إذا لم يتمكن کل المواطنين من المساهمة الفعالة في المجتمع وذلك بسبب القيود السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا يمكن الحصول علی مجتمعٍ بشري حيٍّ متطلّع؛ ففي مثل هذا المجتمع تستغلّ أقليةٌ ذات قوةٍ ومال أغلبيةَ الناس؛ وبما أن التفاعل البشري تجري علی صعيد إجتماعي، فمالم تهيَّأ الفرصُ المتساوية لكل أفراد المجتمع، فسوف يسود الظلم وتضييق الخناق علی جميع نواحي المجتمع، ويحرم كثير من المواهب البشرية من النمو والازدهار. وعندما تفقد الأسرة أقل إمكانيات الحياة، ولا يستطيع الفرد أن يقوم بدوره الاجتماعي المناسب، وذلك بسبب هويته الإجتماعية وانتمائه الثقافي، لا تزدهر المواهب البشرية ولا يتكون مجتمع متوازن. 

لذلك نری أنَّ تحقيق العدالة، شرط مُسبق لنموّ المواهب البشرية وازدهارها. والعدالة من منظورنا عبارة عن تمتع جميع أفراد المجتمع بكافة الفرص والإمكانيات، التي لابد منها لكسب القدرات الضرورية للمشاركة الفعالة في المجتمع، ومساواتهم أمام التکالیف الاجتماعية وانقيادهم للقوانين السائدة علی المجتمع.وفيما يلي نستعرض الجوانب المختلفة للعدالة بتفصيل أكثر: 

1- العدالة الاقتصادية 

بما أن جذور كثير من القيود والحرمان واللامساوات ترجع إلی الانتماء الطبقي للأفراد، فإن تقسيم إمكانيات المجتمع بين الشرائح المختلفة يحقق جانبا من العدالة. بعبارة أخری، لابد من تقسيم الموارد الاقتصادية في المجتمع بحيث لايحرم أحد من النمو والرقي بسبب عجزه المالي. من جانب آخر فإن الثروة التي يكتسبها الأفراد، فوق مستوی الحاجات الأولية والفيزيولوجية، وهي تتغير حسب الظروف الزمانية والمكانية، لابد أن تكون ملائمة لجهودهم وقدراتهم الاكتسابية. 

2- العدالة الإجتماعية والثقافية 

ويعني هذا النوع من العدالة أن تتمتع الشرائح الاجتماعية المختلفة من الأقوام والأجناس والأديان والمذاهب بالإمکانيات المتساوية لازدهار أفکارهم والتعبير عن آرائهم، بمعنی أن تتواجد الأطياف الاجتماعية والثقافية المختلفة في الساحة وتساهم في النشاطات الاجتماعية البناءة مع حفظ قيمهم وأسلوب حياتهم. نحن نعتقد أنه يجب أن يكون للمواطنين - ذکورا وإناثا - حضور کامل وفاعل في كافة الأصعدة الاجتماعية والثقافیة رغم اختلافاتهم اللغوية والمذهبية والعرقیة. 

 3- العدالة السياسية 

إن المؤسسة السياسية (الدولة، الأحزاب والبرلمان) تُعدّ من أهم ميادين الحياة الإنسانية في المجتمعات الحديثة. حیث إن هذه المؤسسة لديها إمكانيات كثيرة وهي تحدد نشاطات المؤسسات الأخری. فلذلك لابد أن يتمتع كل المواطنين والأطياف الاجتماعية والثقافية علی حد سواء بمناخ ملائم للتواجد في هذه المؤسسة، أو اختيار من يحبون تمثيلهم فيها. إن تحقيق العدالة سيواجه مشاكل أساسية في مجتمع صارت ساحته السياسية مضماراً للمستبدين والمتفرعنين المنتمين إلی التيارات الخاصة. 

الحلول

فللحصول علی العدالة لابد من جهد وتخطيط، وذلک لأن موارد کل مجتمع قليلة ويريد أصحاب القوة والثروة السيطرةَ عليها ولا يمكن إزالة الحرمان و‌التمييز السائدين علی المجتمع بغير نضال وتخطيط. وبما أن كل مجتمع يعتمد علی علاقات اقتصادية واجتماعية خاصة، فنحن لانستطيع عرض حلول خارجة عن إطار الزمان والمكان، ومع ذلك فإن تحقيق العدالة يحتاج إلی مجموعة من الحلول نشير إلی بعض منها:

رفض الإعتقاد بأن اللامساواة أمر طبيعي 

هناك شرائح في المجتمع قد سيطرت علی الموارد والإمكانيات المختلفة لسنوات طويلة واستمسكت بلطائف الحيل واستغلت ذكاءها وجهودها الكثيرة وأموالها التالدة إلی أن استطاعت أن تُقنع الناس بأن سيطرتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أمر طبيعي. إنها تمكنت من إثبات شرعية مكانتها بصورة وكأنها تمتعت بها منذ ما قبل التاريخ. فالخطوة الأولی للوصول إلی العدالة هي توعية الناس إلی أن هذا التمييز وعدم المساواة ليس أمراً طبيعياً وأن نبيِّن للناس کيف وصل هؤلاء إلی هذه المكانة المسيطرة، ونبرهن بأن هذا التمييز وعدم المساواة ليس أمرا طبيعياً وأزلياً، بل وجد عبر التاريخ نتيجة رقود أغلبية المجتمع  وتغافلهم عن حقوقهم الاجتماعية. 

عودة المهمشين إلی الساحة 

إن المواطنين الذين تم إقصائهم وتهمیشهم وأصبحوا ضحية التمييز والعنصرية، فسوف يستمر واقعهم المؤلم والمأساوي، إذا ما رضوا بهذه الحالة بعیدين عن النشاطات العامة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بسبب العلاقات الاجتماعية الظالمة التي تسود المجتمع، فللخروج من هذا المأزق لابد أن يدخل هؤلاء المواطنون شيئاً فشيئاً في المجالات العامة للمجتمع، يجب أن يلفتوا أنظار اللاعبين في الساحة السياسية – بأیة طریقة کانت - إلی أنفسهم ويخصصوا موارد المجتمع لأنفسهم متلائمة مع كفاءاتهم واستحقاقاتهم، بالتأثير علی المؤسسة السياسية. 

تعزيز القدرات الموجودة 

بما أن رؤوس الأموال الاقتصادية (النقود) والاجتماعية (الوئام) والثقافية (التثقيف والتعليم) والسياسية (الأصوات) يمكن استبدال بعضها ببعض في المجتمعات المعاصرة، وليست رؤوس الأموال هذه کلها في أيدى أفراد وشرائح خاصة، فإن الأفراد والأطياف الاجتماعية والثقافية التي لهم قدرات متميزة في بعض المجالات، تستطيع توسيع دائرة قدراتهم و‌استبدالها بقدرات تحتاج إليها. وبهذا نستطيع أن نقلل من حدة التمييز وعدم المساواة إلی حدّ بعيد، بل نستطيع إزالتها في بعض الأحيان. 

إن جماعة الدعوة والإصلاح الإيرانیة إذ تؤكد علی هذه الأمور، فإنها تحتّم علی نفسها أن تضمّ کل جهودها إلی جهود المجتمع ومؤسساتها، في سبيل نشر التعاون والتكافل الاجتماعي، سعیا لإزالة الحرمان بأبعاده المختلفة وتحقيق العدالة.