت الفطرة - انتشرت الأمراض النفسية المستعصية بين كثير من الناس فى الغرب ، مع أن العلمانية فى أوروبا قد نجحت فى القضاء على الخرافات والخزعبلات الكنسية وحررت الناس من أوهام متعددة أخرتهم كثيراً عن اللحاق بركب الحضارة الإسلامية فى الأندلس ، ولكن بعد تحررها من هذه الأوهام أنشأت لنفسها أوهاماً جديدة تتعلق بالفلسفة القائمة على مضادة الدين ، وهنا أحب أن أنوّه لشيء هام وهو أن العلمانية ليست العقلانية أو الحداثة أو العلم أو هذه المصطلحات التي تعني التمدين أو المنطقية او التقدم ، فهذا غير صحيح فالعلمانية إنما هي تقوم على أن الإنسان يدير حياته كيفما شاء ولكن بعيداً عن الرسالات السماوية وغير السماوية ! أي التحرر الكامل من اي سيطرة غيبية عليه ! وإنما المصطلحات السابقة هي فقط للتمويه على مناقضة الدين ، وإلا فمحاولاتهم الدائمة لإظهار أن التقدم التكنولوجي هو القرين الأول للعلمانية ولذلك إذا ارادت أي دولة أن تلحق بالتقدم التكنولوجي فعليها أن تضع الدين خلف ظهرها حتي تصل للقمر وتري النجم الساطع !! وهذا كلام سطحي وساذج لأن الواقع يكذّبه فالهند والصين واليابان دول متقدمة تكنولوجياً مع أن المكوّن الأول للثقافة هناك هو الوثنية فى أبشع صورها ، وبعضها لا يوجد فيها اي ديمقراطية أو حرية أو تبادل ظاهري للسلطة كالصين مثلاً ، لذلك علينا أن ننتبه لمحاولات الترويج الخادعة لمثل هذه الأفكار المنحرفة عن الصراط والتي لولا القوة المادية والعسكرية لأوروبا وأمريكا لما انتشرت مثل هذه الأفكار ، لأنها تحمل بين جنباتها معاول الهدم والسقوط ، ويكفى أنها تضاد الفطرة من كل وجه ، ولكن الخواء الفكري والضعف العام الذي أصاب بلاد المسلمين من الاحتلال العسكري تارة ومن التغريب تارة أخري مع وضع الغرب لشخصيات على رأس سدة الحكم تتنفس الولاء للغرب او على الأقل لا تمنع منه ، مع دعم الاستبداد والتضييق الشديد على دعاة الحق أدي إلي وجود هذه الأفكار بين المسلمين ، ولكن بفضل الله عز وجل قيّض الله لها من يفندها ويكشف عوارها ويبين خطرها على عقائد الناس وأخلاقهم ومجتمعهم وأرجوا من الشباب أن يتفرغ بعضهم لدراسة هذه الأفكار ويمارس دوره فى بيان حقيقتها ، ليكملوا المسيرة التي بدأها علماؤنا ومفكِّرينا ، فنحن أمّة قد تمرض ولكن لا تموت.